الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعنة الحواجز

هداس لهب

2007 / 8 / 31
القضية الفلسطينية


المشكلة الاساسية في المنطقة الصناعية بيت فوريك هي الحاجز، الذي يسمح بالعبور فقط للاشخاص الذين سُجّل في بطاقات هويتهم انهم مواطنو بيت فوريك او بيت دجن. اما مواطنو نابلس فيضطرون لوصول الحواجز الثلاثة الاخرى المحيطة بالمدينة. شبكة العنكبوت من الحواجز والشوارع الالتفافية تطبق على خناق الاقتصاد الفلسطيني الضعيف اصلا، وتكاد تخنقه.

هداس لهب *

م.ط. هو منتج لصابون زيت الزيتون من نابلس، جمعية "سنديانة الجليل" تشتري منتجاته وتصدرها للخارج. منذ نيسان الاخير يعجز م.ط. عن الحصول على تصريح بدخول اسرائيل، رغم تدخل محامٍ والرسائل التي وجهتها الجمعية لضابط دائرة التشغيل في الادارة المدنية والمستشار القضائي بالضفة الغربية. منذ عام 2000 اصبح م.ط. رهينة لرحمة موظفي الارتباط المدني الاسرائيلي والحواجز غير النهائية التي تطوق نابلس.



"المنطقة الصناعية" بيت فوريك

في 19 حزيران، بعد ان يئست من انتظار زيارة م.ط. للجليل، قررت زيارته في مصنع العائلة الذي بنته ثلاثة اجيال من منتجي الصابون. لحسن الحظ، يقع المصنع في المنطقة الصناعية لبيت فوريك. ولا يجدر ان تضللكم عبارة "لحسن الحظ"، فليس القصد نجاح ووفرة، بل مجرد ان المصنع يقع في المكان الصحيح، لانه لو تواجد شمالي حاجز بيت فوريك داخل حدود مدينة نابلس، لما كان باستطاعتنا زيارته مطلقا، ولا نقل الصابون الذي ينتجه لنا لتسويقه.

عبارة "منطقة صناعية" هي الاخرى غير دقيقة: عشرة مصانع عائلية متناثرة في ارض وعرة شرقي بيت فوريك، وعدت السلطة الفلسطينية بانها ستكون "درة التاج" في الاقتصاد الفلسطيني المتجدد. احد المصانع لانتاج الصابون، آخر للعلف، وبعض المصانع لانتاج البلوكات والبلاط. لا لافتة تستقبل الداخلين، ولا طريق معبدة، لا شبكة هواتف ولا توصيل بشبكة الماء. الكهرباء تأتي من شركة الكهرباء الاسرائيلية. بعض ما تبقى من حلم سنغافورة الشرق الاوسط. واقع ما بعد ايلول 2000.

على سطح المصنع عشر حاويات كبيرة توفر الماء للمصنع. سعر الكوب الواحد يبلغ 10 شيكل، بينما يبلغ سعر الكوب للمحلات الصناعية في اسرائيل 2.215 شيكل فقط. المجلس المحلي بيت فوريك يوفر الماء من بئر في سهل بيت دجن. مستوطنتا ايتمار والون موريه المجاورتان متصلتان بانبوب ماء يمر بجانب حاجز بيت فوريك. قبل الانتفاضة اتفقت السلطة الفلسطينية مع شركة "مكوروت" الاسرائيلية على وصل بيت فوريك بشبكة الماء، وبدأت تعد البنية التحتية لذلك. غير ان الانتفاضة جمدت الاجراءات، ربما كعقاب على مشاركة بيت فوريك في الانتفاضة.

قبل اربعة اشهر تمكن م.ط. من مد خط هاتف للمصنع. على حسابه طبعا. في مكتبه غير المكيَّف يجلس على كرسي ادارة قديم، يُجري اتصالات عبر الهاتف، يرسل ويستقبل الفاكسات والرسائل الالكترونية، حتى انه ينجح في الاتصال بالانترنت. امور مفروغ منها تبدو في تلك البقعة من الارض معجزة.

مصنع الصابون التابع لعائلة م.ط. كان الاول الذي حصل على رخصة بناء في المنطقة. عندما بدأت اقامة المنطقة الصناعية عام 2000، سارع م.ط. لشراء قطعة ارض مقابل 70 الف شيكل فقط. وما كادت تبدأ عملية البناء، حتى اندلعت الانتفاضة وتجمد المشروع. فقط في عام 2005 نجحت العائلة في اتمام البناء، ونقلت مصنعها من نابلس للمبنى الجديد في بيت فوريك. حتى عام 2005 كانت بيت فوريك مغلقة تماما امام السيارات. حاجز من حجارة وجنود منعوا العبور الا للمشاة. في عام 2005 تم "تدشين" حاجز بيت فوريك "العصري" الذي مكّن السيارات لاول مرة منذ خمس سنوات من العبور الى القرية.



شبكة العنكبوت

المشكلة الاساسية التي يواجهها م.ط.، مواطن نابلس، هي الحواجز. شبكة العنكبوت التي تنسجها الحواجز والشوارع الالتفافية تطبق على الاقتصاد الفلسطيني الضعيف اصلا، وتكاد تخنقه. للوصول الى المصنع يحتاج م.ط. الوصول اولا لحاجز بيت فوريك شرقي نابلس. هناك يضطر للانتظار في الطابور نصف ساعة، ساعتين، ثلاث، او النهار بطوله، حسب الظروف الامنية.

المصيبة ان حاجز بيت فوريك يسمح بالعبور فقط للاشخاص الذين سُجّل في بطاقات هويتهم انهم مواطنو بيت فوريك او بيت دجن. مواطنو نابلس يستطيعون العبور فقط من الحواجز الاخرى المحيطة بالمدينة: حوارة جنوبا، بيت ايبا غربا، الباذان (قرب طلوزة) شمالا. على مواطن نابلس الراغب في عبور حاجز بيت فوريك، ان يكون مزودا ببطاقة هوية اضافية مسجل فيها عنوان له في بيت فوريك.

يرافق م.ط. الى المصنع يوميا والده ابن ال76 عاما، وا. ص. ابن ال60 عاما وهو اب لاربعة، كان في السابق صاحب مصنع صابون في نابلس، وفي الانتفاضة الاخيرة اضطر كغيره الكثيرين لاغلاق المصنع والتحول الى عامل. صرفندي، لاجئ من صرفند قرب مدينة الرملة، يعمل لدى م.ط. نهارا في انتاج الصابون ويحرس المصنع ليلا، مقابل 1500 شيكل شهريا. وهو مبلغ محترم في بلد منكوب بالبطالة التي تصل الى 70%.

انتقال المصنع الى بيت فوريك وسياسة الحواجز أجبرا م.ط. على فصل العمال الذين عملوا في مصنعه القديم بنابلس. معظم هؤلاء من قرية سالم قضاء نابلس، وتقع ضمن منطقة نفوذها. اليوم يشغّل م.ط. عمالا من بيت فوريك وبيت دجن، لمجرد انهم قادرون على وصول المنطقة الصناعية في بيت فوريك دون مواجهة الحواجز. يعمل في المصنع اليوم ستة عمال، كلهم ارباب عائلة ومعيلون وحيدون. في الماضي الذي سبق عام 2000، شغّل المصنع عددا مضاعفا من العمال.

السبب، كما يفسر م.ط.، هو اغلاق الطرق وشح المال في ايدي الناس، يقول: "قبل الانتفاضة كانت قيمة مبيعاتي تتراوح بين 150-250 الف شيكل شهريا، منها 100 الف شيكل من السوق الاسرائيلية. اليوم بالكاد احصّل ال50 الف شيكل شهريا، اقل من 20% منها من السوق الاسرائيلية. وهناك ايام لا اربح فيها اكثر من 100 شيكل".

