الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محكمة عُليا تحت الاحتلال

هشام نفاع

2007 / 9 / 4
القضية الفلسطينية


حقًا، إنه إحتلال فريدٌ، ينسّق ويتفق مع ضحاياه بكلّ ندية وتكافؤ على مواعيد ممارسة حريتهم!
هذا ما يحدث حين تقف المحكمة الاسرائيلية العليا بين جهاز الاحتلال الذي تشكل المستوطنات ذراعًا رئيسية له، وبين قرى فلسطينية:
في أيلول 2005 أمرت المحكمة دولة إسرائيل، ممثلة بوزارة "الأمن" والجيش، بتغيير مسار مقطع الجدار الاستيطاني قرب مستوطنة ألفي منشيه، المُقامة جنوب قلقيلية. وهو الذي جاء بغية ضمّ المستوطنة بأوسع منطقة نفوذ ممكنة الى "الجانب الاسرائيلي" من الجدار، خلف حدود 1967.
جاء ذلك القرار بعد التماس كانت قدمته خمس قرى فلسطينية بواسطة جمعية حقوق المواطن، ضد الجدار الذي يهدّد بسجنها في مَعزل مغلق يمزّق حياتها ويدمّر مصادر عيشها وخدماتها التي تتلقاها في قلقيلية، خصوصًا. في حينه، اعتُبر القرار، الذي شمل أمرًا بتفكيك جزء قائم من الجدار واستبداله بآخر، سابقة عادت بمدائح لافتة على المحكمة "لجرأتها".
في أعقاب ذلك، قدمت الدولة (أي جهاز الاحتلال) مقترحات جديدة لتغيير مسار الجدار، لم تغيّر من واقع انتهاك حقوق أهالي القرى الخمس: راس الطيرة، وادي الرشا، مغارة الضبعة، عرب أبو فردة وعرب الرماضين. هنا، اعترض الملتمسون على تلك المقترحات وكالمتوقّع رُفض اعتراضهم، فالتمسوا ثانية (في كانون الثاني 2006). لكن المحكمة العليا اختارت هذا الأسبوع قبول أحد مقترحات جهاز الاحتلال بكل ما يعنيه من بشاعات.
ما فعلته المحكمة هو أنها أخرجت ثلاث قرى من المَعزل المخطّط، لكنها أبقت أراضيهم التي يعتاشون منها داخله، وسجنت فيه أيضًا قريتي أبو فردة والرماضين.
ما الذي ينتظر السكان الآن؟
مما قالوه أمام المحكمة:
إن المسار الجديد للجدار يواصل سجن قريتين في "الجانب الاسرائيلي" من الجدار، ويفصل القرى الثلاث الأخرى عن قسم واسع من أراضيهم. تطبيق مخطط الاحتلال سيؤدي الى تدمير 350 دونمًا من الأراضي المشجّرة. كذلك، ستظلّ خلف الجدار 87 قسيمة أرض مساحتها الاجمالية 2500 دونم. 60% منها مغروسة بأشجار الزيتون، 20% بأشجار اللوز، وما تبقى مخصّص للزراعة الموسمية والرعي. هذه القسائم تعتاش منها مئات العائلات. لذلك فإن مسار الجدار يمس بأملاك ومصدر رزق وحرية حركة السكان. وسيتفاقم انتهاك حقوقهم نتيجة لشق شارع مخطط، مستقبلاً، بين مستوطنتي الفي منشيه وكرني شومرون، والذي سيخترق أراضيهم هو الآخر. وبفعل قرب الجدار من بيوت السكان فهو يهدد حياتهم ويمس بامكانيات التطور المستقبلي للقرى. بخصوص أبو فردة والرماضين، فإن المساس بهم أقسى. فمعظمهم يعمل ويعتاش ويتلقى خدمات الصحة والتعليم من قلقيلية وحبلة. إن أحوالهم ستسوء أكثر مما هي عليه اليوم.
من جهتها لخّصت المحكمة العليا موقفها بالقول المنحاز: "إننا لا نستخفّ بالمساس بالسكان الفلسطينيين المنوط باقامة الجدار بمساره الجديد أيضًا... هذا المساس ضروري لأسباب أمنية... مع ذلك، على الرغم من قسوة الانتهاك لا يمكن القول إنه غير نسبيّ... لقد اقتنعنا بأنه لا يوجد مسار أقلّ مساسًا يمكنه تحقيق الغرض الأمني".
تبدأ المشاكل في اللغة التي تتبناها المحكمة. فمستوطنة ألفي منشيه، وهي منشأة استعمارية بموجب أي تعريف يستند الى القانون الدولي والانساني، تتحوّل على ألسنة القضاة الى: "بلدة اسرائيلية في منطقة السامرة (...) تبعد نحو 4 كيلومترات عن شرق الخط الأخضر". فليس الاحتلال وحده ما يبتلع الخط الأخضر واليابس، بل إن منطق وتوجه الهيئة القضائية الاسرائيلية الأعلى يوفر غطاءً متينًا لهذا الواقع الكولونيالي المفروض بالقوة. من هنا يصبح طريق المحكمة سالكًا كي تضفي شرعية على شتى الموبقات باسم مختلف التسميات والكلمات المغسولة.
