الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذاكرة السياسية والعدالة: -المغرب/الأرجنتين- دراسة مقارنة:الجزء التاسع

عبد الواحد بلقصري

2007 / 9 / 4
حقوق الانسان


القسم الثاني:
إشكالية العدالة الانتقالية بالمغرب والتجارب المقارنة
تـقـديـم:
إذا كان القسم الأول قد تم التطرق فيه للسياق العام للذاكرة السياسية من خلال إبراز مختلف المراحل التي ميزت التاريخ السياسي للمغرب المستقل (من 1956 إلى 1999)، بالإضافة إلى الإشارة إلى مسار الحركة الحقوقية، فإنه في القسم الثاني سوف أعالج إشكالية العدالة الانتقالية بالمغرب بمقارنتها بالتجارب العالمية الأخرى، مع أخذ نموذج الأرجنتين. وسوف أوضح من خلال فصلين: الفصل الأول سوف أفسر فيه بتفصيل تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة من خلال ذكر أهم مكوناتها وأهدافها من جهة، وقراءة أهم خلاصات تقريرها الختامي من جهة ثانية.
أما الفصل الثاني فإنه سوف أتطرق فيه إلى ردود الفاعلين حول هاته التجربة مع استحضار التجارب المقارنة. وبالأخص الدول التي عرفت تجربة العدالة الانتقالية مع أخذ نموذج الأرجنتين. إشارة مهمة فيما يخص ردود الفاعلين لإبراز هاته النقطة سوف أعتمد على دراسة ميدانية تعتمد على تقنية الاستمارة العمدية وعلى منهج المسح الكشفي من خلال مجتمع المبحوثين يتكون من 80 مبحوثا (40 طالبا باحثا بجامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية أكدال الرباط ) و 20 من الفاعلين الحقوقيين و 20 من الفاعلين السياسيين. الغاية من هاته الدراسة هي أخذ مختلف آراء هؤلاء الفاعلين بنوع من الموضوعية في موضع يهمهم ويعتبر إحدى القضايا المصيرية التي تطبع انشغالاتهم.




الفصل الأول:
تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة

ساهمت المتغيرات التي شهدها المغرب منذ مطلع السبعينات في إعادة فتح ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وبلورة مقاربات جديدة مختلفة للتعاطي مع هذا الملف، كما شكل هذا الملف إحدى أهم عناوين المرحلة الحالية، ولم تكن عملية الإعلان عن تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة في يناير 2004 منفصلة عن صيرورة التدابير السياسية والمؤسساتية التي عرفتها البلاد منذ مطلع السبعينات، وتجلت أهم معالمها كما ذكرنا سابقا في القسم الأول:
 إحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في 1990.
 إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين في غشت 1991 ويوليوز 1993.
 التنصيص في ديباجة دستور 1992 المعدل في 1996 على التزام المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا.
 إحداث المحاكم الإدارية في 1993.
 إحداث وزارة مكلفة بحقوق الإنسان.
 إحداث المجلس الاستشاري لتتبع الحوار الاجتماعي في 1994.
 إحداث اللجنة المتنقلة للتحكيم في قضايا التعويض سنة 1999.
 إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (IRCam ) سنة 2001.
 إحداث مؤسسة ديوان المظالم في دجنبر 2001 كوسيط بين المواطنين والإدارة لمعالجة شكاياتهم وتظلماتهم.
 اعتماد إجراء التمييز الإيجابي لفائدة النساء خلال الانتخابات التشريعية في شتنبر 2002 عبر اللجوء إلى لائحة وطنية.
 إصلاح مدونة الأحوال الشخصية وإصدار قانون للأسرة في أكتوبر 2003.
 إحداث المجلس الأعلى للسمعي البصري 2003.
 رفع التحفظات عن اتفاقية التعذيب.
هاته الأحداث اعتبرها البعض بوادر لبداية الانتقال الديمقراطي، وشكك فيها البعض الآخر واعتبرها محاولة تجديد استمرارية نظام سياسي شكل شرخا بينه وبين المجتمع من خلال مساهمته في تراكمات سلبية، ومن خلال فشله في تكريس سياسات عمومية معقلنة والبعض الآخر اعتبرها انفتاحا سياسيا يتطلب إرادة حقيقة من أجل الانتقال إلى الديمقراطية، لأن الديمقراطية أولا وأخيرا هي ترسيخ ثقافة المشاركة وثقافة الاختلاف، ولن يتأتى هذا بدون إصلاح العقليات والبنيات الفكرية أولا، ومأسسة المؤسسات ودمقرطتها ثانيا. وهذان الأمران يتطلبان إرادة سياسية حقيقية لدى المسؤولين من جهة، وإرادة شعبية تحمل في ثناياها ثقافة الممانعة والتضحية لدى المثقفين وكل من يحمل هموم هذا الوطن الجريحة والثقيلة سواء من يشتغل في الحقل المدني أو الأكاديمي أو الحزبي .
إن الحديث عن الانفتاح السياسي أمر إيجابي، لكن هذا الانفتاح يقتضي وجود آليات وتعاقدات حقيقية بين جميع الأطراف، لأن الانفتاح المحكوم بتقنية المناورة هو نكسة يمكن أن تؤدي إلى تراجعات كارثية، أما الانفتاح أو الانتقال الممأسس والمعقلن والمبني على ميثاق تعاقدي، فيمكن أن يعطينا درجة للمشاركة وثقة بين جميع الأطراف، وهذا هو المدخل الأساسي للتأسيس لفضاء التراضي، وبالتالي الانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية التي نتطلع إليها جميعا.
مما سبق نستنتج أن هيئة الإنصاف والمصالحة جاءت في مختلف هاته السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تندرج ضمن ما هو متعارف عليه اليوم بلجان الحقيقة والمصالحة عبر العالم والتي يتم إحداثها في سياق ما يسمى بالعدالة الانتقالية، ومفهوم لجنة الحقيقة يحيل على هيئات لها مميزات خاصة .
وتهتم بدراسة الماضي أو الوقوف على الخروقات المرتكبة خلال مرحلة زمنية معينة، ومنحها الأولوية لمطالب الضحايا، لتخلص في النهاية لتقديم تقرير ختامي يتضمن التوصيات والخلاصات.
ومجال العدالة الانتقالية المناسب في سياق معين للمجتمعات التي تعرف تحولا سياسيا من الاستبداد إلى الديمقراطية عرف ثلاث أنواع من اللجان: لجنة الحقيقة واللجان التاريخية وهيئات تقصي الحقائق ولجان التحقيق .
اللجان التاريخية أسستها بعض البلدان كصيغة للتحقيق في الأخطاء الجسيمة للدولة التي وقعت وانتهت منذ سنوات وعقود، هذه اللجان لا تعد جزءا من الانتقال السياسي، إذ لا تكون لها صلة بالقيادة السياسية أو الممارسات السياسية بقدر ما تهتم بكشف الحقائق التاريخية، والقيام بتقدير الضحايا غير المعترف بهم سابقا أو يخلفهم من حيث كونها مؤقتة وتعمل لمدة سنتين وموافقا عليها رسميا، وهي هيئة غير قضائية وتتمتع بالاستقلال القانوني، وغالبا ما يتم تشكيلها في مراحل الانتقال السياسي، وقد تأسس منذ 1974 وحتى الآن ما يزيد عن 25 لجنة حقيقية رسمية في العالم ، هيئات تقصي الحقائق، هيئات تعمل على مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان وتحقق فيها، وتعد التقارير حولها، وتتضمن آليات الأمم المتحدة المختلفة والآليات الإقليمية الموازية لتقصي الحقائق عن سلطة أنظمة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الوحدة الإفريقية (سابقا) أو الاتحاد الأوربي.
ولجان التحقيق هي هيئات مكتملة الشكل والمضمون، وسهلة التكوين بالمقارنة مع لجنة الحقيقة، وتباشر لجان الحقيقة العديد من التحقيقات الرسمية وغير الرسمية. وقد تتكون بمجرد مشروع حكومي، وهي مبادرة سابقة عن إنشاء لجنة الحقيقة لأنها لجنة مقدمة للنداءات من أجل تحقيق وطني أكثر استقلال رغم محدودية نطاق مهامها، في عدم رسم صورة غير مشكلة عن الماضي .
أما لجنة الحقيقة فتعمل على وضع سجل دقيق ومفصل ورسمي لإحداث الماضي، وجمع اكبر قدر من المعطيات والوثائق وتعد كأدلة لتوجيه الاتهام والمحاسبة وإعادة الاعتبار للضحايا عبر جبر الضرر وإعادة الثقة لأفراد المجتمع لضرب التمزق الاجتماعي والإنساني الذي خلفته انتهاكات الماضي، ومواكبة ذلك باقتراح الإصلاح القانوني والسياسي والمؤسساتي.
انطلاقا مما سبق يطرح التساؤل التالي: هل تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة تعتبر نموذجا مماثلا لتجارب العدالة الانتقالية التي عرفها العالم عبر لجان الحقيقة؟ هذا ما سأتطرق إليه لاحقا.
لدراسة هاته التجربة بدقة وعمق يتطلب منا أولا تحديد أسباب إنشائها وثانيا ذكر مهامها الرئيسية وأهدافها وطريقة اشتغالها، وثالثا إبراز خلاصاتها الرئيسية واقصد تقريرها الختامي، من خلال تحديد خطوطه العريضة ومعالجة أهم توصياته وسنعالج هاته النقط من خلال مبحثين: المبحث الأول سوف أبين فيه مكونات الهيئة (التوصية، نظامها الداخلي، نقد التوصية، أعضائها) هذا بالنسبة للمطلب الأول) والمطلب الثاني سأوضح فيه (أهدافها، لجانها، طريقة اشتغالها).
أما المبحث الثاني فسأتطرق فيه للخطوط العريضة للتقرير وأهم توصياته، مع العلم أن ردود فعل مختلف الفاعلين الحقوقيين بالأخص سوف تبقى حاضرة في تحليلي لمختلف الوقائع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا تاريخيا بأحق


.. صفعته وعنفته.. معلمة أردنية تثير غضبا واسعا بعد إساءتها لطفل




.. قرار تاريخي.. الجمعية العامة في الأمم المتحدة تصوت لصالح منح


.. الأونروا تغلق مكاتبها في القدس بعدما حاول -متطرفون إسرائيليو




.. مندوب دولة الإمارات لدى الأمم المتحدة: من حق فلسطين العضوية