الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش حديث البرلماني الاستثنائي، فؤاد عالي الهمة، بالقناة المغربية الثانية

محمد المدلاوي المنبهي

2007 / 9 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


في مقال لي بعنوان "من تجربة التناوب التوافقي إلى فرصة التناوب الديموقراطي بالمغرب" نشر بجريدة الحوار المتمدن (عدد 2034.)، تناولتُ ما اعتبرته أسبابا ودلالات سياسية للانخفاض الصارخ لنسبة مشاركة الناخبين المغاربة في تشريعيات 07 سبتمبر 2007 التي لم تتعد 37 في المائة، ولتراجع مكانة حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" من المرتبة الأولى في تشريعيات 2002 إلى المرتبة الخامسة في تشريعيات 2007. ومن بين ما جاء في ذلك المقال ما يلي محصورا بين قوسين :

((المعطى الثاني من معطيات النتائج الأولية للانتخابات 07 سبتمبر 2007 التشريعية بالمغرب يتمثل – في نوع من المفارقة – في حسنةِ ومزيةِ كونِ تلك النسبة الضعيفة للمشاركة، التي أشير إليها في النقطة الأولى أعلاه، قد أفرزت، ولربما كردّ فعلٍ سوسيو-سياسي ضد انبهام معالم الخريطة السياسية وبهاتة ألوان أحيازها، خريطةً واضحةَ المعالم؛ وذلك كما لو أن مفعول تلك المشاركة الضعيفة قد اقترح تلك الخارطة في أفق أن يخوض المغاربة غمار الانتخابات الجماعية المقبلة، والانتخابات التشريعية لسنة 2012، بعد إنجاز تجربة "التناوب التوافقي" التي أرست ثقافةَ السياسة باعتبارها تداولا من حيث الجوهر محلَّ مفهوم يعتبر السايسة مجابهة (confrontation) وجود من حيث الجوهر، وبعد تجربة انتخابات 2002 و 2007 التي أرست نظام الانتخابات (تسجيلا وتصويتا) كتمرّس وممارسة حرة لحقوق وواجبات المواطنة وليس كخدمة إجبارية أوكمساع تكسـّـبية، أقول في أفق أن يخوض المغاربة فيه تلك الانتخابات المقبلة في مغرب جديد يكون قد أضاف إلى كل ما سبق إنجازا سياسيا حاسما آخر في طريق مسيرته الديموقراطية، ألا وهو إنجاز "خارطة طيفها السياسي واضح ومفروز المعالم"، قوامه قطبٌ يميني قوي، وقوى وسط، وقطب يساري قوي، ومن شأن وضوح طيفها ذاك أن يساعد المواطنَ على تبين الخيط الأبيض من الاسود، فيسهل عليه الاختيار والانخراط الإيجابي ليس فقط أيام الانتخابات ولكن على طول حياته المدنية، إذ سيستعيد حينئذ من جديد ثقته في السياسية كفعل مدني هذه المرة.)).

ويخلص المقال المذكور في النهاية إلى خلاصة شخصية تمت صياغتها على الشكل الآتي مما هو موضوع بين قوسين:

((وإذا كان من الطبيعي اليوم، بمقتضى حكم نتائج الاقتراع أن يشكل متصدر الترتيب، "حزب الاستقلال" مع أحزاب "العدالة والتنمية" و"الحركة الشعبية" و"التجمع الوطني للأحرار" و"الاتحاد الدستوري" حكومةً منسجمة بحكم القرابات الفكرية والأيديولوجية وحتى من حيث تاريخ العلاقات مع ممارسة الحكم (يجب إلا ننسى بأن حزب العدالة والتنمية منبثق عن حركة الدكتور الخطيب)، فأن من الطبيعي جدا كذلك أن يشكل "الاتحاد الاشتراكي" وجزب "التقدم والاشتراكية" وبقية أحزاب اليسار قطبا يساريا للمعارضة يتعين أن يتم الانهماك على رسم معالمه التنظيمية بما يتجاوز عقبة وعقدة الانسدادات الداخلية المزمنة التي عانت منها الأحزاب السياسية المغربية ونقيصة التشرذمات الخارجية التي يستعصي على المواطن الراغب في الانخراط أو في التصويت أن يتبين أسسها السياسية.
وإذا كان حزب كبير مثل "حزب الاتحاد الاشتراكي" - وكذا حزب التقدم والاشتراكية- الذي قام بدور حاسم في مسيرة المغرب عبر تجربة "التناوب التوافقي" المقترنة بـ"تجربة المصالحة" اللتين جعلتا المغرب يعبر بسلاسة وسلام برزخا لم يكن من السهولة بمكان، أقول إذا كان ذلك الحزب قد تأثر أكثر من غيره، وأكثر مما كان متوقعا، بمفعول عشر سنوات من التآكل السياسي الناجم عن ممارسة السلطة في ظروف قيود الميثاق الضمني المسمى بــ"التوافق"، وعن متاعب انسداداته الداخلية على المستوى التنظيمي، التي لم يتميز كثيرا في شأنها عن بقية الأحزاب التقليدية على كل حال، فإن هذه المناسبة بما أسفرت عنه من نتائج لا ترضيه في الأمد المباشر، تشكل، ربما، بالنسبة له فرصة لإعادة تحديد مهامه، ورسم الآليات التنظيمية داخليا وخارجيا اللازمة لإنجاز تلك المهام. فإذا كان مؤتمره الاستثنائي قد مكنه من الحسم في "الاختيار الديموقراطي" ومن التدرج بدءا بتجربة المجالس المحلية وانتهاء بتجربة "التناوب التوافقي" التي يـبدو اليوم جليا أنها أدت مهمتها واستنفدت آخر شحنات طاقتها السياسية (ولا أقول التدبيرية)، وأن لا حياة سياسية حقيقية اليوم في المغرب خارج مربع تدشين "التناوب الديموقراطي" بما يستلزمه ذلك من تمايز سياسي يقطع مع عشر سنين من خطاب "التوافق" الذي أصبح ينذر بأن يصبح ثقافة سياسية تبريرية، فإن مهمة أعداد معارضة عصرية وقوية قائمة على أساس قضايا مجتمعية وفكرية وفلسفية أساسية ومصيرية (ملف التربية التعليم، ملف علاقة الدين بمختلف السلط، ملف تدبير اللغة والثقافة، قضايا الجهوية، الخ) يتجدد معها الخطاب بشكل يجعل هذا الخطاب من جديد خطابا مستقطبا لكافة الطاقات وخصوصا الشباب أو كهول 2012 وما بعدها، لمن أنبل المهام التي يمكن أن ينجزها حزب أو مجموعة من الأحزاب.)).

وبما أنه من مزايا الفكر الحر أن يكون باستمرار مفتوحا على إمكانيات المراجعة والاغتناء بأوجه أخرى للفكر حينما تدعو تلك الأوجه فعلا إلى إعمال الذهن دون ارتهان استلابي لإحراج أي بداهات مهما كان انشارها كما هو شأن جميع البداهات، خصوصا إذا كانت تلك البداهات تستمد قوتها لا من مضامين أفكار معينة معبـّرٍ عنها بلغة واضحة في سياق مضبوط، ولكن من مجرد محاكمة النوايا أو الارتهان لفكر المؤامرة، فقد كان هذا ما حصل لي وأنا أصغي إلى كلام السيد فؤاد عالي الهمة خلال استضافة السيد عبد الصمد بن الشريف له في برنامج "ضيف الحلقة" على شاشة القناة الثانية M2 مساء يومه الاثنين 10 سبتمبر 2007.

إن أبرز فكرة أختفظ بها مما فهمته من كلام فؤاد الهمة، أو على الأقل ما أوحى إلي به حديثه الحي النفاذ المصوغ في دارجة فصحى بديعة – وهذا يتعين الاعتراف به بالمناسبة ولا حرج – هي أنه إذا ما أُخِـذ بعين الاعتبار كل ما تم انجازه مند 1998من أوراش في ميادين الاقتصاد من تأهيل البنيات التحتية، وتشجيع الاستثمارات، وتهيئة ترابية، وتنمية بشرية، وفي ميادين الإعلام، والاتصال، والثقافة، مما هو مشرف في الأمد القريب على بداية الإثمار المباشر على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وذلك مهما كانت الشروط السياسية لمشاركة فريق الأغلبية المنتهية ولايتها في ذلك الإنجاز على المستويين التشريعي والتنفيذي، فمن الخسارة السياسية على مستوى الوطن ككل أن ترسم خارطة أغلبية سياسية جديدة للجهاز التنفيذي تجعل ممن بنى أداته السياسية طوال هذه المدة على خطاب مناهضٍ مبدئيا لجوهر تلك الاختيارات الكبرى (السياسة السياحية، القروض الصغرى، إدماج المرأة في التنمية، إنعاش السينيما، وثقافة الشباب، الخ) ومشككٍ في جدواها الاقتصادية والاجتماعية هو المستفيد السياسي من موسم إثماراتها، بينما ينصرف من لحقه التآكل السياسي بسبب الانخراط الفعلي في تلك الأوراش في ظل قيود "التوافق" لكي يعيد بناء أدته الحزبية.
هذا الوجه الآخر، في الحكم على السيناريوهات الحكومية الممكنة لما بعد تشريعيات 07 سبتمبر 2007، يستحق في الحقيقة أن يوقف عنده بدوره بجد. وهو وجه ليس بأقل أهمية ولا خطرا من وجه وجوب الوقوف عما تولـّد من عزوف لدى المواطنين واضمحلال للسياسة في صفوفهم بسبب طول ظرفية "التوافق"، واستحالة ذلك "التوافق" إلى ما يشبه ثقافة. مع العلم بأن اضمحلال السياسة مرض لا تكون انعكاساته اقتصادية بالضرورة، ولا يمكن حسابها بوحدات الاقتصاد. إن مخاطره تتخذ طابع انقلابات ومفاجئات سياسية جذرية بما أن حيز السياسة لا يقبل الفراغ، عكس الطبيعة التي أثبت باسكال سماحها بذلك. إن الصعوبة، كل الصعوبة إذن، تتمثل في كيفية التوفيق بين هذين التعارضين.
**************
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=108646








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس