الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-حماس- : اجتهدت كثيرا وسقطت بجدارة في الامتحان !

نايف ابو عيشه

2007 / 9 / 3
القضية الفلسطينية


منذ ان اعلنت حركة " حماس" عن نفسها في منتصف العام1988, بدا واضحا انها كالطالب المجتهد منذ بداية العام الدراسي , حيث عملت بداب كبير , وجهد يومي متواصل بين جماهير الشعب الفلسطيني , واستطاعت ان ترفد صفوفها بعشرات الالاف من المواطنين المسلمين بالفطرة , سواء من خلال الخطب والدروس الدينية في المساجد , او من خلال دورها في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال . وقد تنامى دورها في السنوات الاولى لتوقيع اتفاقية اوسلو مع اسرائيل , الامر الذي شكل لها مناخا مناسبا لاستقطاب المزيد من الاعضاء والمؤيدين لموقفها المعارض بشدة للاتفاقية , التي رات فيها تنازلا عن نصف فلسطين التاريخية. ومع مجيء السلطة الفلسطينية الى الضفة الغربية وغزة , وما رافق ذلك من اخطاء وتجاوزات , وفساد مالي , ومحسوبية في الوظائف وغيرها , وضعف القوى الاخرى بما فيها الاساسية في م.ت.ف , رغم معارضتها هي الاخرى لاتفاقية اوسلو لعدم اتفاقها على برنامج سياسي بديل لتلك الاتفاقية , الامر الذي استفادت منه حركة" حماس" بشعارها المعروف" الاسلام هو الحل", فتنامت صفوفها وقويت بشكل كبير , لم تحققه الفصائل الفلسطينية الاخرى التي سبقت ظهور حماس بعقدين من الزمن , وبين عشية وضحاها اصبحت قوة رئيسية هامة فرضت نفسها على الارض بموازين قوى اجتماعية عريضة . من ناحية اخرى , فان تعرض كوادرها واعضائها للابعاد في مرج الزهور وحملات الاعتقال من قبل الاحتلال , وكذلك من جانب السلطة في بعض الاحيان , قبل بدء الانتفاضة الاخيرة , كان له الاثر الحاسم في الالتفاف حولها وتاييدها والدخول فيها . ومع بدء اتفاضة الاقصى وتحولها من تحرك جماهيري سلمي ضد زيارة شارون للاقصى , الى " انتفاضة مسلحة" تشكلت معها العديد من المجموعات العسكرية الفصائلية , وكان الرد الاسرائيلي عليها بعمليات اغتيال ليس لعناصر تلك المجموعات وقادتها بل تعدى الامر لاغتيال القادة السياسيين ايضا , هذه السياسة جعلت الامور تاخذ منحى اخر جديد وهو تركيز العمل العسكري تجاه المدن الاسرائيلية في اراضي 48, واخذ شكل " العمليات الاستشهادية" , وفي معظم الاحيان كان منفذوها من حركة " حماس" بالتحديد , تحت شعار " خلق توازن رعب" مع العدو . الا ان الحقيقة التي غابت عن اذهان قادة تلك الحركة , او جهازها العسكري " عز الدين القسام" , ان ميزان القوى على الارض لصالح اسرائيل , وانها لن تجبر اسرائيل على الانسحاب من المناطق المحتلة , بل ما حدث هو العكس تماما , فقد تسلم شارون الحكومة , بعد خسارة باراك لها في زمن قصير, وكانت الاجتياحات والتدمير لمقرات السلطة ومحاصرة الرئيس عرفات في المقاطعة حتى مرضه واستشهاده , وبناء اسرائيل لجدار الفصل العنصري , واقامة مئات الحواجز , وتقطيع اوصال الوطن الى سجون صغيرة وكانتونات معزولة عن بعضها , وتشديد سياسة الاعتقالات ونسف البيوت ونهب الاراضي وتصعيد وتيرة الاستيطان واطلاق العنان للمستوطنين في كل مكان , واصبح الشعب الفسطيني كله تحت الحصار , وظروفه المعيشية ساءت لدرجة كبيرة بسبب حالة البطالة وتدمير اقتصاده الوطني .
في هذه الظروف بالذات , قررت حركة " حماس" المشاركة في الانتخابات التشريعية , رافعة شعار " الاصلاح والتغيير" , على الرغم من رفضها المشاركة في تلك الانتخابات عام 96 , حيث الواقع السياسي ما زال محكوما لاتفاقية اوسلو وافرازاتها , وتمكنت من الحصول على اغلبية مقاعد المجلس , لاسباب كثيرة معروفة تماما , الامر الذي خولها حسب الدستور والنظام الاساسي بتشكيل الحكومة , وكان لها ذلك , بعد ان فشلت كل المحاولات لتشكيل حكومة مع الكتل البرلمانية الاخرى وخاصة مع "فتح" , فبدات ازمة سياسية خطيرة بينهما من ناحية وازمة اقتصادية خانقة من جهة اخلرى بعد توقف الدعم المالي للسلطة , ورفض اسرائيل تحويل المستحقات الشهرية من الضرائب , عدا عن حصارها الخانق للمناطق المحتلة الذي ترافق مع اقامة جدار الفصل العنصري واقامة الحواجز والمعابر الثابتة بين المدن , وبدت الامور اكثر تعقيدا وخطورة على كافة مناحي الحياة , فتضرر الاقتصاد الوطني لدرجة كبيرة , وجيش العمال العاطلين عن العمل داخل " الخط الاخضر" لا يعد ولا يحصى , وتوقفت رواتب الموظفين , واضربت المستشفيات والمدارس . وعلى الرغم من تشكيل حكومة الوحدة برئاسة " حماس" لاحقا , بعد مخاض سياسي عسير بينها , وبين الكتل البرلمانية الاخرى , الا ان الازمة بقيت على حالها , على الرغم ان الاتحاد الاوروبي بدا من جانبه محاولات لحلول جزئية للازمة المالية ," للتعليم والصحة" , وعلى الرغم من تشكيل تلك الحكومة الا ان الخلافات بين الحركتين "فتح وحماس" بدات تتفاعل اكثر بسبب الوزارات الثلاث( للخارجية والداخلية والمالية) , وكذلك بسبب تشكيل " حماس" للقوة التنفيذية كجهاز امني تابع لها مواز لاجهزة السلطة الموجودة سابقا, وبدات تفاعلات هذه الازمة بين الطرفين تتصاعد اكثر حدة بحدوث صدامات مسلحة بينهما, وفي نهاية المطاف وقع الطرفان اتفاق مكة بينهما , الا ان " حماس " بعد فترة وجيزة من الاتفاق , فاجات الجميع بانقلاب عسكري دموي في منتصف حزيران الماضي سيطرت خلاله على كافة مقرات السلطة في غزة وقتلت العديد من عناصر وكوادر الاجهزة الامنية , واصابت الكثيرين منهم باعاقات دائمة , واحرقت ودمرت المقرات ونهبت محتوياتها , واصبح قطاع غزة رهينة في يدها تمارس شتى انواع القمع والارهاب والقوة والاعتقال والملاحقة , بصورة خاصة , لعناصر "فتح" هناك. مع هذه التطورات , تم اقالة حكومة الوحدة التي تراسها " اسماعيل هنية" وتشكيل حكومةطواريء لم تعترف بها " حماس" وظلت تمارس سيداتها وقراراتها واجراءتها ضد موظفي السلطة ضاربة عرض الحائط كل النداءات والمطالبة المتكررة من القوى الاخرى لها كي تتراجع عن انقلابها العسكري وتعيد كل شيء لما كان عليه للسلطة , الا انها تمادت في خطواتها اكثر فاكثر , وبدت الامور في غزة تسير نحو كارثة سياسية واجتماعية واقتصادية لم يسبق لها مثيل , على الرغم من التصريحات الصادرة عنها