الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشوفينية و الشيفونية الجديدة!

جبار قادر

2003 / 10 / 17
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


الشوفينية تعني أصلا المغالاة في حب الوطن أو الأمة التي ينتمي اليها الأنسان. و مع مرور الزمن أصبحت صفة تلصق بالأشخاص المتعصبين لقوميتهم و الذين يتعاملون بصورة إستعلائية إزاء الأمم و الشعوب الأخرى . كثيرا ما يعتبر هؤلاء شعوبهم شعوبا مختارة لأداء رسالات سامية ، بينما تحتل الشعوب الأخرى برأيهم مواقع دونية . ومن هنا فهم ينكرون على الأمم الأخرى الحقوق و التطلعات التي يعتبرونها شرعية لشعوبهم . وتؤدي الشوفينية في نهاية المطاف الى تبني المفاهيم العنصرية و التمييز العنصري. ويمكننا القول بأن الشوفينية كانت دائما وراء زرع بذور الفرقة و الخصام بين الشعوب و الأمم المتعايشة مع بعضها و تسببت في كوارث أنسانية كبرى و بخاصة خلال القرنين الأخيرين. فالشوفينية الألمانية أفرزت هتلر و الهتلرية المعادية للجنس البشري. ولا تختلف الشوفينية التركية التي أنجبت الأتحاد و الترقي و الكمالية كثيرا في مبادئها و تطبيقاتها عن شقيقتها الهتلرية. و يمكن القول بأن الشوفينية العربية بصورتها البعثية الصدامية تجاوزت حتى النازية الهتلرية في تطبيقاتها على الأرض العراقية . وتثير الشوفينية عادة ردود فعل قوية لدى الشعوب المجاورة أو التي تجمعها دولة أو جغرافية واحدة . مع سيادة الشوفينية في أي بلد متعدد القوميات يصبح التعايش صعبا بين مكونات ذلك البلد . فمع تبني الأتراك في دولة آل عثمان للمفاهيم الشوفينية أخذت الشعوب الأخرى في الأمبراطورية تبحث بدورها عن جذورها القومية و تتمسك بلغاتها و ثقافاتها . ومع مرور الزمن كان لا بد أن يحدث الأصطدام بين العناصر القومية المختلفة في الدولة العثمانية الأمر الذي أدى الى تفتتها و إنهيارها و ظهور الكيانات السياسية الجديدة على أنقاضها. وكان من بين هذه الشعوب العرب ، الكرد ، الأرمن و غيرهم .
لم تشهد الولايات التي تشكل منها العراق فيما بعد بسبب تنوع سكانه قوميا و دينيا و مذهبيا و ثقافيا و تعايشهم الأجتماعي مع بعضهم إنتشارا يستحق الذكر لهذه الأفكار . وأثارت سياسات الأتحاديين العنصرية ردود فعل السكان بل و ترحيبهم بالقوات البريطانية للتخلص من الحكم العثماني القروسطي المتخلف . ولم يعتنق الفكر القومي العربي بصوره الشوفينية في العراق إلا بعض المثقفين المتأثرين بالفكر الأوربي لذلك بقي محصورا في دائرة نخبة سياسية و ثقافية ضيقة و لم يصبح فكرا سائدا في المجتمع العراقي . وكانت هذه النخبة تتحرك بحذر شديد لكي لا تثير ردود فعل المكونات الأثنية الأخرى في المجتمع . ومع جميع محاولات البعث خلال العقود الأربعة الأخيرة لفرض الشوفينية القومية بالقوة الغاشمة و من الأعلى الى الأسفل على المجتمع العراقي إلا أنه لم يتمكن من تحقيق ذلك على نطاق واسع . فقد بقي الناس و الذين عاشوا في عصر ما قبل البعث و سيادة الشوفينية يحملون أفكار و قيم التسامح و التعايش و ينقلونها الى أبنائهم و أحفادهم دون تكلف .
و تكون الشوفينية عادة من سمات الحركات القومية للأمم السائدة لأنها صاحبة الحل و العقد و الأمتيازات . وقلما يمكن أن نلصق صفة الشوفينية بالحركات القومية للأمم المضطهدة و التي تناضل من أجل المساواة و الحقوق القومية المشروعة .
الملاحظ أن الشوفينيين كانوا يتعمقون في دراسة تاريخ شعوبهم و آدابها و ثقافاتها و بالتالي فإن  تغنيهم بسيادة أمتهم أو رسالتها الخالدة أو كونها أمة مختارة من قبل الله وما الى ذلك من الأفكار  كان قائما على الأستناد الى مجموعة من التفسيرات و الشواهد التاريخية أو الثقافية. كما كانوا يدرسون تاريخ و ثقافة الأمة الأخرى والتي يضطهدونها أو يريدون أن يقللوا من شأنها للبحث عن اسانيد تأريخية و ثقافية و إجتماعية تدعم طروحاتهم و توجهاتم الشوفينية .
على العكس من تلك النخب التي حملت الأفكار الشوفينية منذ الثلاثينات و حتى السبعينات نرى بأن حملة راية الشوفينية اليوم يتشكلون من الجهلة و الأميين . فهم إما لا يقرأون أو يقرأون ولا يفهمون ما يقرأونه . يعاني هؤلاء من الأحباط الشديد لأنهم و رغم إضفاء الألقاب الكبيرة عليهم من لدن أناس أكثر جهلا منهم ، يعرفون في قرارة أنفسهم أنهم صغار و أميون . و يمكن أن نطلق على هؤلاء لقب ( الشيفونيين) على حد تعبير أحد البسطاء من ضحايا الشوفينية .
من الصفات الرئيسية للشيفوني الجديد الجهل و التخفي تحت الأسماء المستعارة أو نشر مقالات و قصائد و رسائل دعم و تأييد لنفسه و عن عمق كتاباته و تحليلاته بأسماء و همية. كما يتصف الشيفوني المعاصر بأخلاقيات مقارعة الحجة بالشتائم و المكاشفة بالتخفي و الشفافية بالضبابية و الشجاعة الأدبية بالجبن و التخفي . ويجند الشيفوني عادة جوقة من الجهلة و الأغبياء لدعم (نظرياته و إكتشافاته العلمية ) و إثارة الزوابع في الفناجين و تزوير الأحداث و المناسبات دون أية أسانيد . يحاول هذا الشيفوني الجديد أحيانا تمثيل صفة العالم و الباحث ولكن دون فائدة ، لأنه مغرور و دعي و يزعم إمتلاك الحقيقة ، بينما العالم الحقيقي متواضع ، فالتواضع زينة العلماء كما يقال . و العالم الحق يدرك أن الحقيقة مشاعة لكل الناس و لا يمكن لأحد أن يدعي إمكتلآكها. كما لا يمكن لأحد إطلاقا و مهما بلغت معارفه الزعم بأن ما يقوله هي الحقيقة المطلقة.  ولكن تبقى أهم صفات الشيفوني المعاصر هو الكذب و الكذب حتى النهاية .
وقدر تعلق الأمر بمغامرات هذا النفر من الشيفونيين الجدد في فضاءات القضية الكردية يمكن القول بأن بإمكانهم مناقشتك حول مبادئ و بديهيات تتعلق بالكرد و بلادهم و تاريخهم جرى التحقق منها من قبل الباحثين و العلماء قبل أكثر من قرن و صدرت بصددها عشرات أن لم نقل المئات من الكتب و الدراسات الرصينة . ولكن مشكلة هؤلاء الشيفونيين تكمن في أنهم لا يقرأون و يعتقدون بأن مجرد الأشارة الى بعض المراجع و إقتباس نصوص مبتورة و خارج سياقاتها لدعم طروحات يؤمنون بها عن سابق إصرار ، تجعل من هلوساتهم بحوثا علمية رصينة كفيلة برفعهم الى مصاف المفكرين . ويعتقدون خطأ بأن نشر هذه الطروحات على صفحات جرائد صفراء و من خلال شاشات  محطات تلفزيونية تخصصت في نشر الأكاذيب و الأخبار المثيرة ، تجعل منها أعمالا خالدة .
أعتقد بأن ظاهرة الشيفونيين الجدد مؤقتة و مآلها الى الزوال و لن تجد كتاباتهم مستقرا لها سوى مزبلة التاريخ و في أحسن الأحوال ( عربة التاريخ!) التي سجلت بعد (العلوج ) بإسم صاحبها محمد سعيد الصحاف .   








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصائل المقاومة تكثف عملياتها في قطاع غزة.. ما الدلالات العسك


.. غارة إسرائيلية تستهدف مدرسة تؤوي نازحين بمخيم النصيرات وسط ق




.. انتهاء تثبيت الرصيف العائم على شاطئ غزة


.. في موقف طريف.. بوتين يتحدث طويلاً وينسى أنّ المترجم الصينيّ




.. قتلى وجرحى في غارات إسرائيلية على مخيم جباليا