الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمريكيون والصناعة الدعائية والأعلامية

خالد سليمان القرعان

2007 / 9 / 5
العولمة وتطورات العالم المعاصر



اخترعوا الدعاية إلا أنهم بالمقابل هم الذين جعلوا منها سلاحاً فعالاً للتحكم بالجماهير وللغزو السياسي والاقتصادي والثقافي. فالدعاية التي استخدمت بشكل منهجي ومكثف بعد الحرب العالمية الأولى فرضت نفسها في كل مكان ولم تترك متراً مربعاً واحداً من الجدران واللوحات والواجهات وحتى في السماء بفضل استخدام الطائرات: فحولت الإنسان إلى أداة خاصة بها لترويج ميزات هذا النوع من السجق أو الشمع الملمع وانتشرت بشكلها المهين لرجل يحمل لوحتين إعلانيتين على صدره وظهره.‏
ومهما ظهرت ناعمة ولطيفة بالنسبة لعدد كبير من الناس لأنها أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية إلا أن الدعاية رغم ذلك تشكل خطراً قد يستهان به إلا أنه قاتل. إن الطريقة التي صنع بها الأمريكيون الدعاية جعلتها خطيرة بطبيعتها وبأسلوب استخدامها وبانعكاساتها الناتجة عنها. وبما أن الدعاية ترتكز بالطبع ليس على المعرفة التي يجب أن نملكها عن الشيء بل عن اللذة التي نحصل عليها ومن جهة أخرى على المعين الوحيد وهو الارتياح الشخصي لذلك أدخلت إلى المنتج الذي تروجه الشعور بالسعادة الذي أمتد إلى مجمل نظرتنا إلى العالم الذي تمثله. في كتاب "السعادة الملائمة" قال فرانسوا برون عن الدعاية بأنها:"تضفي انعكاسات حمقاء على أناس أذكياء". وإعطاء مشاعر الفرح للواقع يتم بطريقة مضحكة لعوبة ملائكية وظاهرياً ليست عدوانية. ولأنها تتعامل مع كل شيء تتناوله على أنه سلعة لذلك فإن الدعاية تجعل رؤية الشيء معوجة لدى من يخضع لها بخلق تناقض بين القيمة والنوعية الضمنية للسلعة وبين التقديم المبالغ به: في الحقيقة لا تقدم الدعاية أي دليل بأن السلعة هي حقاً تمثل ما يقال عنها.‏
الخطر يصبح أكبر عندما تستعمل الدعاية وسائل أكثر تضليلاً. إن الأساليب الحالية بعد أن أثبتت نجاحاتها في عدة مجالات كاللغة المنمقة) وأصبحت أكثر فعالية بفضل تقنيات مهمة صور مركبة) ضاعفت عشرات المرات الأثر الحاسم للدعاية على المشاهد أو القارئ. فعندما نربط نوع سجائر أو رائحة عطر بصور تظهر فعل التدخين أو التطيب مع مشهد جميل وخيالي لكنه طبيعي المظهر صحي ساحر مع صورة أبطال من يدخن أو يتطيب) جميلين معافين، تنجز الدعاية هكذا عدة عمليات بلاغية ذات أثر لا علاقة له بهذا الالتفاف الذي يبقى صعب الإدراك من قبل عقل غير متمرس وقليل الحذر. إن مسخ الواقع علناً عن طريق إعطاء ميزات مشهد ما وطبائع البطل الممثل للسلعة التي هي بالحقيقة تعرض الصحة للخطر السيجارة) أو هي تافهة رائحة) - حتى لو كان من المفضل أن تكون رائحتنا طيبة لا نتنة - إن هذا المسخ يستطيع أن يؤثر بعمق على المخيلة لدرجة جعلها مضطربة. إن القصف الإعلاني الذي يجعل المشاهد أو المستمع وسيلة والصفعات التي تنتظر المتنـزه عند كل زاوية شارع تسبب لمخيلة أغلب الناس المعاصرين أضراراً ضخمة وعميقة. فعندما تحتل الدعاية بهذه الطريقة الحيز المكاني بحيث تصبح الأفلام والأخبار والأفلام الوثائقية والحوارات السياسية والثقافية ليست أكثر من شواطئ خيالية في عالم دعائي غير محدود. حتى لو حاولنا تجاهل ذلك فإن الدعاية سوف تؤدي إلى تهجير المخيلة الذاتية والجماعية عنصر داخلي المنشأ) لتضع مكانه مخيلة أخرى عنصر خارجي المنشأ).‏
إن ما تفعله صفعات الإعلان هو تدمير ذري للحقيقة المرئية والمسموعة وتعليب للواقع يضاف إليه بواسطة الالتفاف البلاغي المنمق الإلغاء الزمني الضروري للتفكير ولهضم المعلومة المغلوطة المرسلة والمسببة للسعادة). إن التورط السياسي والاقتصادي نتيجة ذلك يبدو كبيراً. سياسياً هي تؤدي إلى المثاقفة محو ثقافة أخرى) بإبدال مخيلة بأخرى أي المخيلة المتعددة التمثل الخاصة بالثقافة الأوروبية بمخيلة أحادية البعد، تجارية نابعة من الاختزال الاقتصادي الملازم لليبرالية. اقتصادياً تقوم الدعاية بالتأثير على العقول بوضعها في قالب ذي بنية معدة هدفها تجاري بحت وتستخدم الغاية الوحيدة لكل خطاب، فهي لا تحترم أي شيء أو غير قابلة للتعبير عنها بأرقام السوق. وهكذا تختلط "عملية تشويه العالم" وخاصة العالم البشري المتوارث من آلاف السنين للحضارة اليونانية اللاتينية المسيحية عن طريق التفاهات، تختلط بعملية قلب القيم وبالتحويل الأحادي البعد للكون.‏

منذ أكثر من عشرين عاماً ارتبطت الدعاية بشكل قطعي مع التلفاز. لقد شكلت الشاشة الصغيرة جزءاً أساسياً من تكوين جميع المنازل. وإن استخدمت بذكاء فهي تستطيع أن تكون أداة ثمينة لاكتساب المعارف، وبالمقابل إن استخدمت بدون روية تصبح بدون شك أداة خبيثة. إن تعميم نظام البث عبر الكابل سمح بالتقاط عشرات الأقنية وستصبح مئات بعد زمن قصير بل آلاف، وبالبرامج المبثوثة من جميع الأنحاء من المفترض أن تساهم بنمو البشرية والشعوب وبالانفتاح نحو الآخر والثقافات وطرق التفكير ، بينما المجتمعات العربية انعكس ذلك عليها بالوباء السياسي والمجتمعي والاقتصادي وبوباء التبعية ، وعلى سبيل المثال فأن المجتمع الأردني تبلور فيه طابع التبعية للمسلسلات المصرية واخذ الكثير من الناس عاداتهم وتقاليدهم من هذه المسلسلات الرديئة والذي يدعم انتاجها اساسا شركات صهيونية عالمية من اجل الاباحية والقضاء على التقاليد والعادات المثالية ،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقل 300 طن من المساعدات إلى قطاع غزة




.. حزب الله اللبناني.. أسلحة جديدة على خط التصعيد | #الظهيرة


.. هيئة بحرية بريطانية: إصابة ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليم




.. حزب الله يعلن استهداف تجمع لجنود إسرائيليين في محيط ثكنة برا