الحجج الأمنية لا تنتهي طبعًا. وهي حجج مشتقّة من فرضية مسبقة، ضمنيّة ومستترة (متستّرٌ عليها بالأحرى) تنص على أن تحقيق الأمن ممكنٌ في واقع الاحتلال. فلست بحاجة سوى الى القيام ببعض الترتيبات هنا وهناك حتى يتحقق الأمن من دون أن يكون لك موقف من حالة الاحتلال بحدّ ذاتها، وبكل ما تعنيه من إنتاج فعليّ مباشر مخطط وممارَس لواقع انعدام الأمن والأمان. إنها فرضية مقبولة على المحكمة، وحين تقبلها نراها تسلُك بوصفها جزءًا من المؤسسة الاسرائيلية برمّتها. في هذه النقطة يجب التوضيح بشكل قاطع: إن المحكمة العليا حين تتناول قضايا ترتبط بممارسات الاحتلال فإنها تعمل تحت سقفه وفي نطاق منطقه، مهما تحرّكتْ بين النقاط وتراقصت بين السطور.
ضمنيًا، قبلت المحكمة في قرارها بمواقف شديدة الفظاظة والعنصرية شملها مقترح جهاز الاحتلال. فهو يرى في القريتين اللتين تم عزلهما وسجنهما وفي قرية راس الطيرة "بلدات غير معترف بها، يُمنع البناء فيها".. هكذا! فالجهاز الاحتلالي الذي يُعتبر بموجب أي قانون دولي وانساني وأي معيار أخلاقي حالة من الإنتهاك الرسمي الممؤسس، هو جهاز يمسك بالقانون، يضعه في سلّته، ويوزّع منه كما يشاء؛ يأخذ لنفسه الحق (بالقوّة) كي يمنح ويمنع "القانونية" عن قرى يقوم باحتلالها واستيطانها بشكل خارج عن القانون.
كذلك، في محاولة للتخفيف من فداحة ما يُلحقونه بالسكّان الفلسطينيين، أورد ممثلو جهاز الاحتلال أمام المحكمة ادّعاء أن أهالي القريتين السجينتين يعملون لدى اسرائيليين ولدى مستوطنة ألفي منشيه بالذات. يبدو الأمر باعثًا على الطمأنينة، فالسكان سيجدون عملا ومصدر معيشة.. لكن يكفي قليل من التمعّن لرؤية مدى اجرامية هذا الواقع المعبّر عنه في ادعاء الدولة. أمامنا صورة قمعيّة عديدة الطبقات، فالاحتلال مفروضٌ في المستوى الأول بكل ما يعنيه هذا؛ تحته تأتي سيطرات استيطانية متعددة أكثر تحديدًا في مواقع جغرافية محددة؛ وتحت هذه السيطرة التي تبدو كأنها على الأرض فقط لأجل "الأمن"، هناك سيطرة طبقيّة على سكان فلسطينيين فقراء تم استبقاؤهم للقيام بوظيفة القوة العاملة السوداء الرخيصة لدى الأسياد المستعمِرين.
حين تقبل المحكمة العليا بمقترح جهاز الاحتلال، فإنها تتبنى مُجمل هذا المنطق الاستعماري والعنصري والاستعلائي. لا يبقى من حديثها حول "موازنة معيار الأمن بمعيار تقليل المساس بالفلسطينيين" سوى الغبار. غبار يختلط بالغبار المتصاعد من تدمير وسحق الأرض والأشجار والمزروعات لتمرير الجدار.
لحظة واحدة.. فاتني ان أذكر أن جهاز الاحتلال وعد بأن يُتاح وصول السكان الفلسطينيين الى أراضيهم السجينة بواسطة بوابات زراعية في الجدار "سيتم الاتفاق على مواعيد فتحها مع السكان، كالمعهود"! حقًا، إنه إحتلال فريدٌ، ينسّق ويتفق مع ضحاياه بكلّ ندية وتكافؤ على مواعيد ممارسة حريتهم! هل توجد حاجة في التعليق على كذب بهذا الحجم وبهذه الصفاقة؟ وهو للأسف، كذبٌ فظّ حظيَ بالمصادقة عبر ختم مطاطي إسمه المحكمة الاسرائيلية العليا.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -غادرنا القطاع بالدموع-.. طبيب أمريكي يروي لشبكتنا تجربته في


.. مكتب نتنياهو: الحرب لن تنتهي إلا بعد القضاء على قدرات حماس ع




.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره الأميرك


.. حرب غزة: بنود الخطة الإسرائيلية




.. الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا صاروخين ومسيّرات من اليمن |