الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا في زيارة طبيب نفسي

سلطان الرفاعي

2007 / 8 / 31
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي



سيدة تاريخها انشودة الزمان ، عيناها زرقة البحار والمحيطات ، شعرها سنابل القمح ، عنقها جيد الرحمن ، فمها كرز الشام ، باطنها لؤلؤ وخير ومرجان ، واسمها سوريا فخر الأوطان .


جاءتني ، شاحبة الوجه ، مثقلة بالهموم ، أوجاع في الرأس والجذع والقلب ، في كل مكان . آلام فظيعة ، تثير في نفسها شعورا مؤلما بالضيق والانزعاج داخل بيتها .

قلت لها :(( لنفترض أنك مستلقية على أريكتك المفضلة تستريحين لوقت قصير ، ولنفترض أن لمشكلتك لوناً معينًا ، فأي لون تختارين ؟))
فأجابت : (( اللون الأسود )) .
فقلت : (( حسناً ، ولكن ما قد يكون شكله ؟)) .
قالت : (( كتلة سوداء كبيرة تملأ أرجاء داخلي ، أشعر بأنها تخنقني )) .
ثم لاحظتها وهي تجيبني ، فإذا بيديها تصبح قبضتين شديدتين ، فسألتها : (( ماذا تريدين أن تفعل يداك بتلك الكتلة ؟ )) .
فردت قائلة : (( أريد أن أخرجها من هنا ، فما عدت أتحمل وجودها )) .
عندئذ قلت لها : (( لو أردت أن تطلقي على الكتلة اسماً ، فما عساه أن يكون ؟ )) .
فساد المكان صمت دام ثوان طوال ، وكأن عقلها اللاواعي كان يقوم بمسح دقيق لجميع الأجوبة الممكنة قبل أن يتوصل الى اختيار نهائي .
وبعد قليل بادرت تقول : يبدو أنه حزب !))
قالت ذلك وفتحت عينيها تنظر الي متعجبة ، وأضافت متمتمة : (( أهذا كل ما في الأمر ؟ هل ما أعانيه هو بسبب حزب ؟ )) .
فعقبت عليها : (( هذا ما قاله لنا لا وعيك . وأظن أن لا وعيك كان يعلم بالأمر منذ زمن طويل ، غير أنك لم تعرفي كيف تصغين اليه )) .
وعندما أخذنا نتفحص الاحتمالات عن كثب ، قالت : (( إن حزبي كيان يصعب إرضاؤه ، لقد استأثر بكل خيراتي ، وحرم أولادي من كل شيء جميل ، اختص لنفسه بالنور ، ولأخوته الظلام . له الماء الرقراق النقي ، ولبقية أولادي الماء الآسن . له كل متع الحياة ، ولبقية أولادي كل شقاء الأرض ، له الفضاء الواسع ، ولبقية أولادي الزنازين الضيقة ----)) .
فسألتها : (( وحتى متى ستبقين على الكتلة السوداء الخانقة في حياتك ؟ )) .
فصرخت لوقتها : (( أريد أن أغير الأوضاع على الفور !)) .
عندئذ طلبت اليها : (( أغلقي عينيك واستريحي . لقد اتخذت قراراَ بتغيير الأوضاع . والآن ، أظهري رد فعلك . هل ترين الكتلة ؟ )) .
قالت : (( نعم)) .
أضفت : (( أنت حرة في أن تقومي بكل ما تريدين في عين مخيلتك . فما الذي تقومين به ؟ )) .
فارتسمت ابتسامة على شفتيها ، وقالت : (( إني أتناول مكنسة من الخزانة وأكنس كالمجنونة ))
فسألتها : (( وكيف تسير الأمور ؟ )) .
أجابت قائلة : (( أحتاج الى شيء أكثر صلابة . أستعمل الآن مكنسة كهربائية ، فهي فعالة ، وهذا ما يسعدني )) .
عدت وسألتها : (( ومالذي تفعله الكتلة ؟ )) .
فتجهم وجهها الذي علته علامات النصر ، وقال : (( لا تريد أن تغادر ، ولكني سأجبرها على ذلك )) . ثم أضافت بعد برهة : (( ها قد أخرجت معظمها )) .
فسألتها : (( هل بوسعك أن تستعيني من الخارج بشيء أقوى لتتخلصي من الآثار المتبقية ؟ )) .
أجابت بحزم : ((لا )) ، وفتحت عينيها تنظر الي ، وتضيف : ((لا أريد أن أخرج أكثر مما أخرجته . وأنا أشعر بفرح كبير بالفسحة الجديدة التي خلقتها . لا أريد أن أخرج الكتلة تماما من داخلي ))
فقلت حينئذ : (( لقد أظهرت اليوم شجاعة رائعة ، فأنت واجهت ألمك ، وتمسكت بحقوق أبنائك البقية بصرامة . ويهمني أن أعلم كيف ستطبقين معرفتك الجديدة وتستعملين قوتك من أجل أن تحسني مستقبل شعبك . ولكني سمعتك تقولين أيضاً أنك ترغبين في أن تبقي على علاقة بحزبك ، علاقة من الطرفين ، لا من طرف واحد ))
فعلقت قائلة : (( هذا صحيح ، هؤلاء أولادي ، وأولئك أولادي ، ولكن لن أدعهم بعد اليوم ، يستغلون أخوتهم ويقمعونهم ويسلبونهم خيراتي . فإن تراجعوا عن غيهم وتسلطهم وجبروتهم ، عندئذ يبقون أيضا في عداد أولادي ))
فعدت وسألتها : ( وماذا لو رفضوا التراجع عن غيهم وظلمهم وقمعهم ؟ )) .
أجابت بدون تردد : (( في تلك الحال ، سيترتب عليهم أن يبقوا وحدهم معزولين ، حتى يقبلوا بما أريد . فأنا ما عدت أخاف الكتلة السوداء )).
دمشق 29- 8-2007
ملاحظة : الكتلة السوداء ، تعبير ، يسمح فيه الطبيب للقارئ ، باستبداله بما يراه أنسب .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -