الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل حقا أن العراق بلد نفطي ؟

زهير كاظم عبود

2007 / 9 / 1
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


بدأ أنتاج النفط العراقي في العهد الملكي في منتصف العشرينات مع وجود الاحتلال الانكليزي ، حينها كانت البلدان التي تنتج النفط على عدد الأصابع في المنطقة ، ولم يكن الإنتاج بالكمية والنسبة التي صار اليها ، وبدأ أنتاج النفط بوجود الشركات الأجنبية التي كانت تأخذ الحصة الأكبر من عوائده وتمنح الأقل للحكومة العراقية ، وتمنح نسبا أخرى لكوبنكيان وغيره ممن قدم الخدمات والأعمال التي تخدم عمليات الاستخراج والاستكشاف والإنتاج .
ومع هذا الإيراد القليل الذي يعود الى الحكومة العراقية ، ومع قلة المشاريع التي كانت تقدم عليها الحكومة من خلال مجلس الأعمار ، و بقي العراقي بحاجة ماسة الى مكونات أساسية للحياة التي تليق بالإنسان ، فبقي العراقي يركب قطارا واحدا لايوجد غيره في العراق ، وبقي العراق بملعب رياضي واحد لايوجد غيره في العراق حتى منحنا المرحوم كولبنكيان من حصته ملعبا للشعب ، وقاعة اخرى للعرض ، لم تجرأ الحكومة أن تؤسس غيرها.
وبقيت نسبة الجياع والمعدمين والمحرومين في العراق نسبة عالية ، يرافقها نسبة غير طبيعية في البطالة ، تتزامن مع هجرة من الريف الى المدينة ، ينتج عنها انحسار في الأيادي العاملة في الريف والنتاج الزراعي ، وكثافة غير منتجة في المدن .
ويستمر النفط العراقي في التدفق ، ويتم إصدار قانون الاستثمار رقم 80 في العام 1961 من قبل حكومة الشهيد عبد الكريم قاسم ، بناء على مفاوضات وطنية أجرتها الحكومة مع الشركات لتحجيم أرباح تلك الشركات ومناصفة العراق معها في عوائد تلك الأرباح ، وتعريق العاملين والموظفين في عمل الشركات ، وتحديث الأجهزة والآلات وتركها للعراق لتأسيس صناعة نفطية وطنية مستقبلا ، ولحاجة البلد الى موارد مالية للبناء والاستثمار وتأهيل الحياة العراقية بما يتناسب مع وجود النفط فيها ، ليتم تأسيس منظومة وطنية لإنتاج النفط العراقي ، على أساس أن يتم توسيع القاعدة الإنتاجية ليكون مردودها الى الشعب ، ولقي القرار المذكور تأييدا ساحقا من الأحزاب الوطنية والعراقيين عموما ، ومع تقلبات الحياة السياسية في العراق يزداد العراقي بؤسا وفقرا ، وتبقى معالم الحياة العراقية متواضعة لاأثر لعوائد النفط فيها ، ومن الطريف أن العراقي كان على الدوام يحتاج الى المشتقات النفطية التي تنتجها الدوائر العاملة في العراق وبإنتاج متواضع ورديء غير متطور ، وبقي العراقي يلهث وراء النفط والغاز والبانزين والدهون المستعملة للسيارات ، وغالبا ما يستورد تلك المنتجات من خارج العراق ومن دول كان قد سبقها في الإنتاج والاستخراج .
وحين تم تأميم النفط في العام 1973 ، لم يكتشف أهل العراق اللعبة السياسية التي أقدمت عليها حكومة البكر – صدام ، في إقدامها على تأميم حصة وممتلكات الشركات الأجنبية وإبقاء حصة فرنسا ، بالنظر لقرب انتهاء المدة القانونية لعمل تلك الشركات وتركها جميع معداتها دون تعويض وفقا للعقود المبرمة ، وبذلك ضمنت تلك الشركات تعويضات ضخمة وكبيرة من خلال تلك اللعبة لم يتم الكشف عنها حتى اليوم .
والمتمعن في خارطة العراق النفطية يجد أن المدن التي تنتج النفط لم تزل على حالها ، لم يلحقها التطور ولا التحديث ولا كان لإنتاج النفط ووجود المنشآت النفطية فيها أي آثر ، ولم تزل مدن بدائية قديمة ، الكثير من شوارع القرى والنواحي والأقضية لم تعبد طرقها ، ولا إنارتها الكهرباء ، ولاكانت الخدمات فيها تليق بالإنسان ، ويكفي أن البصرة لم تزل حتى اليوم تشرب ماء مالح ولا تستطيع أن تشرب الماء الحلو لأمر في نفس يعقوب .
ومع حجم الكميات التي قام العراق بتصديرها من النفط الخام ، فقد كانت أسعار برميل النفط في تصاعد مستمر ، دون أن يلمس العراقي فائدة من هذا التصاعد ، ودون أن يتحسن مستوى الفرد العراقي في الحياة العراقية ، وبقيت مشاكل البطالة والتسول والهجرة وتردي الأحوال الاقتصادية تؤشر تدنيا في الخط البياني لحياة الإنسان ، وبقيت مناطق نفطية عراقية عديدة تحت سلطة شركات النفط الأجنبية ، وبقي العراق يراوح في مكانه منشغلا بمشاكله الداخلية ، حيث كانت السلطات العراقية المتعاقبة تخصص الجزء الكبير من دخلها النفطي لأغراض القمع والحروب وعمليات إبادة شعب كوردستان والأنفاق على الأجهزة الأمنية وعمليات الاغتيالات وشراء الذمم والضمائر العربية والأجنبية .
في حين بقي العراقي يتطلع الى النفط الذي تتصاعد أسعاره مع تصاعد خطوط الفقر والبطالة وتحطيم الصناعة الوطنية العراقية، وبروز ظاهرة الخصخصة في مؤسسات الدولة ، حتى بات العراق من الدول التي تنتظر بفارغ الصبر المعونات الاقتصادية والمنح والهبات كأي دولة فقيرة ومعدمة ، وصار المواطن العراقي يستلم أكياس الرز وصفائح الزيوت مقرونة بعبارات المساعدات الإنسانية من الدول والشعوب التي تعطف على الدول الفقيرة ، ويكفي للدلالة على أن أسواق بيع الملابس القديمة ( البالات ) بقيت رائجة ومستمرة في مدن العراق ، الذي بقي مستمرا في استيراد كل تلك المخلفات والأسمال من الملابس ليرتديها أهل العراق بقناعة ووقار وصمت .
وبقي دخل الفرد العراقي متدهورا الى درجة لايصدقها العقل مع استمرار تدفق النفط في الأبارالعراقية ، وتحول العراق من بلد زراعي الى بلد يعتمد في عصب حياته على ما يتبقى من شحيح الإيرادات التي تعافها السلطات لتقتات عليها الناس ، وترك أهل العراق الزراعة، وانتحرت الصناعة الوطنية ، حتى أطبق الاستيراد الأجنبي على خناق العراق .
وطيلة الفترة الزمنية من بدء الإنتاج وحتى اليوم لم تستطع الحكومات المتعاقبة أن تعمل على تطوير الصناعة الاستخراجية و فتح آفاق و فرص كبيرة لتحسين الوضع الاقتصادي في العراق .
ويبقى العراق يعيش وعلامات الاستفهام تملأ رأسه ، في جدوى وجود وزارة للنفط ، لم تستطع منذ قيامها حتى اليوم أن تسد حاجة المواطن العراقي من المشتقات النفطية ، ولا كشفت له عن الأسباب الحقيقية وراء تلك الأزمات المتكررة ، ولا عرف الناس بصدق الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء وجود النفط والبانزين في شوارع المدن ، وعدم توفره في محطات الوقود ، وبقيت تلك الوزارة تضخ الوعود وتخلف في وعودها دون محاسبة برلمانية ، وبقي العراقي يتطلع بعيون ممتلئة بالدموع الى القطط السمان وتجار الأزمات وهم يزدادون سمنا وثروة وانتفاعا ، في حين يصل الأمر بالعراقي الى استجداء رغيف الخبز من الدول الفقيرة والمعدمة ، ويصير مشردا ولاجئا في دول الله ، ويبقى العراق بلدا نفطيا محسوبا على منظمة الأوبك ، ومسجلا ضمن بلدان النفط المنتجة بغزارة واستمرار .
ولن نتعرض الى السرقات اليومية للنفط العراقي ، والتي بلغت مليارات البراميل والدولارات ، والتي لم تكشفها الحكومة حتى اليوم مع معرفتها بالقائمين بها ، والجهات الداعمة لهذه السرقات والعراق يمر في فترة من أحلك فترات حياته ووجوده ، و نتعرض لحاجة المواطن العراقي الى النفط كمادة أساسية في التدفئة ، إذ مضت سنوات عجاف ترتفع الأسعار مع وجود النفط خارج أطار منافذ البيع الحكومي وبأسعار خيالية لاتتناسب مع وضع العراق النفطي ، وحاجة المواطن العراقي الى قنينة الغاز الذي يطبخ بها قوت عياله بعد ان وصل سعرها عشرات الأضعاف ، والى البانزين حيث اعتاد أن يقف ليملأ خزان سيارته بصعوبة وعناء كبيرين ، بينما يجده في شوارع الطرق الخارجية متوفر بالبراميل وبأسعار مرهقة .
هل العراق بلد نفطي ؟ والجوع يملأ البيوت !! وهل العراق بلد يبيع النفط ؟ وأهله يحتاجون نفوطه قبل غيرهم !! وهل العراق بلد نفطي ؟ والعراقي لم يعرف حتى اليوم أين استقرت تلك المليارات التي عادت لبلاده طيلة سنوات التصدير ؟ ولم تزل بيوتنا الطينية وأكواخنا وصرائفنا علامة عراقية فارقة ، ولم تزل طرقنا الموحشة والممتلئة بالحفر والمستنقعات منتشرة ، ولم يزل قطارنا الواحد البائس كما كان ، وملعب الشعب وحده كما كان ، وطرقنا ذات الممر الواحد كما كانت ، والمدن الممتلئة بالمستنقعات والمياه الآسنة كما كانت ، ولم تزل البصرة تشرب المياه المالحة كما كانت ، فأن لم نستطع إن نجد الرحمة والمروءة من الحكومة ومن وزارة لنفط في تأمين حاجة المواطن ، فهل نلتمس رحمة ومروءة سراق النفط ليكفوا عن السرقة بعد أن شبعوا ، أو على الأقل ليتقاسموا دون خجل مع الشعب المحروم ثروته التي ضيعتها الحكومات واختلسها الزمن الرديء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصحافي رامي أبو جاموس من رفح يرصد لنا آخر التطورات الميداني


.. -لا يمكنه المشي ولا أن يجمع جملتين معاً-.. شاهد كيف سخر ترام




.. حزب الله يعلن استهداف موقع الراهب الإسرائيلي بقذائف مدفعية


.. غانتس يهدد بالاستقالة من الحكومة إن لم يقدم نتنياهو خطة واضح




.. فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران تعلن استهداف -هدفاً حيوياً-