الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتنبي وألكترا المغايرة في تجاوز الاسطورة 2

نبال شمس

2007 / 9 / 3
الادب والفن


المتنبي ما زال مقتحما لأوراقي دون إذن مني ومعه صديقتي التي بدأتُ بكشف أسرارها الغامضة وأسرار الكترتها التي كانت سريعة ومفاجئة بالنسبة لي. تداخل أمر الكترا الإغريقية مع المتنبي الشاعر العراقي ليس بأمر سهل الحدوث, حتى أن الجمع بينهما أمر صعب وربما مستحيل, لكن الصدف والجنون تلعب أحيانا دورا لا نتوقعه في تطور الأحداث . الآن وبدل التفكير في أمرها وجنونها وهذياناتها والبحث عن حقائق متنبيها وأمها ووالدها علي التفكير في نفسي وفي كيفية إعتاق روحي من سرياليتها المركبة التي بدأت تأخذني إلى جحيم الضياع, رغم انه جحيم لذيذ وجميل بسبب غموضه والبحث فيه عن الماضي والحاضر والمستقبل.
المتنبي في البداية كان بالنسبة لي, حسب اعترافاتها وأقوالها, رجلا وهميا أو طيفا يلاحقها بسبب حبها لشعره الجميل وكتاباته العظيمة ، ثم أضحى بعد ذلك حبيبها الغائب وهي العاشقة المنتظرة له ولطيفه.
تداخلت الامور وأصبح عشقها ينقلب نحو عقدة جديدة أو نحو معضلة لا افهمها, عقدة تشبه عقدة الكترا الإغريقية قاتلة أمها بسبب عشقها لوالدها . فبعد أن كان طيفا أصبح حبيبا وبعدها أصبح والدا تعشقه وتحبه.
همي الوحيد الآن هو محاولة إعادتها إلى إنسانة عادية وطرد جسدها من عالمي بعد ما علمت منها عن أسرارها الخاصة وحبها للقتل والدماء في جيلها الأول, ثم حبها للقراءة والمتنبي وتلبسها في أعماقي وعدم قدرتها على الانعتاق مني . أردت أن اعلمها كيف عليها العيش في لحظتها هذه دون الالتفات إلى أجيال أخرى لتكون تقمصاتها الآتية أسهل من حاضرها.
لم تهذ ِ ولم تصبْ بالجنون كما ادعيتُ أنا, بل أنا التي كنت في قمة الغباء لأني لم استطع كشف سرها إلا ّ الآن وفي هذه اللحظات فلقاؤها مع المتنبي لم يكن وهما, ورؤيتها لخوله لم تكن سرابا, بل بالفعل هذا ما حدث لصديقتي فهي رأته واصطحبته وتمشت معه وذهبت في صحبته إلى افخر المطاعم وأجمل الحدائق . ففي احد أجيالها كانت قد عاشت معه في نفس الصحراء ونفس البيئة بعد أن تقمصت روحها امرأة بدوية جميلة وقوية لم تكن خولة ً بل كانت إحدى نسائه المجنونات به غير الواصلات إليه فقد كان شاعرا قديرا ومعروفا أحبته نساء الصحراء, فربما كانت هي رقما من الأرقام, لكنها الآن وبعد مضي قرون من الزمن أصبحت تكتشف نفسها من جديد وتكتشف أنانيتها وغيرتها المستترة والحيوانية التي ليس لها أي مبرر . فخولة ربما تكون حاضرة في عصرنا هذا, لكن بالوقت ذاته ربما تكون قد وجدت إنسانا آخرَ تحبه بدل المتنبي. صديقتي أرادت أن تعيده ثانية إلى عصرنا الحاضر وهي لا تعلم أن المتنبي الحاضر ما زال يحمل اغلب صفاته في البداوة والمحافظة . ربما هذا هو احد الاسباب التي جعلتها تتخذ من المتنبي والدا وحبيبا في نفس الوقت. انه أمر غامض جدا عشقها وحبها المركب له, حتى آتى يوم وجعلتني أتوهم الكتريتها القاتلة التي هي فعلا حقيقة.
الشرارة الملتهبة التي رماها سوفوكليس على العالم ترافقني منذ سنين ومنذ أعوام. رافقتني في طفولتي ولعبنا سوية في أزقة الحارات وسرقنا الجوز من على سطح جارتنا أم سعيد وبنينا أكواخا من أغصان السرو, فكنا في صف واحد ومدرسة واحدة وحارة واحدة, فكيف انتقلت روحها من جسد إلى اخر عبر مئات الأجيال لتصل إلي ونكون صديقتين أعيرها ألواني وأقلامي وملابسي وأحذيتي وتعيرني هي مقصاتها الحادة وملاقط الحواجب ذوات الرؤوس المسنونة. الآن بدأت الامور تتضح فأدركت سبب براعتها في تقطيع الخضار وفرم البقدونس في تلك السرعة الهائلة دون أن تجرح أناملها أو تخدش أظافرها الطويلة المرتبة.
صديقتي كانت تجيد أيضا تقطيع اللحوم وبكل الأحجام وتحب أكلها في كل أحوالها: نية, مشوية أو مطبوخة, وأكثر ما ميزها هو عدم إضافتها ملح الطعام إلى اللحوم وهذا ليس بالأمر الغريب على الكترا الإغريقية التي قتلت أمها في جيلها الأول ثم تجسدت امرأة صحراوية في أجيال أخرى . أحبت المتنبي وتنقلت بين نسائه وحاولت زرع الفتن بينهن وحاولت إقناعهن بأنه ليس شاعرا للمرأة وانه إنسان ٌ يضطهد النساء, بينما هو في واقع أمره عكس ذلك, يحب المرأة ويحب النساء ويعشق البداوة وقد ظهر هذا في أشعاره. بعد ذلك بدأت روحها بالعبور إلى الزمن الحاضر لتصبح صديقتي التي تحبني وتأتمنني على أسرارها.
مات المتنبي آنذاك ثم ماتت هي ثانية وما زالت تحمل الكتريتها المجنونة في داخلها. ماتت وولدت وتكررت العملية عبر أجيال لتصل إلي وتنام على سريري وتستعمل كتبي ووسادتي وفناجيني وحجرتي.
بانت أسرار تقمصاتها وانكشفت حقيقتها المجنونة, تلك هي الكترا عاشقة المتنبي الجميل, فكيف كنت سأحولها إلى طبيب نفساني وأنا الآن من تحتاج إلى طبيب ليشخص لي حالتي وعسري وتعسري لفهم ما يدور حولي من تقلبات ومن تقمصات ؟ الآن علي التفكير في نفسي قبل جرجرتي إلى المستشفيات العصبية أو إلى أطباء الإغريق أو أطباء الصحاري . لم أكن اعلم أن تلك العاشقة المجنونة هي ليست امرأة واحدة بل عدة نساء في روح واحدة.
هي الآن في غرفتي تجمع زجاجات العطور الفارغة المصنوعة من الزجاج وأنا في الزاوية الأخرى أحاول فهم ما جرى وإنقاذ مصيري من تلك الشرارة في حياتي وربما ستحّملني عقد الإغريق وجنون سوفوكليس. اليوم الكترا هي صديقتي وأنا لا اذكر أني كنت يوما إغريقية أو عشت في بلاد الإغريق أو في عصر المتنبي فبالكاد الملم نبالي واجمع زجاجاتي المسروقة.
دخلت غرفتي أعطتني خيطا طويلا وقالت:
أنا ذاهبة لأبحث عن منفى اخر قبل أن تكتبيني في أسطورة أخرى وتجعليني قاتلة ثانية ...
في زمان الإغريق كنت قاتلة وفي زمانكم أنا قاتلة ومقتولة . في زمان الإغريق كنت أسطورة ومسرحية وفي زمانكم الحاضر الكترا حقيقة موجودة.
أنا الكترا متى شاءت مشيئتكم انتم, وأنا مذبوحة متى أردتم.
أنا معضلة ولست معضلة,أحببت المتنبي شاعرا, المتنبي الذي حاول إعتزال الحياة فقتل ،
وأنا حاولت الاعتكاف على حيواتي فتناقلتموني أسطورة قاسية ومرعبة.
جئت لأكفر عن خطيئتي في زمانكم فوجدت زمانكم كله خطيئة.
أنا سأغيب أو غائبة جسدا, لكني سابقي موجودة ما دمت ِ انت ِ موجودة.
أنا لا أنكر علاقتي بالمتنبي الشاعر لكني أقول انك أنت ِ من جعلتني ألكترا إذْ فشلت ِ في كشف سري.
وضعتْ الخيط في يدي واختفتْ من غرفتي ومعها زجاجاتي وأسرارها الغامضة. تاركة إياي َّ أفكر في أمرها وأمر الخيط الذي تركته معي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل