الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثلية الجنسية ومنع الاختلاط

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)

2007 / 9 / 3
حقوق مثليي الجنس


قد تكون المثلية الجنسية في الغرب المتقدم والمزدهر على كافة الصعد، نوعاً من التجريب، والترف والبطر السلوكي، والاكتشاف الجنسي الذي يمارسه المثليون، مرتبطة إلى حد كبير بانتعاش الحريات الفردية وازدهارها، ونظراً لحالة الإشباع الجنسي وتوفر منتجاته التي أتت بها الثورة الجنسية في خمسينات وستينات القرن الماضي، إضافة إلى حالات العوامل الجينية والفطرية التي أتينا على ذكرها في المقال السابق، إلا أن الأمر ليس كذلك في كثير من المجتمعات الأخرى التي لديها أسبابها الخاصة بها. وقد تكون الطفرات الجينية والولادية الفطرية التي تحصل كاستثناءات طبيعية، مسؤولة كلياً عن كون المخلوق، ذكراً أم أنثى، مثلياً جنسياً، ولكن، أيضاً، ثمة عوامل أخرى أكثر أهمية تساهم في إضفاء هذه الصفة على الكائن الإنساني التي ينظر إليها كثيرون بمزيج من الدونية، والاحتقار

وبادئ ذي بدء، لا بد من الاعتراف بإن الغريزة الجنسية، هي حاجة طبيعية، في الجسم البشري، ولا بد من إشباعها بالطرق الطبيعية المعروفة، وإلا قد تأخذ أحياناً طابعاً "مغايراً"، مما يمكن أن نطلق عليه علمياً بالمثلية الجنسية وربما، وفي بعض الأحيان، تأخذ طابعاً إجرامياً كالاغتصاب بسبب حالات الكبت الجنسي الشديد والمرضي، وعدم القدرة ولأسباب ربما نفسية وعضوية لإيجاد حالة مثلى وطبيعية من التواصل مع الجنس الآخر.

وتتميز الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية بنظرة صارمة ومتشددة بترية حيال موضوع الاختلاط، لاعتقادها الراسخ بأن "الشيطان"، (مع التسليم والافتراض بوجود هذا المصطلح الخرافي الذي يبني كثيرون عليه وإن كان بالمحصلة، ومن وجهة نظر شخصية، جملة من النزعات الغامضة والغرائز التي توجه أحياناً سلوك الكائن البشري)، سيفعل فعله في نفوس الشباب والشابات، ويقعون في المحظور، فيمنعون هذا الأمر، إلا أن أمراً أكثر خطورة يتشكل على هامش هذا المنع، ألا وهو الانحراف، والمثلية، أو الشذوذ الجنسي كما يحلو للبعض تسميته، لإسباغ الصفة السلبية على هذا الفعل. ولن ندخل في متاهة المصطلحات بين المثلية، والشذوذ والانحراف، فلكل منها خصوصيتها، وأسبابها، وسماتها المميزة والمحددة، إلا أن ما يهمنا هو الظاهرة بحد ذاتها، كمنتج حتمي، مع أسباب أخرى، لمنع الاختلاط وتوابعه الأخرى. فحين لا يستطيع المخلوق البشري- ذكراً أم أنثى- العيش في مجتمعات صحية وطبيعية، وإشباع رغبة التواصل بالطرق الطبيعية المعروفة، فلا بد بأنه سيبحث عنها بأي سبيل آخر، وقد يجد ضالته بالمثيل الجنسي المتوفر أمامه، ويكون الميل لذات الجنس هو أحد السبل المتاحة لديه لسهولة الأمر من جهة، ولاستحالة العثور على شريك من الجنس الآخر في نفس الوقت. ولذا نرى أن هذه الظاهرة تتفاقم بشكل مذهل ومريع في المجتمعات الذكورية التي تمنع الاختلاط، كما أن غلاء المهور، واعتبار المرأة مجرد سلعة للاتجار بها، بحيث يصبح الجنس الآخر كائناً خرافياً وأسطورياً مستحيلاً، ولا يمكن الوصول إليه بحال. ومن تداعيات منع الاختلاط ظهور طبقة ما يسمى بالجنس الثالث التي باتت تؤرق المعنيين والأخصائيين الاجتماعيين في الكثير من المجتمعات الذكورية التي تحظر الاختلاط تحت غطاء ديني وشرعي، وتحاول محاربته. لا بل إن الشرطة الدينية في بعض من هذه الدول قد تتدخل احياناً للتحقق من هوية شخص يمشي برفقة زوجته الشرعية وتحشر أنفها في خصوصيته.

الشباب طاقة خلاقة تتدفق كشلال هادر، وبغزارة عالية. ومع عدم وجود المرافق الرياضية، والأندية الثقافية، والبرامج المتخصصة لتفريغ تلك الطاقات بشكل إيجابي، وإهمال شريحة الشباب من قبل الحكومات القائمة وعدم إيلائها تلك الأهمية المطلوبة، ومع سيادة الثقافة الدينية المتزمتة التي لا تعني بالموضوعية، والعقلانية، ولا تعترف بالجنس إلا من منظوره الديني، وعدم وجود تثقيف وتوعية جنسية في المناهج الدراسية، كل ذلك قد يفعل فعله في تكريس وتفاقم هذه الظاهرة، لتصبح الطريق مفتوحة، ومعبدة لنشوء الظواهر المثلية، وإن كانت لا تشكل قانوناً وشيئاً ملزماً، إلا أنها وبالمطلق أحد العوامل الحاسمة والهامة في الأمر. وقد روى، وأكد أكثر من شاهد عيان، عن حضوره لأعراس يزف فيها الشاب للشاب في إحدى المناطق الصحراوية الواقعة على الخليج الفارسي، ولم يعد الأمر سراً على الإطلاق، ويعزى سبب تفاقم تلك الظاهرة في بعض المجتمعات الذكورية والمتزمتة دينياً إلى الحظر المفروض على قضية الاختلاط، وتعدد الجهات الوصائية، والرقابية، على شريحة الشباب من الجنسين، ولا ترى في الشباب والشابات سوى "شياطين" سائبة وغير منضبطة وسيفتك بعضها في الآخر في حال أفسح لها بالمجال وتم الاختلاط، وهذا أمر مغلوط تماماً، وتدحضه كافة التجارب الإنسانية اليومية في أكثر من مكان من العالم. فالعقلية الوصائية والرقابية هي واحدة من أهم السمات المميزة للمجتمعات الهيراركية والأبوية الماقبل سياسية ومدنية والمسببة بالتالي للكثير من الأوبئة والأمراض الاجتماعية.

وإنه ليس من باب التبرير، ومطلقاً، لهذا الوجه "المغاير" من السلوك الإنساني، ولسنا أيضاً، بصدد إطلاق أية أحكام قيمية ومعيارية، لا إدانة ولا مباركة، فهذا ليس هو الموضوع، وإن كان البعض يربط قضية المثلية بالحرية الفردية والشخصية والرغبة في التصرف بما يمتلك وكما يريد وهذا في مجتمعات تقدس وتؤله الحريات وممارستها في شتى الميادين. ولكن حين تساهم القوانين، والدساتير، والأعراف والتقاليد السائدة، والنظرات البدائية المتخلفة إلى الجنس بشكل عام، في تكريس وخلق هذه الظاهرة، فإنه من باب أولى إدانة جملة الظروف، والمعتقدات، والسلوكيات، والثقافات التي ساهمت في تفاقم الظاهرة، أولأً، وقبل إدانة، وشجب، وااستنكار هذه الظاهرة بالذات وتبرئتهم من تلك النظرة الدونية وتوابعها العدوانية والأخلاقية إن لم يكن لهم فيها علاقة على الإطلاق..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعة العربية تدرس خطوات عزل مشاركة إسرائيل فى الأمم المتح


.. الجامعة العربية تدرس خطوات عزل مشاركة إسرائيل في الأمم المتح




.. لحظة اعتقال القوات الإسرائيلية شاباً فلسطينياً من محله التجا


.. مع نشره أجندة معادية لأوروبا والمهاجرين في بريطانيا.. من هو




.. فرنسا.. صعود أقصى اليمين بالجولة الأولى من الانتخابات يثير ق