الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الرأي الآخر الذي في السجن

سلامة كيلة

2003 / 10 / 15
مواضيع وابحاث سياسية



لم يكن مكان للرأي الآخر، بل لم يكن هناك ما يسمى رأي، فقد كان الآخر في السجن.
(1)
كلمة رأي كانت ـ رغم فصاحتها ـ في اللا مكان، لأن الذي ساد هو الوحدانية، الواجد المجتمع عليه، النابذ للانشقاق والخروج والاختلاف، والتميز، والمؤكد على رأي بعينه. لقد أصبح رأس السلطة هو الرأي الأوحّد، الذي يقرّر الحقيقة، وكذلك يوجّدها (أو يولدّها)، وأصبح هو الرأي الذي يجب أن يُلتزم به من قبل المجموع، وأي مخالفة تفرض الطرد، والنبذ، ومن ثمّ… السجن، حتى لو كانت ملاحظة عابرة، أو انتقاداً هامشياً، فالمبدأ هو الالتزام المطلق بما يملى، وترداده دون مساءلة أو حتى محاولة للفهم.
لهذا كان طبيعياً أن لا يكون هناك آخر، فقد كان في السجن، قبل سنوات طويلة، فقط لأنه آخر، لأنه له رأي آخر. وبهذا كانت السلطة ورأيها وكذلك ممارساتها في طرف والرأي الأخر في طرف، لكنه كان شبحاً يتلقى كل الاتهامات والإهانات. ليبدو المجتمع وكأنه موحّد في "وعي جمعي"، يكرره كل فرد، قناعة (وهذا استثناء) أو كرهاً (وهذا هو السائد). وبالتالي لم تناقش سياسات السلطة، ولم ينقد الخطأ فيها، كما لم تنقذ الممارسات، مما أسهم في تفشي ما اسمي "ظاهرة الفساد"، حيث نهبت مؤسسات الدولة، واستغلت السلطة من أجل ممارسات راكمت الرأسمال لدى فئات محدودة.
بمعنى أن وحدانية الرأي المطلقة، القائمة على مبدأ الصحة المطلقة، كانت تفتح الأفق لممارسات خطرة، ألحقت بالدولة والمجتمع خسائر هائلة.
(2)
لكن تحوّلات فرضت أن يصبح ممكناً الإشارة إلى الرأي الآخر. وإلى حقه في أن يعبّر عن ذاته، وأن "يتواجد"...
حيث بدت الدولة وكأنها تعاني من أزمة اقتصادية عميقة، جرى تحميلها لـ "ظاهرة الفساد"، كما بدا أن المجتمع يعيش أزمة نتيجة انخفاض الأجور، وبالتالي تراجع المستوى المعيشي، وحيث أصبح الميل نحو الديمقراطية سمة عامة، نتيجة اتساع الفئات التي تدعو إليها. سواء من قبل فئات تسعى حقيقة من أجل تحقيقها لأنها رأت فيها مخرجاً ضرورياً من مجمل الأزمة المجتمعية، أو سواء من قبل دول تسعى لاستغلال الشفاء من أجل الضغط للحصول على مصالح هي بالأساس مصالح اقتصادية. بنتيجة كل ذلك جرى الاعتراف بـ "الرأي الآخر"، وبحقه في أن يعبّر عن ذاته…
لكن حين مارس حقه (أو بعض بعض حقه)، تبين ـ كما "اكتشفت" السلطة ـ أن الرأي الآخر، هو… آخر، وبالتالي هو مختلف، وربما ضد، أو هو ضد. ليبدو وكأن مصيبة وقعت أو أن زلزالاً حدث. فكيف يمكن للرأي الآخر أن يكون… آخر؟
هنا يبدو وكأن الوحدانية قد زُلزلت، وأن اتساق التكوين قد تخلخل، لأن آخر قد إنوجد (بغض النظر عن حجمه)، وبهذا فقد وقع الشراك، مما يقود إلى تحقق الانشقاق، و"المروق"، و"الزندقة"، وكل ما كان الخلفاء يتهمون خصومهم به.
بمعنى أن كلمة الرأي لا زالت بلا معنى، وأن كلمة آخر لا موقع لها، لأن الآخر هو أنا، وأنا هو أنا، وبالتالي ليس من أحد سوى الأنا.
لهذا، فالرأي الآخر يقبع الآن في السجن.
(3)
أليس واضحاً بأن الآخر ذاتُ لها تصوراتها وآراؤها، التي تختلف بالضرورة عن الرأي السائد؟ وأن التأكيد على الآخر يفترض بديهة القبول بالاختلاف؟ وأن الرأي لا يمكن أن يكون أوحداً إلا بالعنف؟
التعدد سمة الحياة، والديمقراطية هي شكل تنظيم هذا التعدد، الذي هو تعدد طبقي، وفئوي، كما هو تعدد في الرأي، في الأفكار والنظريات، وهو بالأساس تعدد في المصالح، وحين تقرّر فئة أن تحتكر المجتمع، ستفرض بالضرورة فكرتها الوحيدة ورأيها الأوّحد، ولن يكون سوى العنف وسيلة لذلك.
رغم كل الضغوط على المنتديات من أجل وقفها، ورغم حملة الاعتقالات، ليس من الممكن تجاوز مطلب بات ضرورياً، ويتمثل في تحقيق الديمقراطية، حيث الإقرار بحرية إبداء الرأي وحرية الأحزاب والصحافة، وحيث الإقرار بحق الانتخاب الحرّ لمجلس تشريعي حقيقي، يحدّد طابع الوزارة ويقرّر سياساتها، وحيث التساوي بين الأحزاب والأفراد. وحيث... الخ.
الديمقراطية ضرورة، ولهذا أصبح ضرورياً أن تعيد السلطة النظر في آليات سيطرتها، وفي مركز الثقل فيها. حينها سيصح هناك رأي، وآخر، ولكن يفترض ذلك إطلاق سراح رياض الترك وحبيب عيسى وعارف دليلة، وكل المعتقلين القدامى والجدد، وكذلك إطلاق سراح السياسة بمجملها، لكي يصبح للرأي الآخر موقعٌ

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الثقة بين شيرين بيوتي و جلال عمارة ???? | Trust Me


.. حملة بايدن تعلن جمع 264 مليون دولار من المانحين في الربع الث




.. إسرائيل ترسل مدير الموساد فقط للدوحة بعد أن كانت أعلنت عزمها


.. بريطانيا.. كير ستارمر: التغيير يتطلب وقتا لكن عملية التغيير




.. تفاؤل حذر بشأن إحراز تقدم في المفاوضات بين إسرائيل وحماس للت