الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النزعة الإستبدالية

محمد سيد رصاص

2007 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


عندما قام مؤسس الإتجاه الإشتراكي الديموقراطي إدوارد برنشتين،في عام1898،بمراجعته"التحريفية"للماركسية ،فإنه وصل إلى استنتاجات جذرية مع الحفاظ على الثوب الماركسي:(=رفض النزعة الديالكتيكية الآتية من الفلسفة الهيجلية،نبذ مفهوم (الثورة) لصالح (الإصلاح)،التخلي عن نظرية"الإفقار المتزايد"التي اعتبرها الماركسيون ملازمة للتطور الرأسمالي،عدم اعتبار التطور الاجتماعي محكوماً بغائية تاريخية يمكن تحقيقها عبر"الإرادة الثورية").
لم يستطع أشد خصوم برنشتين جذرية في الوسط الماركسي-=روزا لوكسمبورغ- لينين-اتهامه بالخروج عن الماركسية بل اعتبروه تحريفياً،رغم تلك الخلاصات الجذرية التي قدمها،عبر أبحاث راجعت الماركسية في مجالات الفلسفة والاقتصاد والاجتماع،ليخلص عبرها إلى استنتاجات سياسية كبرى،قادت بالمحصلة إلى تأسيس تيار عند ماركسيين،وضع نفسه في مواجهة التيار الماركسي الآخر،أي البلشفي،طوال القرن العشرين.
لايلاحظ عند الماركسيين العرب مراجعات كهذه بعد سقوط الإتحاد السوفياتي،بل إما جمود عند المواقف القديمة،أومراجعات خجولة،عند المحتفظين بماركسيتهم،فيما يلاحظ انعدام المراجعات عند المتحولين من الماركسية نحو الإتجاه الليبرالي(وهم مثَلوا في الفترة الأخيرة نسبة كبيرة من الماركسيين العرب،وكان من بينهم رموز سياسية ومثقفين ذائعي الصيت)حيث لم يقدموا الأسس الفكرية للتخلي عن الثوب القديم(كما فعل روجيه غارودي في تسويغ تحولاته)أولإصلاحه(كما قام الياس مرقص وياسين الحافظ في محاولاتهما لتعريب الماركسية ونزع الستالينية عنها)ليكتفوا بمسوغات،مثل(نهاية الأيديولوجيا)و(عدم ربط الإتجاه السياسي بمصدر معرفي واحد)،كان من الواضح أنها البهار وليست الطعام في عملية تحولهم من موقع ايديولوجي-سياسي إلى آخر.
يلفت النظر في هذا الإنتقال التحولي،الذي نقل ماركسيين عرب من مواقع ستالين وسوسلوف ليصبحوا عند مواقع جون ستيوارت ميل،أن طرق وآليات ومحتويات التفكير القديمة عندهم لم تتغير،بل تم الإحتفاظ بها في الموقع الجديد الذي ارتدوا من خلاله رداءً جديداً بدلاً من القديم: (=الإعتماد في بناء السياسة المحلية على مركز عالمي حيث يلاحظ أن طريقة مراهناتهم المستجدة على واشنطن تشبه تلك التي كانت على الكرملين،انعدام الإستقلالية الفكرية والسياسية وعدم الإيمان بأنه يمكن أخذ المصدر المعرفي لتبيئته محلياً-كما فعل ماوتسي تونغ وغرامشي-من دون الخضوع لإملاءات"الفاتيكان"،الإيمان بأن كعكة"الحقيقة المطلقةفي جيبهم،النزعة الإقصائية والإلغائية الذهنية التي تتعامل مع المخالفين الفكريين والسياسيين بمنطق لايختلف عن منطق سيد قطب الذي حمل الكثير من نزعاته تلك من مرحلته الشيوعية السابقة-وهو شيء يلاحظ الآن عند الدكتور الماركسي السابق محمد عمارة في قطعياته الإسلامية الإلغائية للآخرين المخالفين له-،الرؤية السلبية للثقافة المحليةوخاصة للإسلام والعروبة،النزعة النخبوية في النظرة للمجتمع ليتم عبرها استبدال مفهوم(الطليعة)الماركسي القديم بمفهوم(التنوير)في مرحلتهم الليبرالية الجديدة حيث يتعامل مع الأفكار بالحالتين وكأنها "ستنزل" من عندهم إلى المجتمع بالباراشوت).
هنا،يلاحظ في حالة المتمركسين العرب السابقين،المنتقلين بالسنوات الأخيرة نحو الليبرالية،الحفاظ على طريقة التفكير السابقة،التي تتضمن نفس النظرة للذات والمجتمع والعالم،مع مجرد مرافقة ذلك باستبدال العناوين الفكرية-السياسية.إلاأن الملفت للنظرهو حصول النزعة الإستبدالية في داخل مجتمع،كالعربي،هو مفتقد للديموقراطية والشفافية،حيث يشعر المتحول الفكري-السياسي المستبدل لقميصه بأنه في وضعية ، هي شبيهة بوضعية الحاكم المستبد،يستطيع من خلالها تجاهل عملية الرجوع للجسم الإجتماعي،الذي يشكِل(في حالة الحاكم والمعارض والمثقف والمفكر بالمجتمعات الديموقراطية)المرجعية للحكم على معيارية وقيمة ومردودية الفكر والسياسة في المجتمع المعني.
==================================================











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة