الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفتاوى الفلسطينية ..بين اجتهاد العلماء ومناكفة الفرقاء

سفيان صيام

2007 / 9 / 6
القضية الفلسطينية


تبدو حالة الانقسام الفلسطينية في أشد لحظاتها إثارة وهي تستقبل الضيف الجديد فيها ، فبعد انضمام الجغرافيا والسياسة و الإدارة ، ينضم الآن الدين على شكل الفتاوى التي تصدر هنا وهناك لتعمق حالة الانقسام ، فللأسف الشديد بتنا نفتي مستندين إلى أصل عظيم من أصول الفتوى في القرن الحادي والعشرين ألا وهو الحزب أو الفصيل الذي أصبح فرعونا يحكم بناء على قاعدته الشهيرة لا أريكم إلا ما أرى ، فلا شرعي إلا ما شرعه الحزب ، ولا حلال إلا ما حلله الحزب ، ولا حق إلا ما حققه الحزب ، و لا باطل إلا ما أبطله الحزب .
على ما أعلم إن مصادر التشريع في الفقه الإسلامي تقوم بالأساس على أساسين عظيمين هما القرآن والسنة و يأتي بعد ذلك مصادر أخرى مثل الإجماع والقياس والاستحسان وغيرها ، وعلى حسب علمي أن الفتوى ليست لكل من قرأ أية من القرآن الكريم أو حديث من السنة النبوية وإنما هي لعلماء الأمة الذين بلغوا من العلم حداً يسمح لهم بالاجتهاد ، فجدُّوا في تقديم الحكم الشرعي للمسلمين خصوصاً في نوازل المسلمين والمستحدث من القضايا التي لم تكن معروفة فيما مضى ، والأساس في الفتوى هو الإخلاص لله عزوجل ، بأن يكون المقصود بالفتوى هو التقرب إلى الله فالنية أساس كل عمل ، والاقتراب من الفتوى أمر فيه خطر شديد ، فلا يتصدى لها إلا من كان قادراً عليها ، أجرأكم على الفتوى أجرأكم على النار ، وبعد استحضار كل ما سبق من إخلاص للنية وعلم وحذر فان اختلف المُجتهدون ففي ذلك رحمة للمسلمين ، والمجتهد المخطئ له أجر والمصيب له أجران .
أما في غياب ما سبق فإن الفتوى تخرج من نطاق اجتهاد العلماء المسموح بالاختلاف فيه إلى نطاق آخر هو مناكفة الفرقاء وهذا لعمركم أمر معيب ، أن نُفتي لما فيه مصلحة الحزب أو الجماعة ، وتقوية موقفها بإلباسه لباساً دينياً مقدساً ، يُعزز قناعة من ينتمون لنا بأنهم يقومون بما يمليه عليه دينهم و يُرضي الله عزوجل عنهم ، ويُعتبر الاستنكاف عنه إثماً يعاقَب من يقوم به .
إن الناظر للفتاوى الفلسطينية في الآونة الأخيرة لا يستطيع بحال إلا أن يصنفها – على غير رغبة منه- في النوع الثاني أي في صف المناكفات ، فعلى سبيل المثال لا الحصر برزت قبل فترة ليست بالبعيدة فتوى تحرم راتب الموظفين الذين التزموا بقرار الرئيس بعدم التوجه لوظائفهم ، على أساس أن الراتب إنما هو مقرر مقابل العمل الذي يؤديه الموظف ، فإن غاب يكون راتبه الذي يصرف له حرام لأنه بدون مقابله وهو العمل ، وبالمقابل ظهرت فتوى أخرى تجعل نفس الراتب المصروف لنفس الموظف حلالاً طيباً يستطيع أن يأكل به ويشرب هنيئاً مريئاً دون خوف أو وجل .
في ذلك الوقت كانت تعتصرني رغبة عارمة بتوجيه سؤال لمن أفتى بالحرمة، إذا كان الراتب في هذه الحالة حرام، فما حكم أخذ الضرائب على الحرام ؟؟ لماذا تصمت هنا وتتكلم هناك ؟؟ أم أن حرمة الحرام قاصرة على بيعه وشربه دون أخذ الضرائب عليه ؟ في ذلك الوقت توقفت عن السؤال قلت ربما يكون المفتي من القائلين بالكراهة ، ولكني اليوم وبعد ما رأيت ما يؤكد لي قوله بالحرمة لا بالكراهة أعيد توجيه السؤال مرة أخرى !!
قبل أيام قليلة صدرت فتويان جديدتان، حرمت الأولى صلاة الجمعة في العراء، بينما قالت الثانية بشرعيتها.
وللإنصاف نقول أن ما ورد في الفتوى الأولى لم يحرم الصلاة لذاتها حيث ليس هناك مانع شرعي لإقامتها بالعراء حيث أجازها جمهور الفرقاء ، وإنما حرمها لنية القائمين عليها ، وما قد يعقبها من أحداث مثلما حدث في الجمعتين السابقتين ، إذا الصلاة في ذاتها حلال بناء لقوله ولكن لأن القائمين عليها تذهب نيتهم إلى المشاركة في أحداث مرفوضة بعد انتهائها و لأنه ربما يعقبها أحداث فهي حرام ، وفي الحقيقة أن هذا يطرح سؤالاً هاماً ما حكم من ذهب لهذه الصلاة مستنداً على أنها حلال في ذاتها ثم حمل نفسه وعاد إلى بيته بسلام ؟ دون أن يتدخل في ما قد يعقبها من أحداث ، ودون أن يشارك في أي منها، ودون أن يكون لديه النية في المشاركة فيها فهل صلاته حرام أم حلال ؟
على العموم فالفتوى الثانية تريحه من هذا السؤال حيث تؤكد هذه الفتوى على شرعية صلاته بالعراء .
هناك العديد من القضايا التي يجب أن تكون بعيداً عن ميدان التجاذب والمناكفة ولكن أهمها الدين ، فلا يعقل أن أصدر الفتاوى لأن مصلحة الحزب أو الجماعة فيها ، وأن أتجنب الفتوى في موضوع آخر لأن من شأن ذلك أن يضر بموقف الحزب أو الجماعة ، ورغم أن حالة التجاذب القائمة تسهل عملية استحضار كل شيء بإمكانه مساندة موقفي ، فإن إقحام الدين فيها بهذا الشكل الانتقائي خطير جدا ً ، ولمن أراد المناكفة فهناك العديد من الميادين المعروفة والمبتكرة ، فلا داعي إذا للتلاعب بمشاعر الشعب ودينه عبر الفتاوى المبرمجة لخدمة موقف معين .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -لن أسمح بتحطيم الدولة-.. أمير الكويت يعلق بعض مواد الدستور


.. في ظل مسار العمليات العسكرية في رفح .. هل تطبق إسرائيل البدي




.. تقارير إسرائيلية: حزب الله مستعد للحرب مع إسرائيل في أي لحظة


.. فلسطينية حامل تودع زوجها الشهيد جراء قصف إسرائيلي على غزة




.. ما العبء الذي أضافه قرار أنقرة بقطع كل أنواع التجارة مع تل أ