الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة موت معلن

إلهامى الميرغنى

2007 / 9 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


قصة موت معلن

عم رفاعي دياب مواطن بسيط من محافظة بني سويف ، كان بقال شريف بل ومن حب زملائه له اختاروه رئيس شعبة البقالين بالغرفة التجارية ولأنه غلبان وطيب زى كثير من المصريين.عاش شريف دفع الضرائب علي دكانه ودفع اشتراكات التأمينات ولما وصل لسن المعاش بعد 65 سنة شقي وتعب وجد معاشه 85 جنيه ، طيب هياكل بيهم والا يشتري بيهم أدوية وعلاج والا يصرف علي أولاده التسعة اللي قاعدين بدون عمل ، رغم أنهم داخوا بحثاً عن عمل لم يجدوه لأنه ليست لديهم واسطة .

عم رفاعي حظه كويس وطول عمره لم يعادي الحكومة وحتى مش بيروح ينتخب ولما كان يروح كان بينتخب حزب الحكومة،وعاش عمره راضي وقانع بقسمة ربنا بس المعاش مش مكفي ومش عارف يعمل ايه ؟! فجأة بلغوه أن وزير التنمية الإدارية الدكتور احمد درويش والبيه المحافظ عاملين اجتماع جماهيري في بني سويف. ولأن عم رفاعي علي نياته قال فرصة وجت لغاية عندي أقابل الباشا المحافظ واشرح حالتي عشان ينصفني ويحللي مشكلة المعاش لأن مش معقولة بعد العمر ده كله أمد أيدي وأشحت أنا وعيالي التسعة.

راح قاعد في السرادق يسمع كلام المسئولين ويصفق لهم كما يفعل الجميع، ولما فتحوا باب المناقشة وقف عم رفاعي وطلب يتكلم واشتكي للباشا الوزير والبيه المحافظ من ظلم المعاش وانه مش قادر يعيش بخمسة وثمانين جنيه في الشهر والأدوية بقت نار غير الأكل والشرب ومصاريف الأولاد . لكن غاب عن عم رفاعي وعن الكثيرين أن هذه حكومة الرأسمالية والاستغلال ومص دم الغلابة لاتهتم به .

البيه المحافظ بدل ما يطيب خاطر عم رفاعي بكلمتين مش هيكلفوه شئ ، وبدل ما يحل المشكلة ويزود المعاش ـ أو يشغل حد من عياله وده حقهم علي البلد ، قعد المسئولين يتريقوا ويضحكوا علي عم رفاعي قدام الناس. الوزير درويش قاله خلي ولادك يشتغلوا معاك ، فرد أنا تاجر صغير مش شركة ومقدرش اشغلهم . أما محافظ بني سويف أحمد عابدين فقال بتهكم : اللي يدور عليك وأنت بتطالب بزيادة المعاش يلاقي عندك عمارات وقصور.

غضب عم رفاعي ووقف وصرخ في الجميع " حسبي الله ونعم الوكيل " ثم سقط مغشياً عليه وتم نقله للمستشفي ليلقي ربه قبل أن يصل المستشفي !!!!! قتله القهر والظلم واستهتار الكبار بمشاعر الغلابة.

المشكلة الحقيقية ليست مجرد موت مواطن شريف قضي حياته في خدمة هذا الوطن ، وليس مجرد رد الوزير وتهكم المحافظ.المشكلة أن عم رفاعي كان تاجر بسيط وملتزم بكل ما تطلبه الحكومة يسدد الضرائب والتأمينات وعلم أولاده التسعة وحين حان الوقت ليستريح لم يجد ما يسد رمقه وأسرته فهذه شريعة الغابة الرأسمالية التي نعيش فيها.كما أن عم رفاعي يمثل حالة من ملايين الحالات التي يحصلون علي معاشات لا تكفي احتياجاتهم واحتياجات أسرهم.

إن 46.7% من موظفي الحكومة السابقين تقل معاشاتهم عن 200 جنيه ، 61.4 % تقل مرتباتهم عن 300 جنيه ، 26.7% يحصلون علي معاشات أقل من 100 جنيه وفق تقرير وزارة التأمينات لعام 2003/2004 ( صفحة 105). أما موظفي القطاعين العام والخاص فوضعهم لا يختلف كثيراً حيث أن 118.2 ألف صاحب معاش يحصلون علي معاشات أقل من 100 جنيه شهرياً وهم يمثلون 8.2% من أصحاب المعاشات بالقطاعين العام والخاص ولو أضفنا من هم أقل من 300 جنيه شهرياً سنجد نسبتهم 53.7% من أصحاب المعاشات وبعد 60 أو 65 سنة عمل وشقي في خدمة الوطن!!!!

أما أصحاب الأعمال من الحرفيين وصغار التجار المعاملين بالقانون رقم 108 لسنة 1976 فإن أوضاعهم أشد سوء حيث أن 8.8% منهم تقل معاشاتهم الشهرية عن 50 جنيه أي أقل من 5 دولار شهرياً ويبلغ عددهم 32.9 ألف مواطن ، أين سيضعهم البنك الدولي ضمن تصنيفات الفقر التي يصف الحد الأدنى للفقر المدقع بنحو 30 دولار شهرياً أي 169 جنيه شهرياً.يوجد 363.4 ألف صاحب معاش يمثلون 96.7 % من أصحاب الأعمال تقل معاشاتهم الشهرية عن 150 جنيه وفق تقرير وزارة التأمينات ( صفحة 109 ) .

إن عم رفاعي دياب لم يكن الوحيد ، فهو واحد من أكثر من 97% من أصحاب معاشات أصحاب العمل الذين يقل معاشهم الشهري عن 150 جنيه . وأبنائه التسعة هم رقم ضمن 2.5 مليون عاطل وفق تقديرات الحكومة أو ضمن 6.5 مليون عاطل وفق تقديرات بعض الدراسات الأخرى ، أنه نموذج للأزمة الاقتصادية التي نعيشها.

والمحافظ الذي تهكم عليه هو نموذج للمسئولين في الزمن الردئ زمن رجال الأعمال والفساد والاستبداد،زمن الهوان والتبعية ، فالسمن والعسل الأمريكي الذي وعدنا به السادات لم يحدث وتم التفريط في السيادة بلا بمقابل ، بل بمزيد من الإفقار والتهميش والتبعية.

إن الدولة تعامل أصحاب المعاشات مثل " خيل البلدية " تريد أن تطلق عليهم الرصاص بعد طول خدمة الغز !!! وما حدث مع رفاعي دياب الذي قتله القهر والاستهانة والاستخفاف هو مثال لمعاملة أكثر من 7.5 مليون صاحب معاش ينهش معاشاتهم التضخم وارتفاع الأسعار وبدل من تعويضهم بفرق التضخم منحتهم الحكومة علاوة في العام الماضي 7.5% فقط لتتآكل معاشتهم عاماً بعد عام فهذا هو منطق العصر السعيد !!!

بدلاً من أن تفكر الحكومة في تحسين المعاشات وتطويرها تسعي لإلغاء التأمين الصحي وبعد أن استولت علي أكثر من 270 مليار جنيه من أموال المعاشات تحاول خصخصة المعاشات وتحويلها لشركات التأمين الخاص والأجنبي.كيف سيواجه 18 مليون مؤمن عليه و 7.5 مليون صاحب معاش ومستفيد رياح الخصخصة القادمة. هل سنكتفي بأن نفوض امرنا لله ونموت كما فعل عم رفاعي ؟! أم نقاوم هذه السياسات ونرفض خصخصة التأمينات الاجتماعية والتأمين الصحي ونطالب بفصل التأمينات عن المالية ورقابة المنتفعين علي التأمين الصحي والمعاشات.

هل يمكن أن يكون موت مواطن بسيط مثل رفاعي دياب ناقوس لنستيقظ للدفاع عن حقوقنا ومستقبل أبنائنا؟!!!ورفض مشاريع خصخصة التأمينات.أن محافظ بني سويف لم يتهكم علي مواطن بسيط وهو المنوط به تبني مصالحه والدفاع عنها ولكنه يوجه رسالة لكل المصريين . هل سمعنا النداء ؟!!!!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خلافات بين نتنياهو والأجهزة الأمنية الإسرائيلية حول اقتراحات


.. صواريخ ومسيرات حزب الله -تشعل- شمال إسرائيل • فرانس 24




.. الانتخابات البريطانية.. بدء العد التنازلي للنتائج وترقب لمست


.. إيران تبدأ فترة الصمت الانتخابي قبل الجولة الثانية من انتخاب




.. الجيش الروسي ينشر صورا لاستهداف مقاتلة أوكرانية باستخدام نظا