الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجبهة والتجمع.. أما زال التحالف ممكنًا؟

رجا زعاترة

2007 / 9 / 9
القضية الفلسطينية


الطريق ليس مفروشًا بالورود
الجبهة والتجمع.. أما زال التحالف ممكنًا؟

في حال غياب التجمّع عن الساحة فإن البديل بالنسبة للغالبية الكبرى من جمهوره لن يكون الجبهة؛ بل إما العودة إلى الأحزاب الصهيونية وإما الانخراط في التيار الإسلامي وروافده وإما الانضمام إلى قوافل اليأس من السياسة والعزوف عن العمل السياسي؛ وهي كلها خيارات غير محبّذة


كنتُ ولم أزل مِن أولئك الذين يؤمنون بأن مكان التجمّع الطبيعي هو مع الجبهة الدمقراطية. لذا أعتقد أن تحالفهما في الانتخابات القادمة هو حاجة ملحّة وحقيقية ستصبّ في صالح الجماهير العربية، وسيشكل صمّام أمان وطني كفاحي في وجه مختلف أنواع الانزلاقات التي تتربّص بنا
تعمل معظم القوى السياسية في إسرائيل بناءً على فرضية مفادها أن الانتخابات للكنيست الـ18 ستجري خلال العام 2008 القادم. وبالنسبة للجماهير العربية الفلسطينية فإن الانتخابات البرلمانية القادمة ستنعقد في ظل تحديين أساسيين. الأول هو الانخفاض المتواتر والمتواصل في نسبة التصويت للكنيست في العقد الأخير بين المصوّتين العرب (77% عام 1996؛ 75% عام 1999؛ 63% عام 2003؛ و56% عام 2006). أما الثاني فهو رفع نسبة الحسم من 2% المرة الماضية هم نحو 63 ألف صوت، إلى 2,5% أي ما سيقارب الثمانين ألف صوت.
في انتخابات العام 2006 حصلت القائمة العربية الموحدة، التي تضم ثلاثة أحزاب وقوى مختلفة (الحركة الإسلامية الجنوبية والحزب الدمقراطي العربي والحركة العربية للتغيير)، على 3% من الأصوات هم قرابة 95 ألف صوت؛ وحصلت الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة على 2,7% من الأصوات هم أكثر من 86 ألف صوت؛ وحصل التجمع الوطني (مُتحالفًا مع النائبين السابقين هاشم محاميد ومحمد كنعان) على 2,3% من الأصوات هم 72 ألف صوت.
وتجاوزًا للطرح الشعبوي الساذج، المغلوط سياسيًا وغير الناجع عمليًا، حول "قائمة عربية واحدة"، فمن الواضح أن الطرح الأفضل هو تشكيل قائمتين انتخابيتين تمثلان الجماهير العربية، مرتبطتين باتفاقية فائض أصوات. لقد كان هذا الحل الأمثل دائمًا، ولكن أصبح أكثر إلحاحًا اليوم، لأنه الحل الوحيد الذي قد يحول دون تبديد عشرات آلاف الأصوات العربية. إذ بات مؤكدًا أن قائمة واحدة على الأقل من الثلاث الممثَّلات اليوم لن تتجاوز نسبة الحسم الجديدة.


* غياب وتخبّط
إن رفع نسبة الحسم يتهدّد القوائم الثلاث المذكورة التي تمثل الجماهير العربية. ولكن، واستنادًا إلى نتائج انتخابات العام 2006 وإلى التطوّرات التي شهدتها الساحة السياسية بعدها، فإن حزب التجمّع هو الأكثر عرضة للخطر، لا سيما تحت وطأة غياب مؤسّسه وزعيمه وعنصر الجذب الأساس فيه، النائب السابق عزمي بشارة، عن البلاد والحلبة السياسية. وما أعقب هذا الغياب من صراعات داخلية تعصف بالتجمّع سياسيًا وتنظيميًا وتهدّد وحدته واستمراريته على المدى البعيد.
قد نختلف على تبرير أو عدم تبرير خروج بشارة من البلاد وكيفية مواجهته للشبهات والمزاعم السلطوية "الأمنية" وغير الأمنية ضده. ولكن ما يتفق عليه الجميع هو أن غيابه قد خلق حالة من التخبّط الشديد في قيادة التجمّع وكوادره على السواء. ومن دلائل هذا التخبّط ما أقدم عليه من تحالفات مستهجنة وغير مقبولة حتى على قطاعات واسعة من أعضائه وأنصاره ومؤيديه. ففي جامعة حيفا، آثر التجمّع الائتلاف في لجنة الطلاب العرب مع الحركة الإسلامية (الشمالية) على الجبهة. وعلى الصعيد النقابي، هرول التجمّع لينضوي تحت كنف حزب "العمل" وأحزاب سلطوية وصهيونية أخرى في مجلس العمّال اللوائي في الناصرة، في خطوة لا يمكن فهمها إلا كونها استثناء للجبهة. ومع سبق الإصرار والترصّد. وهذه كلها ممارسات يتحمّل الحزب مسؤوليتها ولا يمكنه دحرجتها إلى عتبة هذه الدائرة أو ذاك المربّع.
ومن دلائل هذا التخبّط، أيضًا، العدائية المنفلتة تجاه الحزب الشيوعي والجبهة، والتي وصلت حد التخوين والاتهام بالعمالة (!!) من أعضاء في أرفع الهيئات الحزبية (أنظر/ي مقالة عضو المكتب السياسي للتجمّع خالد خليل، "الطابور الخامس ومهمة ضرب الحركة الوطنيّة"، موقع عرب 48، يوم 16 تموز الأخير). وكذلك الأمر بالنسبة للحملة الغبيّة التي شنها بعض الصبية وأنصاف المثقفين ضد أمسية الشاعر محمود درويش التاريخية في حيفا.


* الخيار الإسلامي
وعلى ما يبدو فإن هناك داخل التجمّع اليوم تيارًا يميل بوضوح إلى التحالف مع الحركة الإسلامية (الجنوبية) في الانتخابات القادمة. خاصة في ظل التوتر البنيوي مع الجبهة وتصاعُده مؤخرًا مع قضية بشارة. هذا مع العلم أن خلافات مالية تعكّر صفو العلاقات مع كنعان ومحاميد، وأن الترسّبات الشخصية بين أحمد الطيبي وبشارة تجعل إصلاح ذات البين بين حزبيهما أمرًا غير وارد. ناهيك عن أن تقديرًا موضوعيًا للوضع سيفضي لاستنتاج يقول إن التجمّع، بوضعه الحالي، لن يجتاز نسبة الحسم، حتى لو عزّز نفسه بكنعان ومحاميد والطيبي معًا.
ويعتقد هؤلاء، على ما يبدو ويبدر، أن أفضل الطرق وأقصرها إلى رصّ الصفوف المتبعثرة والمنقسمة على نفسها يمر من خلال توكيد وتجديد التناقضات والخلافات مع الحزب الشيوعي والجبهة. ويصرّون على التحدّث على مؤامرة ضد "الحركات الوطنية والإسلامية"، دون سواها. ويتناسون أن رئيس الحركة الإسلامية (الشمالية) الشيخ رائد صلاح كان لسَع بشارة في المهرجان التضامني مع الأخير في الناصرة شرّ لسعة، حين قال إنه – أي صلاح، وبخلاف بشارة - يفضّل السجن على المنفى.
وفي معمعان التمهيد للتحالف مع الإسلاميين، يذهب البعض من قيادات الصف الأول في التجمّع إلى استحضار التحالف بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله في لبنان كـ"نموذج للتحالف بين القوميين والإسلاميين" (رغم حقيقة أن حزب الله يعتبر الاستثناء وليس القاعدة بين الحركات الإسلامية). فهل نفهم من هذا كله أن التيار الذي ستكون له الغلبة في التجمّع هو ذاك الذي يقول باستحالة التحالف مع الجبهة؟
لا شكّ في أن برنامج التجمّع السياسي والاجتماعي أقرب إلى برنامج الجبهة منه إلى أي برنامج آخر على ساحة الجماهير العربية. وأن ثمة تناقضات أساسية ومبدئية وجوهرية مع برنامج الحركة الإسلامية، المعلن منه والمضمر، وليس على الصعيد الاجتماعي وحسب، بل على الصعيد السياسي أيضًا. فإذا كان التجمّع يتحدّث عن الهُوية القومية، مثلا، فمن الواضح أن الحركة الإسلامية تتحدث عن هُوية أخرى، مُغايرة تمامًا. أما عن المواطنة والليبرالية والحداثة والتنوير وما إلى ذلك فحدّث ولا حرج.


* مكانك عُد
كنتُ، ولم أزل - رغم النقاشات الحادة، المبرّرة منها والأقل تبريرًا، بما فيها تلك التي أسهم فيها كاتب هذه السطور - مِن أولئك الذين يؤمنون بأن مكان التجمّع الطبيعي، استراتيجيًا، هو مع الجبهة، كمركب فيها، أو كحليف لها على الأقل. لذا أعتقد أن تحالف الجبهة والتجمّع هو حاجة ملحّة وحقيقية ستصبّ في صالح الجماهير العربية وقضاياها وفي مصلحة الطرفين. وسيشكل صمّام أمان وطني كفاحي في وجه مختلف أنواع الانزلاقات التي تتربّص بالجماهير العربية. وبشكل خاص خطر الارتداد السلطوي والانزلاق الطائفي لدى أجزاء لا يستهان بها من جمهور التجمّع.
وكما هو معروف فقد دخل التجمّع والنائب السابق بشارة الكنيست للمرة الأولى عام 1996 في إطار قائمة تحالفية مع الجبهة. ومع أن هذا التحالف لم يدُم طويلا - لأسباب تتعلق بالطرفين لكن بالأساس بحاجة التجمّع إلى إبراز تميّزه عن الجبهة - إلا أن الطرفين، كما يتضح من تلخيصاتهما، لم يوصدا الباب نهائيًا على إمكانية التعاون والتحالف مستقبلا.
كما أن الوثائق الأربع التي صدرت في العام الأخير عن مؤسسات قريبة من الطرفين فكريًا وسياسيًا، وخاصة "وثيقة حيفا" الصادرة عن مركز "مدى"، تثبت أنه بمستطاع الجبهة والتجمّع، إذا ما أرادا ذلك حقًا، التوصّل إلى طروحات مشتركة ومواقف متفق عليها في القضايا الأساسية.


* خيارات ومتطلبات
يخطئ من يعتقد أن في تلاشي أو انهيار التجمّع منفعةً للحزب الشيوعي والجبهة. فقد نجح التجمّع (وهذه نقطة تُحسب له بمفهوم ما) في استقطاب فئات واسعة من جماهيرنا كانت تدور تاريخيًا في فلك السلطة وأحزابها، وفئات أخرى، وطنية ويسارية، لم تجد مكانها داخل الحزب والجبهة. وفي حال غياب التجمّع عن الساحة فإن البديل بالنسبة للغالبية الكبرى من جمهوره لن يكون الجبهة. بل إما العودة إلى أحضان الأحزاب الصهيونية وإلى حزب العمل بشكل خاص؛ وإما الانخراط في التيار الإسلامي وروافده، خاصة وأن تحوّل التجمّع إلى حزب جماهيري عريض روفق بطغيان خطاب الهُوية على خطاب المواطنة، وجعله يتخذ منحًى يمينيًا شوفينيًا أحيانًا؛ وإما الانضمام إلى قوافل اليأس من السياسة والعزوف عن العمل السياسي. وهي كلها خيارات غير محبّذة وبعضها في غاية الخطورة.
للتجمّع، من جهته، مصلحة كبيرة في التحالف مع الجبهة. لأن البديل (التحالف مع الإسلاميين) سيفقده مبرّر وجوده الفكري ومصداقيته السياسية وسيزيد البلبلة في صفوفه، وقد يؤدي، متفاعلا مع عوامل أخرى، إلى انشقاقه أو انسلاخ جزء منه عنه.
ولكن الطريق إلى التحالف المراد ليس مفروشًا بالورود. ويتطلب، أولا، إعادة بناء الثقة بين الطرفين. ويتطلب أيضًا، أن يتدارك التجمّع أخطاءه ويلجم تعابير الحقد والصبيانية والمزاودات. وأن يذوّت أنه، اليوم، لم يعد نفس الحزب الذي حصد 72 ألف صوت قبل سنة ونصف.
أما زال التحالف ممكنًا؟ الكرة في ملعب التجّمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع