الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دوامة العنف الكوني

عصام عبدالله

2007 / 8 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو ان خصوصية القرن الحادي والعشرين هي التي أبرزت هذا الكم الرهيب من العنف الكوني: العنف الذي ينتقل من الحقيقة الي المجاز، من الواقع الي الصورة. وكما لاحظ عالم الاجتماع الفرنسي " بيير بورديو " في كتابه: " التليفزيون والتلاعب بالعقول" فان القوى المهيمنة بوسائلها المعلنة أو الخفية تمارس الزيف وكافة أشكال العنف الرمزي عن طريق ثقافة الصورة، وهي الأخطر في عصرنا.

إن ثقافة الصورة تتلاعب بالعقول، وتشكل الوعي المسطح، وتحول المجتمعات والبشر إلى مجرد دمى في يد القوى الخفية والآلهة الجدد للإعلام. وعبارة "إن كان يدمي، فسيقودنا الي مكانه". هي وصف مختزل لميل وسائل الاعلام الي تقديم العنف بطريقة تثير المشاعر، سواء كانت تلك القصص تستحق ان تكون أخبارا أو حتي تتميز باتجاهات دالة أم لا. فقد تضافر كل من "العنف الترفيهي" و"العنف الإخباري" على إغراقنا في دوامة العنف.


والمقصود بالعنف الترفيهي هو ذلك الذي يظهر في البرامج الترفيهية كالمسلسلات والأفلام وتستخدمه شركات الانتاج بهدف جذب المشاهد من خلال الإثارة ودغدغة الأحاسيس السطحية كما يصفها البعض.

أما العنف الإخباري فيعني عرض مشاهد العنف والحرب والدماروالكوارث والاصابات التي تكون عادة في مناطق الأزمات من خلال نشرات الأخبار والبرامج السياسية أو التوثيقية.

وكم كان نيتشه مصيبا عندما قال: انه لأمر مرعب حقا ان ينتقم المرء بنفسه لمبدأه الخاص. فما يحصل الان من أعمال عنف ليس إلا أنتقاما، في كل ما يضمر الانتقام من معان: فرد ينتقم من الجماعة، جماعة تنتقم من السلطة، سلطة تنتقم من الاعداء (المعارضين). ولم يعد الألتجاء الى العنف قادرا على انهاء العنف نفسه.

صحيح ان الأفكار الكبيرة التي رسمت اطارا فلسفيا للعنف أنتهت مثلما أنتهي جزء من التاريخ، القديم والحديث، لكن انتهاءها لم يعن أبدا أنتهاء العنف في صورته اليومية أو الملموسة والمفترضة: العنف الذي تحتكره السلطة، العنف الذي يحرق الأيدي التي تمارس العنف بدورها. العنف الحقيقي الذي يحرر، العنف المزيف الذي يلغي صورة الآخر.

غير ان الطابع الاشكالي والنقدي للفلسفة يحتمان عليها إعادة النظر في كل شئ، وبالتالي اخضاعها للمساءلة. والفلسفة، كذلك إلتزام لانها اندماج وانصهار في كل ما من شأنه ان يساهم في صيرورة الحياة، من أجل الانطلاق بها الي فضاء أرحب وأوسع .

والفيلسوف ضد العنف لانه، كما يقول (إريك فايل) "سلوك لا عقلي يهدف الي النيل من كرامة الانسان ومن انسانيته. والفلسفة ضد العنف لانه يقوم علي كل الأفكار السلبية التي تحاربها كالتسلط والظلم والبؤس والشقاء والحرمان .... الخ .

ولان العنف، اليوم، أصبح سلوكا ممنهجا يهدف الي إخفاء أبعاده وخلفياته وبالتالي اخفاء أساليبه وآلياته، أو كما يقول "ايف ميشو": "ان مايميز العنف المعاصر عن أشكال العنف التي عرفها التاريخ، هو التدخل المزدوج للتكنولوجيا والعقلنة في أنتاجه". .... فان ذلك ما يجعل العنف سلوكا لا عقلانيا أنتجه العقل.

ان خطر العنف المعاصر، في ان الوسيلة تغلب الغاية .فضلا عن ان الغاية لم تعد تتناسب مع الوسائل المستخدمة، ونجاح العنف معناه إدخال ممارسة العنف في صلب الجسم الاجتماعي والسياسي ككل، مما يعني عدم العودة للوضعية السابقة . ان ممارسة العنف ، مثل كل فعل آخر، من شأنها ان تغير العالم ، لكن التبدل الاكثر رجحانا سيكون تبدلا في اتجاه عالم أكثر عنفا ودموية ....










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس الحرب الحالية.. ما الخطر الذي يهدد وجود دولة إسرائيل؟ |


.. مجلس النواب العراقي يعقد جلسة برلمانية لاختيار رئيس للمجلس ب




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقف مفاوضات صفقة التبادل مع حماس | #


.. الخارجية الروسية تحذر الغرب من -اللعب بالنار- بتزويد كييف بأ




.. هجوم بـ-جسم مجهول-.. سفينة تتعرض -لأضرار طفيفة- في البحر الأ