بشان" الحوار" ," وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة شخصية مستقلة" , والتي تؤكد انها غير واقعية في ظل اصرارها على الانقلاب ونتائجه , بما يعني ان حماس " تسلقت شجرة عالية جدا ولا تفكر بالنزول عنها الا بثمن سياسي كبير. لكن حماس اثبتت انها سقطت بجدارة في امتحان الوحدة الوطنية ومصلحة الشعب الفلسطيني , لانها اطلقت العنان "لقوتها التنفيذية" لتقمع جماهير الشعب وكل القوى الوطنية الاخرى , التي ارادت التعبير عن رايها بالتظاهر والمسيرات السلمية , وكان اخر هذه الاعتداءات ما جرى يوم الجمعة 31/8 بعد صلاة الجمعة , وما بثته الفضائيات بصور حية مباشرة من غزة هو خير دليل على ان هذه الحركة تتصرف بعدوانية مطلقة تجاه الشعب الفلسطيني , وتريد ان تحكم بالحديد والنار وقوة القمع الغاشمة , وليس " بما انزل الله".
مرة اخرى, ان " حماس" اثبتت اجتهادها ومواظبتها في التحضير للامتحان طيلة الاعوام السابقة , الا انها سقطت بكل جدارة في الامتحان , واصابها الغرور وعنجهية القوة ,لانها لم تدرك ان الجماهير التي لم ترضخ لسياسة الاحتلال وتكسير العظام في الانتفاضة الاولى ولم يرهبها جبروت جيش الاحتلال وكل اسلحته المتطورة , ولم يخيفها او يثن عزيمتها عن مواصلة النضال وتقديم التضحيات مها عظمت , بانها قادرة ايضا على التصدي لسياسة قمع الحريات الديمقراطية والمدنية , وحرية التعبير عن رايها , سواء في التظاهر اوفي التحركات الاجتماعية والسياسية والمطلبية , تلك السياسة العقيمة التي لن ينتج عنها سوى المزيد من الانقسام والتمزق للصف الفلسطيني , ومزيد من المعاناة للشعب الفلسطيني في غزة بصورة خاصة, بعد ان عزلت حماس نفسها في امارة طالبانية جديدة هناك لا تملك مقومات البقاء والحياة , كما تؤدي لمزيد من التعنت الاسرائيلي تجاه حقوقنا الوطنية الثابتة ودفع استقاقاتها في اية مفاوضات سياسية قادمة .
اخيرا , فان حركة "حماس" مطالبة بمراجعة حساباتها ومواقفها وسياستها بشكل واقعي وموضوعي وان لا يغيب عن ذهنها حقيقة " ان السياسة لا تسير بخط مستقيم", وان الظروف في القرن الحادي والعشرين تختلف عنها في السنوات الاولى للدعوة الاسلامية والهجرة النبوية , وصلح الحديبية وفتح مكة . على حماس ان تعرف ان هناك موازين قوى محلية واقليمية ودولية , وان السياسة كما هي تعبير مكثف للاقتصاد فانها الفن الممكن, وفيها التعرجات ايضا , وان الناس لا يكتفون بحبات قليلة من التمر او خبز الشعير . انهم بحاجة الى اللحوم والخضار والفواكه والتلفون والسيارة والتلفاز والكومبيوتر , الا اذا ارادت حماس مصادرتها اتلافها لانها من حبائل الشيطان وادواته التكنولوجية المتطورة للافساد !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الآثار المهربة.. تمثال جنائزي رخامي يعود من فرنسا إلى ليبيا


.. بودكاست درجتين وبس | كيف تنشر الصحافة الاستقصائية الوعي بقضا




.. وكالات أنباء فلسطينية: انتشال جثث 49 شخصا في مقبرة جماعية في


.. بعد اقتراحه إرسال جنود لأوكرانيا.. سالفيني يهاجم ماكرون




.. هجوم رفح.. خيارات إسرائيل | #الظهيرة