الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كردستان في زمن الكوليرا

هوشنك بروكا

2007 / 9 / 5
الطب , والعلوم


بعد فسادٍ وإفسادٍ كبيرين، ثقيلين(على الطريقة الكردية المناضلة هذه المرة) على أكثر من مستوىً في "كردستان العشيرة والحزب والدولة"، تناقلت وسائل الإعلام الكردية والعربية والعالمية، في الآونة الأخيرة، أخباراً عن "مصادر طبيةٍ، أهليةٍ ورسميةٍ، في إقليم كردستان العراق، حذّرت من احتمال انتشار وباء الكوليرا، الذي تم الكشف عن أولى إصاباته في مدينة السليمانية، "عاصمة" الإتحاد الوطني الكردستاني، الشريك ال"فيفتي فيفتي" الثاني، مع الديمقراطي الكردستاني، في الحكم الكردي المبين.

في وقتٍ سابقٍ، كان موقع "بوك ميديا" الكردي التابع لإعلام الإتحاد الوطني الكردستاني، قد نقل على لسان وزير صحة الإقليم الكردي الدكتور زريان عثمان، أن المرض قد أودى بحياة ثمانية أشخاص(1 في كركوك و7 في السليمانية) بالإضافة إلى تسجيل أكثر من 80 حالة إصابة".

إلا أن الأرقام والتقارير، الطازجة، القادمة من الإقليم الكردي المصاب بالكوليرا، تحذر من وقوع "كارثة صحية" في الشمال الكردي العراقي، "إذا لم تقدم دول أخرى ومنظمة الصحة العالمية مساعداتٍ عاجلةٍ للحكومة المركزية، وحكومة إقليم كردستان، لمساعدتها في الحد من انتشار المرض". ووفقاً لمصادر رسمية بالحكومة العراقية وفي الأمم المتحدة، أكدتها ل "السي إن إن" (31.08.07)، فإن الكوليرا قد حصدت 10 قتلى من بين 5000(خمسة آلاف) مصاباً في كردستان العراق.
وبحسب صحيفة الحياة اللندنية(31.08.07)، فإن مصادر في منظمات عالمية(كاليونيسيف)، عزت انتشار الوباء إلى "مشاكل خطيرة في مياه الشرب ومعالجة المياه العادمة". ووفقاً لتقريرٍ صادرٍ عن البعثة الدولية المساعدة في العراق أن "30 في المئة فقط من سكان السليمانية لديهم إمدادات مياه ملائمة، وإن المياه لا تتوفر إلا لساعتين يومياً، للأحياء الرئيسية في المدينة وبعض الضواحي".

تلك هي أخبار الماء(على سبيل المثال لا الحصر) في واحدةٍ من "أرفه" حواضر إقليمنا الكردي العتيد، الذي يتبجح القابعون على شئونه، ليل نهار، ب"الإنجازات التاريخية العظيمة" التي حققها لشعبه الكردي "السعيد"، على امتداد أكثر من 17 سنةٍ من الملك وشفط المال العام.

تلك هي أحوال الماء وأهله من "المحكومين بالكوليرا"، والمام جلال طالباني يصرح ليل نهار، ربما كبرهانٍ "أكيدٍ" على "الرفاهية الكردية" المعهودة، في واحدةٍ من أقوى وأغنى مراكز القرار الحزبي الكردي المتنفذ في الإقليم، أن "هناك في السليمانية وحدها، أكثر من ثلاثة آلاف مليونير".
من هم هؤلاء المليونيرية، يا سيادة المام الرئيس؟
ما هي درجة ترتيبهم الحزبي والعشائري؟
ماهي صفة قرابتهم لذوي الحكم والملك؟
من أين حصدوا ملايينهم الكردية وفي أي مجالٍ يزرعونها ويوظفونها؟
كم مليوناً من هذه الملايين الكردية، الكسولة، الخاملة، العاطلة، يمكن عدّها في عداد الملايين العاملة، الشريفة، الوطنية، المنتجة؟
كم مليوناً، من هذه الملايين المكدّسة والمهرّبة إلى "الخارج الوطني"، يمكن استثناءها، من قاعدة "المال العام المسروق والمنهوب"، على سنة الحزب ورفاقه المناضلين الأشاوس، ذوي الدرب الطويل في "النهب الطويل"؟
أي رأسٍ من الرؤوس الحزبية والعشائرية والحكومية الكبيرة، صك لهؤلاء صكوك "الرفاهية الكردية الجاهزة"؟
ما هو الرقم الكبير الكبير(مقابل 3000 كردي حزبي، مسؤول، متنفذ، حاصل على المليون) الذي يمكن أن يجتمع تحت سقفه السليمانيون المعدومون، الذين يعيشون إلى جانب أكرادهم المليونيريين، في ظل "الرفاه الحكومي الباذخ"، تحت أكثر من خطٍ للفقر، وأكثر من خطٍ للبهدلة والشرشحة الكرديتين، بإمتياز؟

طبعاً، على مستوى أهل الملايين الكردية "الحزبية، العشائرية، الأكيدة"، ستُعتبر هذه الأسئلة وغيرها الكثير، "أسئلةً داخليةً"، متعلقةً بالشأن الداخلي الكردي، وأكراده الداخليين، لا علاقة للخارجيين، من أمثالي، بها!!!

أما الرئيس المام الطالباني، يبدو أنه ينظر إلى "رفاهية السليمانية" كجهةٍ من جهات "الإقليم السعيد"، من نافذةٍ وحيدةٍ، واحدةٍ، لا شريك لها، وهي نافذة "أهل الملايين": نافذة "أهل الحزبَين الحاكمَين"، و"أهل الحكومة"، و" أهل الحل والربط"، و"أهل القرار" الكردي، الأول والأخير.

ولكن الحقيقة؛ حقيقة "الماء المعدم"، و"الأكراد المعدمين"، وحقائق أخرى كثيرة "أُعدِمت"، تقول أن الرفاهية، كردياً، سواء في السليمانية أو في أية ناحيةٍ من أنحاء الإقليم الأخرى، هي أكبر بكثير من أن تحدّها حدود ملايين أو مليارات كردية، حزبية، خارج وطنية، مسروقة، خرّبت(ولا تزال) الوطن والمواطن أكثر من أن تبنيه، نالت(ولاتزال) منهما أكثر مما تعطيهما، وجنت(ولاتزال) عليهما أكثر من أن تحكمهما وإن بنصف عدالةٍ.

الرفاهية، في قواميس المجتمعات السعيدة، تُقاس بحجم الملايين أو المليارات الوطنية، المنتجة، الشريفة، المخصصة لصناعة سعادة المواطن، لا بحجم الملايين المشفّطة، المنهوبة، من جيبه وجيوب أترابه من المبتلين، ببلاء وكوليرا السياسات الفاشلة، المعمولة بناءً على وصفاتٍ عشائرية، حزبويةٍ، مفسِدة، في منتجعات الحكومات الفاسدة.

جميلٌ، أن تتحولَ أربيل عاصمة الإقليم الكردي، إلى واحدةٍ من أكبر المدن الإعلامية النموذجية، وفقاً لمعايير وتقنيات العالم الحديث، بكلفةٍ تصل إلى حدود 800 مليون دولار، حسبما تناقلته وسائل الإعلام المحلية والدولية، في أواخر أبريل/ نيسان الماضي.
ولابأس في أن يطمح القابضون على شئون الحكم الكردي في الإقليم، بأن يحوّلوا "هولير" العاصمة إلى "دبي العراق"، في الوقت الذي كان من الحري بهم، أن يحوّلوا كردستانهم إلى "هونغ كونغ العراق" مثلاً.
وربما، جميلٌ أو شبه جميلٍ، أن تقام عشرات المؤتمرات "الخمس نجومية"، ذي الشعارات الكبيرة والأهداف الثقيلة، والكونفرانسات العابرة للحدود وللثقافات وللصداقات والزمالات؛ وأن تنظّم الفعاليات "التعبوية" المأمورة من "الفوق الملآن"، وحفلات التكريم الكوبوناتية، والملتقيات "الضرورية"، الهادفة إلى "البروَزة العالمية"، في حواضر االإقليم، بسخاءٍ قلّ نظيره(اللهم إلا في الإمارات والممالك النفطية الكريمة)، على نفقة وزارات، أو مديريات، أو مجالس، أو اتحادات، أو مؤسسات، أو مكاتب السيدات والسادة الأوَّلين في كردستان "الفاضلة"، الكريمة.
وجميل أن يمنح سيد حكومة الإقليم، منحة مالية سخية، قدرها 5 ملايين دولار، للجامعة الأمريكية، التي حاز على درجة "العضوية الفخرية" في مجلس إدارتها، الذي يترأسه د. برهم صالح نائب رئيس الوزراء العراقي، كما اختير رئيس الجمهورية المام جلال طالباني، رئيساً لمجلس أمنائها.
وربما يكون جميلاً، أو نصف جميلٍ، حين تدعم سيدة العراقَين(بشقيه الكردي والعربي) الأولى هيرو خان، من "جيبها الكردي الخاص جداً" المهرجانات النصف عالمية، والمنتديات النصف ثقافية، والملتقيات النصف أدبية، والكومونات النصف اجتماعية، والجمعيات النصف خيرية؛ وأن تقيم المآدب الكاملة المكمّلة، الباذخة، لشيوخ وسادة التملق الكامل، والمدح الكامل، و"مسح الجوخ" الكامل، والشفط الكامل.

إلا أن اللاجميلَ، هَهنا، في ظل سيادة هذه الملايين الكردية المختلسة، "المصَلبطة" على الرقاب الفقيرة المعدمة، هو أنه ما اغتنى حزبيٌّ، عشائريٌّ، مسؤولٌ، كرديٌّ، في هذا الإقليم المنهوب، إلا على فقر لاحزبيٍّ، لاعشائريٍّ، لامسؤولٍ، كرديٍّ أو لا كرديٍّ، فقير.
اللاجميلُ، هَهنا، هو، أن كردستان الحزب والعشيرة وكردستان الجيوب المليونية "اللاوطنية"، قد اغتنت و"تمليَرت" على ظهر كردستان الوطن والمواطنة.
اللاجميلُ، هَهنا، هو، أن كردستان الفساد الحاكم، وأهلها من الفاسدين المفسدين، تعيش "فوق الريح"، في بحبوحةٍ استثنائيةٍ، فوق عاديةٍ، على حساب حياة كردستان المحكومة وأهلها من المحكومين، المطرودين من نعيم القبيلة والحزب والدولة وهباتها السخية، إذ يعيشون الحياة الوباء، والحياة الكوليرا، والحياة ال"بلا ماء" وال"بلا كهرباء"، والحياة "التحت الصفر" و"التحت الفقر".
اللاجميلُ، في كردستان المتحققة، و"المزدهرة"، فساداً، اليوم، هو أن تطير كردستان الجميلة، وأن تتحول كردستان أيام زمان؛ كردستان زمان الدم الجميل، والشهادة الجميلة، والبندقية الجميلة، والكلمة الجميلة، والحب والحلم الجميلين، إلى كردستانٍ في زمن الكوليرا.

في رواية الحائز على "نوبل"(1982)، الكولومبي الجميل غابرييل غارسيا ماركيز، الأجمل(الحب في زمن الكوليرا، 1986)، هناك خيانة جميلة للزمان والمكان القطيعيين الرسميين، ولناسهما الرسميين، كي يمتد الحب، ويتوسع، ويطول، ويعيش ،جمالاً طويلاً، في زمنٍ، موِّه براية الكوليرا "الصفراء"/الكوليرا القولية، الوهمية، اللاموجودة.
أما في "رواية 17 عاماً من الكرد وكردستان"(وهي رواية حقيقية، من لحم ودم، وواقعية 100%)، فهناك "تواطؤ قبيح" مع القطيعية الحزبية والعشائرية، مكاناً وزماناً وشخوصاً، كي تموت كردستان الحب، في زمنٍ أصيب، من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، عن قصدٍ وتقصد، بما هو أبعد وألعن من الكوليرا/ الكوليرا الفعلية، الواقعية، الموجودة، بكل شحمها ولحمها.

هكذا تكلم الحب، هناك، وعاش، غنياً، في زمن الكوليرا.
هكذا تتكلم كردستان، هنا، وتموت، فقيرةً، معدمةً، من الكوليرا إلى الكوليرا.
هكذا، يكبر الحب، هناك.
هكذا، يكبر الجيب، هنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مزيد من الحقوق للفلسطينيين.. تصفيق حار للممثل الفلسطيني في


.. هل فقد القدير نهاد طربيه نظره فعلًا؟... إليكم السبب خلف إصاب




.. غموض حول مقـ ـتـ ــل الطبيبة نهى سالم في تركيا


.. صحة غزة: ارتفاع عدد الوفيات جراء سوء التغذية إلى 37 شخصا




.. منظمة الصحة العالمية تكثف جهودها لإعادة إحياء مستشفيات خان ي