السفر في الطريق الرئيسية من بيت فوريك الى حوارة، تستغرق اقل من عشر دقائق. وهي طريق جميلة تتلوى بين الجبال وتشرف على كروم زيتون وبساتين محروثة، غير انها خالية تقريبا من السيارات. انها معدّة للاسرائيليين فقط. اذا تم ضبط فلسطيني بسيارته فيها يتعرض للاعتقال او للغرامة، هذا إن لم يتم اطلاق النار عليه قبلها. على مواطن بيت فوريك الراغب في مغادرة قريته ان يدخل اولا الى نابلس عبر حاجز بيت فوريك. من هناك عليه ان يسافر ثلاثة كيلومترات حتى حاجز حوارة، ثم يواصل طريقه اذا نجح في عبور الحاجز بسلام. هكذا تتحول طريق من دقائق معدودات الى درب طويلة من الآلام تستغرق عدة ساعات.

نفس الدرب الطويلة تنتظر ايضا الشاحنات المحمّلة بالبضائع من بيت فوريك الى اي مكان في الضفة الغربية. المعبر الوحيد الى خارج نابلس هو حاجز حوارة الموجود جنوبي المدينة، ولا يهم احدا اذا كانت طريق البضائع اصلا الى شمال الضفة، مثل جنين او طولكرم.

يسمح بنقل البضائع الى اسرائيل فقط على متن شاحنات تحمل شارات ترخيص اسرائيلية، وفقط عبر حاجز عناتا، شمالي شرق القدس. بمعنى، بدل قطع الطريق بشكل مباشر من نابلس للناصرة خلال ساعة او ساعة ونصف، تقضي الشاحنة في الطرقات والطوابير الممتدة امام الحواجز على الاقل اربع ساعات. الترجمة المباشرة لهذه السياسة هي رفع جنوني لاسعار النقل. النقل من نابلس للجليل الذي كان يكلف في الماضي 300 شيكل، صار في افضل الحالات يكلف 1200 شيكل، وهذا لا يشمل الضريبة بقيمة 90 شيكلا تدفعها كل شاحنة مقابل مرورها بحاجز عناتا.

المعاناة الاقتصادية خلقت في نابلس فوضى لم تكن معروفة مسبقا. السرقات، الخاوات، الاقتحامات للمصانع والمشاغل، كلها صارت روتينا يوميا. فرق من الزعران ينصبون الحواجز المفتعلة، يُوقفون السائقين ويستولون على ما بحوزتهم. يقول م.ط.: "لا اخرج وفي جيبي اكثر من 100 شيكل، فانت لا تعرف ما قد يلاقيك في الطريق".

حان وقت الغداء في مصنع الصابون. تُفتح الطاولة، يلتئم المدير والضيوف والعمال معًا حول اطباق اللبنة والحمص. التقسيم الطبقي يتلاشى عندما تكون المعاناة نصيب الجميع. بعد ثلاثة اسابيع، ستتوقف الشاحنة عند مصنع "سنديانة الجليل" في المنطقة الصناعية بكفر كنا قرب الناصرة، وستُنزل آلاف القطع من صابون زيت الزيتون. بعد عدة اشهر، بعد ان يتم تغليف الصابون وتعبئته، يتم تصديره الى دول اوروبا بواسطة شبكة دولية لمنظمات "التجارة العادلة"، والتي تناضل لهزم لعنة الحواجز.

* الكاتبة هي مديرة جمعية "سنديانة الجليل"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جامعة كولومبيا تلغي حفل التخرج الرئيسي جراء الاحتجاجات المؤي


.. بالمسيرات وصواريخ الكاتيوشا.. حزب الله يعلن تنفيذ هجمات على




.. أسقط جيش الاحتلال الإسرائيلي عدداً كبيراً من مسيّراته خلال ح


.. أردوغان: سعداء لأن حركة حماس وافقت على وقف إطلاق النار وعلى




.. مشاهد من زاوية أخرى تظهر اقتحام دبابات للجيش الإسرائيلي معبر