الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كان اللقاء الأخير ...

حيان نيوف

2003 / 10 / 14
الادب والفن


... " وفوق وادي الجثث المقرف هذا
      يتحرك فيّ ألم ولكن دون أن يناله العطب ،
      يتحرك الفكر وكله حنين ولهيب متأجج ،
      يحارب الموت ويجعل نفسه خالدا ."
     
    من لعبة الكريات الزجاجية ،قصائد التلميذ والطالب ، أثناء قراءة فيلسوف قديم / هرمان هيسَه. 


كان اللقاء الأخير قبل أن أدفن راسي بين كفي لأبكي .

كانت لحظة حولتني لطفل، فراحت تتقاذفني الذكريات ،التي لا تذكرنا إلا لحظة الحاجة لدمعة، تخرج معها الروح والآهات . في هذه اللحظة تعزّزت لدي فكرة : كما يحتاج الإنسان رغيف الخبز والحرية فإنه يحتاج الدمعة التي تخرجه من غصّة أزلية .

كانت تحدثني أوراق الزعتر البري كيف تدق بابها قطرات الندى لترتاح عليها بعد شوط طويل من التعب في ليلة مظلمة . كانت تحدثني عن  حكايا العاشقين تحت أشجار الخرّوب ، وكيف يركض النواطير وراءهم . كانت تحدثني عن هروب العاشقين بحثا عن المكان بعد أن ضاقت بهم الدنيا وضاق بهم زمن التسكع على أرصفة الحب . ضاع المكان كما ضاع الباحثون عنه وأي مكان هذا بعد " الونّوسيّة " : " بلاد أضيق من الحب " !! . 

إنها ليست مرثية في قصة حب ، وليست تأملات رومانسية في نص رمزي غامض ... ففي زمن " تشييع العقل في تابوت الحرية ولبسه كفن التنوير " سيصعب علينا أن نجد منفذا أو ثقبا إلى النور إلا من خلال قلب ، حتى و لو كان منهكا ! . إنها كلمات تسير ببطئ على حافة النص ، فإن وقعَت في الجب وقعْت معها . إنها الانكسار النابع من داخلي ومن فوهة قلمي المحترق على بقايا ورق عتيق . فقد تغتالنا الأيام ، وقد يغتالنا القهر ، وربما نغتال أنفسنا ، أما أن تغتالنا لحظة اللقاء الأخير .. !

أقبض بيدي على كومة من الجمر لأصيّرها رمادا ، يشقه الحلم، كما تشق الشمس سجن الليل لتحرّر الفجر ، وأحمل مأساتي على كتفي سيرا على أوجاعي المبنية بحجارة الشرود المستحيل . أمشي وحيدا في شوارع البلاد بحثا عن وجهي بعد أن كسرت كل المرايا . كل الأبواب مغلقة على أصحابها ،منذ سنوات طويلة، قرروا فيها معاشرة العنكبوت والظلمة التي تنهش لحمنا وعقولنا وتأخذ ما يتبقى من عظامنا لأبنائها ..

كان اللقاء الأخير قبل أن أرجع وحيدا برفقة وجهي المزدحم بدمعة واحدة .. هي أنا !  .. وقبل أن تمسك بيدي الشوارع ،الطويلة العريضة، المزدحمة بذكريات ورائحة أناس ذهبوا وتركوا الشوارع فارغة لا تمشي فيها إلا الأحلام المتبقية من روائح تبغهم .. . ومضى الوقت ، وأنا أمشي ،متأثرا باللقاء الأخير الذي صيّرني إلى نصفين : النصف الأول رحل مع نهاية اللقاء الأخير ، والنصف الآخر اختطفته عقارب الساعة . كم كنت كاذبا وأنا أضحك لحظة اللقاء الأخير!! نعم كنت كاذبا لأنني ، ساعتها ، كنت أحترق مثل لفافة تبغ بلدي، لا يذهب دخانها إلى الهواء ، بل يجتمع في حلقي ليخنقني ببطئ شديد .

لقد التقينا لنفترق في مكان يفترق كل الناس فيه ، وزمان أذاب ، دون رحمة ، كل الشموع التي أشعلناها، إيذانا باللقاء الأول على سرير الحياة ، قبل أن تفرّقنا الساحرة الشمطاء !! .

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين


.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض




.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن