الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الى ولدي

سميرة الوردي

2007 / 9 / 3
الادب والفن


الى ولدي
لن أبكي بعد اليوم ، وسأبتسم يا كل ما كسبته من هذه الحياة رغم تعبي ومعاناتي ، ليس الموت من يحيلنا الى ركام ، بل هي تلك الأفكار اللا إنسانية اللا أخلاقية، وبالرغم من مرورعشرات آلاف من السنين على وجود الإنسان ومرور آلاف من سنين أُخرعلى حضارته وتمدنه ، ولكنا ما زلنا نعاني من ذلك التوحش الذي سكن أفئدة وعقول بعض البشر الذين فقدوا آدميتهم ، فعاثوا في هذه الأرض تدميرا وفساداً يا بني
لاتبتئس ولا تيأس مهما طالت الغربة وعذاباتها ، لا بد من أن يأتي اليوم الذي يندحر فيه الإرهاب والطغيان والظلم ، وكل أنواع الضيم المحسوس وغير المحسوس، الذي عشناه والذي ينتظرنا بعد ، و لابد للأفكار الظلامية من أن تخبو وتموت بموت الجوع والطغيان وسيادة الوعي والمنطق والعقل والحكمة على حياة الإنسان.
ألم تشاهد الآباء والأمهات العراقيات الذين لم يستطيعوا إكمال دراستهم ، كل همهم منحصر على زوال الإرهاب وإحلال الأمن كي يواصل أولادهم الدراسة دون خوف أو انقطاع ، هؤلاء هم أولاد الرافدين ، أولاد أولى الحضارات . وقد ذكر لنا التاريخ الموغل في القدم أن أهل العراق كانوا يجهلون الفروق الإجتماعية وعدم المساواة في الثروة ، وكان للنساء دور هام في الإنتاج ، وكان في المدن مجالسَ شعبية ومجالس شيوخ ، تتمتع بحقوق انتخاب الحاكم ، وربما عزله وإقرار العدل ، والعراقيون أول من اخترع الكتابة ، ووضع الشرائع ودونها في تأريخ الحضارات البشرية ، وهم أول من اخترع الأرقام واهتدوا الى العمليات الحسابية ، وأول من أسس علم الفلك ، كما إنهم ساهموا في تقدم العلوم والفنون جميعها ، أليس من حقهم بعد كل هذا التطور أن تكون بلادهم مهدا للأمن والأمان وأن تكون حاميا ومستقرا لهم من ذلة التغرب ومآسيه ؟
يا بني
عذبنا التغرب ، وقد سُئل إعرابي
: ما الغبطة ؟ قال
: الكفاية مع لزوم الأوطان .
وقد قال أحد الشعراء
كلُ العذابِ قطعةٌ من السفر يا ربُ فاردُدْنا على خيرِ الحَضَر
نُفينا رغم أنوفنا، وبعد هذه السنوات لم نجد مستقرا لنا ، لا في الدول التي تدعي الديمقراطية وعلى قمتها السويد التي لم تحتضننا لأننا رحلنا اليها بجوازاتنا ، والتي انتظرناها عشرين عام واشتريناها بكل ما نملكه ، ولا في بلداننا العربية التي تنظر الينا كغرباء وعلينا أن نكافح وبمشقة من أجل التعليم والصحة والإقامة ولقمة العيش .
اصبر يا بني . فحالك من حال الملايين الذين هاجروا وهجروا، في السابق ، وفي اللاحق ، ولكن لا تنس تفوقك الذي حجمته وخذلته الظروف ، أصبر وناضل بكل ماتبقى فيك من قوة ، وشق لك مكانة مرموقة في هذا العالم الذي لم يتخلص بعد من شريعة الغاب ، لا تنس يا بني إن العلم والأخلاق الإنسانية وحدهما جوازك الى الحياة ولا شيء غيرهما ، وهما الباقيان في نواميس رقي الإنسان وتطوره .
سيأتي اليوم الذي يزول فيه الإرهاب وتسود فيه الديمقراطية الحقة حتى في البلدان التي تدعيها .
الكل يدرك كم هي صعبة هذه الغربة الطويلة، فالسنين تمضي ، والعمر ينصرم ، ولكن عليك أن تكون الأقوى في سعيك ، فسفينة العلم منجاتك كما كانت سفينة نوح منجاة الوجود الكوني .
الغربة ياولدي لا أخلاظظظق لها وما يصادفه الجميع محض مصادفات في النجاح والفشل ، لا قانون لها ولا ضوابط ، وانما كلٌ ونصيبه ومؤهلاته ومدى ما يتمتع به من قدرات خلاقة من تلافي الأزمة وعبورها ، كم من الناس الجيدين المبدعين هلكوا وكم من أُناس اختبرتهم المحن ولم يكونوا مستعدين لها نجحوا .
لا شيء سيوصلنا الى الطمأنينة والراحة والحب الا العلم الحقيقي والديمقراطية الحقة واللذان مازالا مستعصيان على العقل البشري ، ولم تُفك طلاسهما بعد . وما نمر به هو صراع بين الوجود الذي تفرضه نواميس الحياة وتطورها وبين فلسفة الإرهاب الذي لم يجد وسيلة له سوى استخدام آلة الدمار والموت ، وهذا هو كما يقول المثل العربي ( جهد العاجز ).
يابني
مهما شُقيت ، وطال زمن غُربتك ، فلا تتعب وتنزل من سفينة النجاة ،( ليس السباق في حسن الإبتداء بل في حسن الإنتهاء ).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حصريا.. مراسل #صباح_العربية مع السعفة الذهبية قبل أن تقدم لل


.. الممثل والمخرج الأمريكي كيفن كوستنر يعرض فيلمه -الأفق: ملحمة




.. مخرجا فيلم -رفعت عينى للسما- المشارك في -كان- يكشفان كواليس


.. كلمة أخيرة - الزمالك كان في زنقة وربنا سترها مع جوميز.. النا




.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