الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العصفور الشاعر - قصة

جمال بوطيب

2007 / 9 / 3
الادب والفن


... وحين جاءت سكرة الموت، التفت لعصفور المسكين ذات اليمين وذات الشمال، لم يجد من يحدثه. انتظر طويلا ، ثم قال كل شيء للقفص الحديدي الصغير ومات. مات العصفور.. وقيل انتحر . الأشياء الكثيرة التي وجدوها في القفص أثارت أسئلة مقلقة ومحيرة. وجدوا إناء القمح طفحا، فقالوا: شبع العصفور ولم يقو على الأكل. وقالوا: أضرب عن الطعام ولم يأكل. وقالوا:إن الأكل وضع بعدما مات العصفور... تساءلوا ما الذي يمكن أن يكون قد قاله العصفور قبل موته، وعن أي شيء تحدث.. وبماذا أوصى، وكيف مات؟؟ تأسفوا في أعماقهم وقال كل واحد في سره:
" ياليت العصفور لم يمت. وياليت سليمان لم يمت وياليت الموت لم يكن".
كان بويب القفص الحديدي الصغير مشرعا. حين لاحظوا ذلك تساءلوا لماذا لم يهرب العصفور؟ ولماذا لم يأكل؟ كانت أسئلتهم كثيرة ، وأجوبتها لا يملكها أحد غير العصفور. ولا يفهمها أحد غير سليمان. لكن العصفور مات. وسليمان أيضا مات. والأسئلة وحدها لم تمت. فمن فتح البويب؟ ومن قتل العصفور؟ ومن اشترى القمح ووضعه في الإناء ومن صاحب القفص؟ ومن أين ينحدر العصفور؟ لا أحد يدري.
في التحقيق قال القفص الحديدي الصغير:" لم أفهم كثيرا من كلام العصفور. كان في أول الأمر يغرد تغريدا حزينا، ومن مدة لم يغرد. كان كثيرا ما يتحدث عن حبيبته وأيام الحصاد والزفاف والجنة. سمعته يوما يقول: إن الأجنحة نعمة ربانية لا ينبغي أن تكون لغير العصافير، وكان كثيرا ما يقول: إن من لم يحب لن يكون في وسعه كتابة قصيدة ، وإنه لا احد غير العصفور يستطيع أن يكتب حرفا واحدا عن القفص، وكان آخر ما فاه به. وهو يحتضر:
- إني لم أوفق في الكتابة عنك يا عزيزي، فكن أصيلا أيها القفص الحديدي الصغير واكتب عني.
قال طائر نصب نفسه للدفاع عن العصفور: العصفور لم يمت وإنما قتل. وما قاله القفص ليس بكلام القفصان، وفيه كثير من الغلو. صحيح أن العصفور كان عاشقا، ولكنه لم يتمن قط أن يصبح شاعرا... وإن كنت شخصيا لا أنكر التقارب بين الشعر وكلام العشاق.
وحين وقفت حبيبة العصفور المسكينة على قبره، تركت الدموع تنحدر على خديها الشاحبين بكل حرية وقالت:
- نم مطمئنا يا حبيبي. فلست العصفور الوحيد في العالم. سيستمر العشق وتنظم القصائد وتنشر الأخبار. نم ، فقاتلك ساومك على بيع جناحيك لكنك أبيت، فقتلك. نم فقد قالت عصفورة مجربة: نحن الفقراء ننظر دائما إلى ما يملكه الأغنياء، ونتمنى أن تزول تلك النعمة عنهم. وها أنت ترى كيف أن صاحبك طمع في جناحيك وكيف أن الحكمة قلبت. فلا تبتئس. فإن كانت لهم الأرض فإن الأرض لنا والسماء.
قال صاحب القفص ودمعة يتيمة تنحدر ببطء على خده: يشهد الله أني كنت أحبه... وكان المرحوم يحب عصفورة لا أعرفها...واحتراما لحبهما فتحت له بويب القفص الحديدي الصغير ليذهب إليها.
وفي الصباح وجدته جثة هامدة. احترت ماذا أفعل. بكيت كثيرا ولكن غليلي لم يشف... وأنا الآن أطالب، سيدي القاضي، بالتحقيق في هذا الأمر وكشف القاتل.
مسد القاضي الوقور لحيته البيضاء وقال: ".... ثم إن وفاة عصفور لا ينبغي أن تعطل مصالحنا، و بإمكان كل من تمسه وفاة هذا العصفور أن يراسل شركة التأمين الوطنية مطالبا بالتعويض، وينتظر الرد".
وحين صارت قاعة المحكمة فارغة، تقدم الشاهد الذي رفضت هيئة القضاة السماع لشهادته نحو طاولة القضاة. تصورهم يسمعونه. قال:
- صدقوني، أنا الذي شاهدت وفاة أكثر من عصفور ...أعرف آخر الكلمات التي ينطقون بها. ولو لم يمت العصفور.. ولو لم يمت سليمان لتأكدتم من صدق قولي. لي اليقين أن العصفور وهو يلفظ آخر أنفاسه كان يردد:
- " أضاعوني وأي فتى أضاعوا..."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو