الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودٌ على بدء

علي جرادات

2007 / 9 / 11
القضية الفلسطينية


ما اشبه اليوم بالأمس، وما اشبه بوش بكلينتون وأولمرت بباراك، وما اشبه الدعوة "للقاء الخريف" الغامض، الذي دعا إليه الرئيس الأمريكي بوش، بدعوة الرئيس الأمريكي السابق كلينتون إلى مفاوضات كامب ديفيد عام 2000. فالدعوتان كلاهما مستعجلَتان، وقام بهما رئيسان أمريكيان في نهاية ولايتهما. ويستهدف "لقاء الخريف"، كما استهدفت مفاوضات كامب ديفيد 2000، التركيز على جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، القضية الفلسطينية، وعلى لبِّها، حق العودة، علاوة على قضايا القدس والحدود والمستوطنات والمياه.
ولكن هذا التشابه لا يلغي فوارق ظرفي الدعوتين، تتمثل في أن دعوة الرئيس بوش أكثر غموضاً، وتأتي في اطار أوضاعٍ دولية واقليمية أكثر تعقيداً ومجافاة للقضية الفلسطينية، وفي سياق أوضاعٍ رسمية عربية أكثر عجزا وتفككا، وفي ظلِّ حالة فلسطينية، هي الأكثر هشاشة منذ عقود؛ إذ على الأقل، فإن دعوة بوش "للقاء الخريف"، تأتي في ظلِّ وضعٍ عربي وفلسطيني، هو الأسوأ منذ ابتدأت مسيرة العملية السياسية في مؤتمر مدريد عام 1991، عندما جَرَّت واشنطن شامير، رغما عن إرادته، إلى عملية المفاوضات، ما حدا به للقول: "سأفاوض العرب عشرين عاما"، وأضمر تحويل المفاوضات إلى آلية لـ"إدارة الصراع"، وتكريس المزيد مِن حقائق الرؤية الإسرائيلية على الأرض. وشرعَ في ذلك إلى أن عاد حزب "العمل" للسلطة في إسرائيل بقيادة رابين، الذي تحدث عن "وديعة" حول الجولان، ووقَّع اتفاق "اعلان المباديء" (أوسلو) مع الفلسطينيين، ليبدأ ما لا يطاق مِن عمليات إعادة التفاوض على ما تم الاتفاق عليه، وإرجاء مقصود للمفاوضات حول "قضايا الوضع النهائي": حق العودة والقدس والحدود والمستوطنات والمياه.
بذلك دخلت العملية السياسية ومفاوضاتها المريرة دهليز "لا يوجد مواعيد مقدسة". وتلك عبارة شهيرة قالها رابين بعيد توقيع اتفاق اوسلو، وكانت ذات مغزى سياسي كبير، وظلت، وما زالت، تشكل حجر الأساس لطريقة التعامل الإسرائيلي مع مطلب الطرف الفلسطيني بضرورة "التنفيذ الأمين والدقيق" لما تم التوقيع عليه مِن اتفاقات، وخاصة "اتفاق اعلان المباديء" (اوسلو)، الذي جرى تقسيمه إلى شقين، "انتقالي" و"نهائي".
لم يكتفِ حزب "العمل" بالمماطلة والتسويف وعدم الإلتزام في تنفيذ "اتفاق اعلان المباديء"، حتى في شقه الانتقالي، وذلك عبر فلسفة "لا يوجد مواعيد مقدسة"، بل قام بتوظيف عامل الوقت وفترة الهدوء النسبي للصراع، التي وفرها توقيع اتفاق اوسلو، لصالح خلق المزيد مِن حقائق الأمر الواقع، خاصة لجهة استكمال مخطط سلخ القدس وتهويدها، والتهام المزيد مِن اراضي الضفة الغربية، والعمل على تقطيع أوصالها، وتمزيقها إلى "كانتونات" منفصلة، ناهيك عن الاستمرار في سياسة التجريف والاعتداء والحصار والقتل والاعتقال وهدم البيوت وحظر السفر والتنقل......مِن عمليات القمع والعقاب الجماعي.
كشفت عملية التسويف والمماطلة في تنفيذ الاتفاقات عن أن سائد السياسة الإسرائيلية، على اختلاف تلاوينها الحزبية، ما زال دون الاستعداد للإقرار بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه، ودون الاستعداد للإقرار ولو بالحد الأدنى مِن حقوقه الوطنية المشروعة، كما أقرتها قرارات الشرعية الدولية.
غاب رابين، وعاد الليكود للسلطة بقيادة نتنياهو، الذي، وإن لم يلغِ "اتفاق إعلان المباديء"، إلا أنه إختبأ خلف معزوفة "التبادلية"، ومارس قناعته العنصرية: "بالمزيد مِن الضغط يرضخ العرب"، وتوقف عن تنفيذ بنود المرحلة الانتقالية، خلا اتفاق جزئي حول مدينة الخليل، مزقها لقسمين.
ظل الحال على هذا النحو، حتى عاد حزب "العمل" للسلطة بقيادة باراك، الذي أعلن عن نوايا "سلمية"، وعبَّر عن استعداده للانتقال إلى التفاوض حول "قضايا الوضع النهائي". ولكن الشهيد أبو عمار، وفي ضوء مرارات السابق مِن المفاوضات وحقائقها؛ وبالنظر إلى انتهاء العمر الزمني لاتفاق "اعلان المباديء" دون استكمال تنفيذ الإسرائيليين لشقه الإنتقالي، أدرك صعوبة زحزحة الصلف الإسرائيلي، خاصة في ظل عجز الموقف الرسمي العربي وتفككه، فضلا عن الدعم الأمريكي المطلق للموقف الإسرائيلي. وأيقن ابو عمار أن خلاف "العمل" مع "الليكود" تكتيكي، ويجسره الاتفاق على رؤية تتردد عن إخلاء الجولان، وترفض الإعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير المستقل والسيادي، إضافة إلى اتفاقهما على رفض التنازل عن القدس، ورفض حق اللاجئين في العودة وفقا للقرار الدولي 194. وهذا ما دعا المرحوم أبو عمار إلى المطالبة بتأجيل الدعوة إلى مفاوضات كامب ديفيد، ومحاولة التملص مِن هذا الاستحقاق، غير أن كلينتون وباراك أصرا على عقد تلك المفاوضات، على أمل إنتزاع توقيع فلسطيني على تصفية القضية الفلسطينية، عبر "رشوة" التوسيع الكمي لما تم تنفيذه من الشق الإنتقالي(الحكم الذاتي) لاتفاق أوسلو، مقابل التخلي الفلسطيني الرسمي عن قضايا اللاجئين والقدس والحدود والمياه واخلاء التجمعات الأساسية للمستوطنات في الضفة الغربية.
في ضوء فشل مفاوضات كامب ديفيد 2000 الكاشفة والمفصلية، التقط ابو عمار الرسالة، وأدرك أن القيادة الإسرائيلية بدعم مِن واشنطن، تعد العدة لجولة مِن الصراع الدموي، بهدف رد الصاع عشرة على لطمة الرفض الفلسطيني لعرض باراك كلينتون.
يومها حاول أبو عمار تفادي تصعيد إسرائيلي قادم، إتضح بالوقائع صعوبة تفاديه، لأنه مخطط، ويرمي للإبتزار السياسي. وباقي القصة معروفة، فقد أدت زيارة شارون للأقصى، وما تلاها مِن جرائم حرب دموية للجيش الإسرائيلي، وعلى مدار شهر ونيف ضد المسيرات والتظاهرات الفلسطينية السلمية، إلى اشعال فتيل نار انتفاضة الأقصى التي بدأت سلمية مدنية، لكن دموية الجيش الإسرائيلي المشحون بقرارات تصعيدية مِن المستوى السياسي، قادت إلى تعذر، بل استحالة مواصلة الطابع السلمي لرد الفعل الشعبي الفلسطيني.
هنا، وبعد صعوده إلى رأس الهرم السياسي الإسرائيلي؛ واستثماراً لـ"غزوة" بن لادن في 11 أيلول 2001، "إنتخى" شارون المشهود له بـ"خبطاته" الإستراتيجية، التي تجبر الآخرين، خصوما وأعداء، على اللعب في ملعبه، واعاد الاحتلال الواقعي لمناطق "أ" في الضفة، وفكّ الإرتباط مع غزة، و"سَجَنَها" مِن طرف واحد، وشرع في بناء جدار الفصل المُتفق عليه بين "العمل" و"الليكود".
ولكن شارون، وقبل استكمال مخططه، عبر خطة "الانطواء" أحاديا في الضفة، غطس في غيبوبته. فجاء أولمرت، وأعلن سير حكومته الائتلافية مع "العمل" على ذات المنوال، لكنه اصطدم، وتعرقل بالفشل العسكري في العدوان على لبنان، وما خلقه مِن أزمة إسرائيلية داخلية، ترنح عليها أولمرت، واعلن أن خطة "الانطواء" "لم تعد أولوية، غير أنه لم يقل: إنها لم تعد قائمة كخطة سياسية.
بناء على كل ما تقدم؛ وبالنظر إلى غموض دعوة بوش "للقاء الخريف"؛ واستناداً إلى ما اعلنه أولمرت مِن تخفيض لسقف التوقعات حول "لقاء الخريف"، ينتصب سؤال: ترى هل في جعبة القيادة الإسرائيلية، وفي جعبة أولمرت تحديداً، أكثر مِن خطة "الانطواء"، ومحاولة "تبليعها" للفلسطينيين بالتفاوض، بعد أن تعثر فرضها أحاديا ومِن طرف واحد؟!!!
مِن زاويتي، لا اعتقد ذلك، واضيف أن انتقال الموقف الإسرائيلي مِن خشونة "لا يوجد شريك فلسطيني"، إلى نعومة تقسيم الفلسطينيين بين "معتدل" و"متطرف"، يهدف فيما يهدف إلى تعميق الشرخ الفلسطيني الداخلي، واطالة أمده، ويرمي إلى ضرب طرفي الصراع الفلسطيني، بل ربما يهدف إلى ضرب الطرف "المعتدل" أكثر مِن الطرف "المتطرف"، فضلاً عن محاولة جرجرة أطراف عربية، وخاصة الخليجية، إلى مهاوي "التطبيع أولاً"؛ وإلا ما معنى ما تتناقله وسائل الإعلام عن مصادر خليجية مطلعة تقول: إن الإدارة الأمريكية طلبت مِن دول مجلس التعاون الخليجي تقديم ما تصفه ببادرة لبناء الثقة، فحواها إقامة علاقات مع إسرائيل، تكون أقل مِن سياسية وأكثر بقليل مِن تجارية؟!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل


.. السيناتور ساندرز: حان الوقت لإعادة التفكير في قرار دعم أمريك




.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال