الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة:لاءاتُ أبي

عبد الرزاق السويراوي

2007 / 9 / 7
الادب والفن


قبل أشهر قليلة , وبعد إلحاح أمّي المتواصل , عملت بنصيحتها, فإقتنيت صندوقا صغيرا للتوفير . حينها لم أكن مقتنعا تماما بالفكرة وطالما عبّرت عن رفضي لها , ولعلّ منْ بين أسباب رفضي لهذه الفكرة , أن قبولي لها , يعني حرمان نفسي , وإنْ كان مؤقتا , من إقتناء بعض الإحتياجات البسيطة , إسوة بأصدقائي , أو على الأقل تماهياً لهم , فضلا عن أنّ مصروفي اليومي , هو بالأساس كان متواضعا جدا. لكن حلمي في شراء الدراجة الهوائية , ظل هو الهاجس الذي تتهشم على صخرته , كل أحلامي الأخرى , الأمر الذي دفهني الى أنْ أخبر أهلي , وأمي على وجه الخصوص , بأنّ الدراجة بالنسبة لي , هي الهواء الذي عليّ أن أستنْشقه , لا بل هي الماء والمأكل والملبس . وقد يكون من بين دواعي قبولي لمقترح أمي , هو أنني وصلت في نهاية المطاف , الى قناعة شبه مؤكدة , بعدم إستطاعة أبي إقتناء دراجة لي , فهو بالكاد يستطيع تمشية حالنا , فليس أمامي إذاً , إلاّ القبول , أو بالأحرى , الرضوخ لمقترح أمي بضرورة إقتناء صندوق للتوفير ... وها أنا قمت بإستخراج ما إدّخرته فيه , و إصطحبت أبي , أو على الأصح , هو الذي إصطحبني معه لشراء الدراجة , ليس هذا فحسب , وأنما أنا ولليوم الثاني أو الثالث وربما الخامس , أقوم بإعتلاء سرج حصاني الحديدي وبفرح غامر لا يعرف مداه الحقيقي إلاّ أنا , وأنا فقط , وربما أمي أيضا . وبالمناسبة , أنّ جدّتي هي مَنْ يسمّي الدراجة بـ الحصان الحديدي . كمْ أنت محقّة يا جدتي .
بالرغم من أن حلمي تحقّق وأصبحت الدراجة في متناول يدي , لكن هذا لا يعني أن إعتلائي لصهوتها قد تحقق وإنتهى الى هذا الحد , ذلك لأنّ ابي , صفعني بسيل كبير من اللاءات , وكان لزاماً عليّ التقيّد بفحواها , وإلاّ فالنتيجة جاهزة ومرسومة في ذهنه .. " تجنّبْ السير بدراجتك في الشوارع المزدحمة بالسيارات .. حاضر يا أبي . لا تردف أحداً معك عليها , كائن من كان .. حاضر يا أبي . لا تبتعد بها كثيرا عن محيط البيت .. حاضر يا أبي . لا تذهب بها الى المدرسة .. حاضر يا أبي . لا .. لا .. وكثرتْ لاءات أبي , حتى أنني , ولولا خجلي منه , كان بودّي إخباره , لو إستطعت ذلك , بأنّ لاءاته المتلاحقه , سوف لا تجيز لي ركوب حصاني الحديدي , اللهم إلاّ إذا كان ذلك على سطح القمر , فهناك بالتأكيد ستسقط كلّ مبرّرات ومسوّغات لاءاته .
مسكين أبي , إنّ حرصه عليّ , جعله يستل من جعبته باقة كبيرة من اللاءات ويقذف بها نحوي . لكنه لم يخطر بباله أحد هذه اللاءات , والذي كاد يودي بحياتي . فبالأمس , إقتصرت في نزهتي بالدراجة على التجوال في الأزقة الفرعية غير مبتعد عن دائرة محيط بيتنا . ولكن في صباح هذا اليوم , ولأنّه يوم عطلة , فقد إتخذت قراراً لا يخلو من جرأة أو هو خروج على لاءات أبي , حينما قررت السير بدراجتي في الشارع الرئيسي , وكان شبه خال تقريبا من السيارات , فإنطلق حصاني الحديدي يسابق الريح . وعند التقاطع الرئيسي للمدينة , وكنت قد إقتربت منه , فوجئت برتل عسكري أمريكي , كانت آلياته هي الأخرى تسابق الريح مثل دراجتي , وقد تزامن وصولي مع وصول أولى آلياته , فلم يكن أمامي إلاّ أحد خيارين , إمّا أنْ أحزم أمري بحيث أخفّف من سرعة سير الدراجة ومن ثم أنعطف بها يمينا أو شمالا فأتجنب الإصطدام بالآلية الأولى , أو على العكس من ذلك , أقوم بمضاعفة سرعة الدراجة لأتمكن من المروق بها قبل وصول الرتل اليّ ولو بثوان , ولكن اللحظات التالية بكل حراجتها , لم تتح لي فرصة ترجيح أحد الخيارين ,بل ولا حتى أي خيار آخر , فقد داهمني الإرتباك ليختل توازني , ولم أشعر إلاّ وأنا فوق العشب المزروع على يمين الشارع , وكان حصاني الحديدي قد ( كبا ) فداستْه العجلات الضخمة للآلية الأولى من الرتل , فأحالته الى كومة من الحديد الخردة . حاولت النهوض فيما بصري كان مصوّباً نحو دراجتي , فيما قفز تساؤل في ذهني عن الكيفية التي سأواجه بها أبي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا


.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور




.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان


.. -بين المسرح والسياسة- عنوان الحلقة الجديدة من #عشرين_30... ل




.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين