الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية الموميات الملكية

عبد المنعم عبد العظيم

2007 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


بعنوان الآثار المصرية الجديدة طالعتنا جريدة الأهرام فى9 /4/1881 بالخبر الاتى :
وجدت هذه الآثار فى ناحية القرنة التى على رأس الجبل الغربى ناحية طيبة القديمة أو الأقصر الحالية ضمن منزل لعائلة فلاحية تعرف بعائلة عبدالرسول اما كيفية الوصول اليها فكانت أن صاحب العائلة المحكى عنه اكتشف منذ عدة سنوات على بعض الآثار فكتم الأمر على الغير فاخذ يتصرف ببيع ما يجده من اثار الى السياح وخلافهم على علم من أخيه المدعو محمد فصودف أن وقع خلاف بين الإخوة فشكا هذا أمر ذاك الى مديرية قنا فأرسلت المديرية توا من قبلها المندوبين اللازمين الى المحل المعين للتحفظ على ما هناك حتى مقدم مندوب المتحف حسبما طلب منها 0
فأتى بيركش بك وكيل المتحف وفتح أبواب المحل المذكور فرأى حفرة كالبئر عمقها من وجه الأرض خمسة عشرة مترا وفى قعرها باب ضيق داخله محل يضاهى اتساعه نحو سبعين مترا فى جوف الجبل يحتوى زهاء ثلاثة وأربعين صندوق خشب فى غالبيتها جثث أموات 0
أما الصناديق فمنها 28مزخرفة من الخارج بالرسوم الغريبة والصور البديعة مموهة بالادهان الذهبية والمختلفة الألوان فى ضمنها جثث الملوك رمسيس الثالث وتحتمس وبانيونتيم وزوجاتهم ة ونحوها وكلها محنطة محفوظة كما هى 0
إما بقية الصناديق فمنها ما فيه جثث بعض رجال الدولة ومنها ما فيه أشياء كلية وقطع تصوير من حجارة وخزف وخشب وقد اكتشفت أيضا أربعة كتب من ورق الايبروس المنوع من ورق الموز والبردى وكل كتاب من هذه الأربعة ورقة واحدة يساوى طولها عشرة ازرع تقريبا وعرضها مقاس شبرين ووجد كذلك ستارة من جلد ملونة بالأشكال المنوعة ومرسوم عليها صور غريبة وكلها مسطرة بالكتابة وألوان الخط المحرر فى الكتب والستارة حمراء وسوداء0
ومما شوهد من الآثار علب عديدة معمولة من الأبنوس وسن الفيل معا محكمة الصناعة والإتقان مزخرفة مزدانة باختلاف الأشكال فيها أحشاء الملوك التى كانت تستخرج من أجوافهم لفعل التحنيط 00
هذا الخبر دارت حوله أحداث فيلم المومياء رائعة المخرج الراحل شادى عبدالسلام وان كان هناك تغيير فى بعض الإحداث فالأب سليم هو عبدالرسول الذى استطاع ابنه محمد ان ينقذ موميات حوالى أربعين ملكا من أعظم ملوك مصر عندما أفضى بسر الخبيئة لعلم المصريات المصرى الشهير احمد كمال 0
كان اشتغال أسرة عبدالرسول بتجارة الآثار بالصدفة البحتة فقد ضلت للأخوين احمد ومحمد عبدالرسول معزة فسعى ورائها احمد ليبحث عنها وأثناء بحثه عثر بالصدفة على مخبأ به موميات وأثاث جنائزى فى قاع صخرى عميق ومنذ ذلك الوقت اخذ الأخوان فى سلب الكنز الموجود تدريجيا وبمقادير محدودة واستمرا على هذا الحال عشرة سنوات متوالية وقد هداهما ذكائهما الفطرى الى هذا الأسلوب خشية ان يؤدى إغراق السوق بالآثار الى هبوط حاد فى أسعار بيعها0
وكان السياح الانجليز والأمريكيين على وجه الخصوص يتهافتون على الآثار الصغيرة الثمينة خصوصا ما كان يحمل منها شعارات ملكية ونما الى علم ماسبيرو علم المصريات الشهير نبا هذه التجارة المريبة فأدرك إنها تعتمد على اكتشاف سرى كبير بوادى الملوك وقد بنى ماسبيرو شكوكه على أساس ان بعض القطع المتداولة منها كانت فريدة من نوعها ليس هذا فقط إنما بعضها يحمل الشعارات الملكية كما أن بعض الموميات الملكية التى كانت معروضة للبيع كانت موميات فراعنة حقيقيين 0
تصرف ماسبيرو بحذر لان تفتيش اثأر الأقصر لم تكن أموره قد انتظمت بعد فسارع الى إرسال برقية الى شرطة الأقصر طالبا منهم تشديد الرقابة على تجار الآثار من أهاليها 0
ثم أرسل مبعوثا خاصا الى هناك متظاهرا بأنه سائح ثرى مستعد للصرف ببذخ وبادر المبعوث بشراء بعض القطع الأثرية المختارة لكسب ثقة التجار وبدا التجار ينظرون اليه باعتباره عميل فوق العادة وأصبحوا يعرضون عليه أنفس ما لديهم وفى إحدى المرات عرض عليه تمثال جنازى صغير من عهد الأسرة الحادية والعشرين أيقن المندوب انه لابد قد سرق من مقبرة ملكية واشترى الرجل التمثال بعد مساومة عنيده أمكنه خلالها ان يتعرف على احمد عبدالرسول واتجهت شبهات المبعوث وشرطة المدينة الى عائلة عبد الرسول وتأكد ان العائلة كانت تؤثر شخصا تركيا بعينه على غيره من العملاء هذا العميل اسمه مصطفى أغا آيات يعمل وكيلا لقنصليات بلجيكا وفرنسا وروسيا فكان يتجر فى الآثار ويقتنيها مستظلا بالحصانة الدبلوماسية 0
طبقا للقانون كان أغا آيات فوق المسائلة القانونية لكن الأخوين عبدالرسول كانا تحت طائلة القانون لذلك اعتقلتهما الشرطة سنة 1881 وأرسلا فى أصفادهما الى مدير مديرية قنا لاستجوابهما ودافع الأخوين بفصاحة عن نفسيهما ونفيا التهمة واعتدا فى دفاعهما انه لم يعثر على اى أثار فى بيتهما ولم يكونا بالطبع من السذاجة حتى يحتفظا بدليل الإدانة بالإضافة الى ذلك جمعا حشدا من الاهالى شهدوا لهما بنظافة اليد والبعد عن الشبهات ولم يجدى معهما الترهيب ولا الترغيب لذلك أطلق المدير داوود باشا سراحهما لعدم كفاية الادلة وهناك شك ان داوود باشا نفسه كان على صلة بهما 0
وعاد الرجلان منتصرين سعيدين كل منهما الى داره
وهدأت الأحوال بعض الوقت ثم نشب خلاف عائلى حاد داخل أسرة عبدالرسول نفسها بسبب قسمة غنائم المخبأ الاثرى حيث طالب احمد
بنصيب اكبر لتعرضه للتعذيب والاعتقال وانتشرت إنباء هذا النزاع بسرعة فى طيبه فانتهزت مصلحة الآثار الفرصة وفتحت باب التحقيق فى الموضوع مرة أخرى وبعد تضييق الخناق لم يجد محمد مفرا من الاعتراف التفصيلي بكل شىء حتى ينجو بنفسه
وبعد ثلاثة أشهر أعيد الى قنا ومثل أمام داوود باشا المدير واعترف اعترافا رسميا وطلب اعتباره شاهد ملك وبعد أيام أرشدهم الى مكان المخبأ كان ماسبيرو فى هذه الإثناء بالخارج لذلك عهدت الحكومة الى إميل بروجش بتمثيلها فى هذا الموضوع ومن ثم كان على رأس القوة التى صحبت عبدالرسول الى المخبا0
كان بروجش فى حالة عصبية أثناء اعتلائه التل الصخرى المنحدر ثم أثناء نزوله فى القبر العميق حيث يوجد الكنز الاثرى فقد كان يخشى غدر الاهالى لذلك تسلح تسليحا كثيفا قبل أن يدلوه فى البئر بواسطة حبل متين ومعه ما يكفى من الشمع الإضاءة القبو ولم تمضى دقائق حتى فوجىء بمنظر لم يخطر له على بال وقد فصل وصف هذا المنظر عالم الاثار ماسبيرو فيما بعد بأسلوب درامى من واقع تقرير بروجش
فقد كان بروجش واقعا تحت تأثير احمد الذى افهمه ان المقبرة خاصة ببعض كبار الموظفين ولكن ما كشفه العربان كان قبوا كاملا للفراعنة واى فراعنة أعظم الفراعنة فى تاريخ مصر تحتمس الثالث و سيتى الأول وأحمس المحرر ورمسيس الثانى الفاتح هذا ماعاينه إميل بروجش وهؤلاء زمرة جعلته يسبح فى الأحلام وإنا مثله أظن نفسى فى حلم وأنا أرى والمس هذه الشخصيات الفريدة التى ما كنا نظن أننا سنعرف عنهم سوى أسمائهم 0
ووجد بالقبو أيضا جرار من النبيذ القربانى واوانى كانوبية ثم توابيت ملكات مصر الشامخات مكومة فى صفوف0
وعندا أفاق برجش من دهشته بدا يرتب امور نقل الموجودات وعلى الفور استأجر ثلاثمائة عامل للقيام بأعمال تنظيف القبو ونقل المحتويات تحت إشراف موظفى مصلحة الآثار الموجودين وكلف الرفاص الحكومى ( وحدة نقل نهرية ) المسمى المنشية بنقل الشحنة الى القاهرة فى ظرف يومين ( 48ساعة) كانت الدفعة الأولى من الفراعنة الأربعين مع كثير من الآثار الثمينة قد حملت فوق الرفاص الذى توجه بها الى القاهرة ويحدثنا ماسبيرو أن النساء من الاهالى تبعن الرفاص وقد علا عويلهن بينما أطلق الرجال أعيرة نارية على شرف ملوكهم القدماء وبعض الشامتين يقول ان هذا العويل بسبب ضياع مورد رزق سهل لهن
وفيما بعد فكت أربطة الموميات ليتمكن علماء الآثار من دراسة ملامح أشهر فراعنة مصر وكانت رأس سيتى الأول أحسن الرؤوس حالا
رأس ملك حقيقى رائعة وكانت على شفتيه ابتسامة رقيقة لاتخطئها العين وكانت عيناه نصف مغلقتين تشعان من تحت الجفون وشفافتين ثابتتين فى محجريهما كما كانا منذ تحنيط الجثة
اضطر ماسبيرو بعد استلام جثث الفراعنة الى مضاعفة الاحتياطات لذلك عزز الحراسة على المتحف ووضع الضوابط لمنع تهريب الاثار والاتجار فيها0
يرجع تاريخ هذه الخبيئة الملكية الى عصر الاسرة الحادية والعشرين فى عصر الملك سيامون حيث وضع الكهنة خطة محكمة نفذت بدقة فقد نفذوا الى كل قبر ملكى واخرجوا سرا كل الموميات الملكية فنقلوا 13 منها الى قبر أمنحتب السرى الثانى اما السبع والثلاثين البقية فقد حملت الى هذا البئر العميق فى الشمال الغربى للدير البحرى والذى يؤدى الى ممر طويل ينتهى بحجرة كانت تشغلها ملكه نصف منسية تدعى ان خع بى
ولقد صنع كهنة الملك سيامون هذه الخبيئة بعدما أحسوا إنهم غير قادرين على حماية وكفالة الحراسة لأجدادهم من اللصوص
ظلت هذه الخبيئة فى مكمنها ثلاثة آلاف عام حتى عثر عليها محمد عبدالرسول فى شهر فبراير1857 ولولا الخلاف الذى استعر بينه وبين شقيقة احمد لكان للخبيئة مسار أخر غير المتحف المصرى
عبدالمنعـم عبدالعظـيم محمـد
كاتب وباحث – الاقصر –مصر
Monemazim2007@ yahoo.com










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ctمقتل فلسطينيين في قصف جوي إسرائيلي استهدف منزلا وسط رفح


.. المستشفى الميداني الإماراتي في رفح ينظم حملة جديدة للتبرع با




.. تصاعد وتيرة المواجهات بين إسرائيل وحزب الله وسلسلة غارات على


.. أكسيوس: الرئيس الأميركي يحمل -يحيى السنوار- مسؤولية فشل المف




.. الجزيرة ترصد وصول أول قافلة شاحنات إلى الرصيف البحري بشمال ق