الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الارهابيون: صياغة التطرف ومنظور الدولة

أمياي عبد المجيد

2007 / 9 / 12
الارهاب, الحرب والسلام


من الأفضل أن نضع ظاهرة الإرهاب السلفي في سياق تاريخي مبين ،لكن التطورات التي يمر بها العالم والديناميكية الغير عادية تفرض المباشرة في تشخيص الظاهرة.
حيث ما وليت وجهك تجد حديثا مشروخا يشرح الإرهاب الكل يشرحه من زاوية الاعتقاد والتأثير الاجتماعي ، والاقتصادي الخاص به ، ويسقط العديدين حالتهم على ما يعيشه هؤلاء الإرهابيين من حياة غير طبيعية ، فاختلط الحابل بالنابل على الإنسان البسيط الذي يجد صعوبة في فهم التأويل الصحيح لهذه الظاهرة ، والأكثر من ذلك وجدته بعض القوى الباغية كبش فداء لتعلق عليها إخفاقاتها المتتالية وتعديها على حقوق الإنسان .
صياغة فكر التطرف.
لعل تعزيز دور الفهم الصحيح للعنف بمختلف أشكاله يجعلنا وبدون شك ندرك الحجم الحقيقي لأي عمل إرهابي ، فمثلا أحداث 16 ماي و11مارس في المغرب لم يفهمها كل المغاربة في نطاقها العقلاني بقدر ما تحكم في صياغة الحكم عليها الوازع الأخلاقي . وهذا راجع بالأساس إلى الأسلوب المتبع في اختيار طريقة إبلاغ الرأي العام بتفاصيل الأحداث والتكتم الذي أحاط بتفاصيل هذه الجرائم ، باستثناء المغامرات الإعلامية التي لا تنطبق في نقلها للحقيقة ، مما كوّن عند المواطن صورة مركبة ومشوهة في الوقت نفسه !. من هنا يعدوا الإلحاح على عقلنة التفاصيل من أساسيات التعامل مع أي عمل إرهابي . وعندما يكون الرأي العام مطمئن يمكن حينها الانتقال إلى ربط المقاربات الأمنية وإستراتيجية الاحتواء بشكل أكثر سلاسة . بل أعتقد أن أي احتواء لأعمال من هذا الشكل يستدعي أكثر من مقاربة جدية تكون مقاربات لا تستند إلى العامل الزمني الذي من شأنه أن يقوض العمل الجدي والمتقن ، ولا إلى تنظيرات لا تتوافق مع خصوصية البلد . وقد نتساءل عن الفائدة المرجوة من كل هذه الإجراءات التي تبدو بديهية للغاية ولا تستند إلى أي إلحاح يستدعي ذلك .لكننا ندرك أننا اليوم وبعد تجربة لا باس بها في التعامل مع العنف أصبحنا مطالبين بتخويض التفاصيل الدقيقة والتدابير المعقلنة حيزا مهما من الوجود .
الإستراتيجية التي يجب أن يحارب بها الفكر الارهابي ليست بإستراتيجية تعجيزية، ومن المهم في هذه النقطة الإشارة إلى أن المقاربات خاصة الأمنية التي تجري في مجموعة من الدول التي تعاني من مشاكل العنف ، ليست بالضرورة مقاربات متوافقة مع الإستراتيجية التي يجب أن تعتمدها دولة معينة ، فلكل دولة خصوصية، وفي اعتقادي أن هذا الاستخدام العشوائي للاستراتيجيات هو من ساهم في فشل القضاء على أعمال العنف هذه ، وربما هذا أيضا ما يجعلنا غير قادرين على تبرير عمل الأجهزة الأمنية، وبالتالي الإمكانية التي تتوفر لدينا للحديث عن عمل احتوائي أو استباقي لمحاصرة التنفيذ ، وهذا أمر مستبعد في الوقت الراهن ومن شأن أعمال إرهابية أخرى أن تتجدد كلما شعرت هذه العناصر الإرهابية باستكانة الأجهزة الأمنية، أو الاتكالية على مصادر معلومات قد تكون خاطئة وقد تنطوي تحت إستراتيجية هذه التنظيمات لتظليل العمل الأمني .
إن مشهد العنف الذي يمر به العالم شغلني كثيرا ووجدت أن التنظيمات التي تتبني أغلب أعمال العنف لا تكاد أن تكون مجموعات ضئيلة جدا تتبنى أفكار ما يسمى " بالقاعدة " ولاحظت أن أغلب الناس يتعاملون مع القاعدة على أساس أنها تنظيم قائم بذاته له أجنحة عسكرية ، ومقاتلين يعدون بالآلاف!! بيد أن القاعدة لا يمكن أن يتجاوز قوام المقاتلين في صفوفها بعض المئات ،وهي بمثابة عصابة تعتمد على رجل يقدم التمويل للمشاريع التخريبية وبعض العارفين بالهندسة والتخطيط القادرين على انجاز مشاريع تفخيخية، وبن لادن مثلا هو " دمية" دورها يكمن في التمويل ولا يتعدى ذلك .. رب قائل يقول و كيف استطاعت القاعدة أن تحدث هذا التغيير كله في العالم ؟! الجواب على ذلك : أن الخصوصية التي اكتسبتها القاعدة كتنظيم هي نتاج لاستغلال أعمال العنف المختلفة التي يقوم بها بعض المتطرفين الذين يؤمنون بفكر "القاعدة" ، ويمكن أن نجد أي شخص من هؤلاء يتبنى أسلوب القاعدة في التعامل والتأثير من دون معرفته لا بأسامة بن لادن، أو بنهج القاعدة ، وأيضا الخصوصية اكتسبتها من كوننا نؤول أي عمل عنيف إلى شيء اسمه "القاعدة"، وعند استحضارنا للقاعدة لا نستحضر الأفكار والثقافة، بل نتعمد إلى عرض شريط أحداث مليء بالدماء والقتل المتوحش .
وهناك إشارة لابد منها تتعلق بهذه الخصوصية وهي أن القاعدة كفكر يظهر تأثيره في غياب المعنى الأصلي للتنظيم عند غالبية الناس ، وقد يتصور البعض أنني انفي وجود تنظيم اسمه "القاعدة" ، بالعكس تماما ولكن أنا أعطي الأولوية لشرح الرؤية الدينية والثقافية بصفة عامة عند هذا التنظيم الذي يصوغ فكر التنظيم انطلاقا من فهم سلفي عنيف ، والعمل الإرهابي هو خلاصة فكر وثقافة منحرفين ، وأعارض الفكرة الزاعمة بان القاعدة عابرة للقارات ، لسبب بسيط هو أن أي جماعة غير منظمة لا يمكن أن تتجاوز تأثيراتها رقعة جغرافية بعينها ، وهذا أمر ثابت في جميع الاستراتيجيات العسكرية وإنما الذي اقر به هو وجود فكر في عدد كبير من الدول يطابق فكر القاعدة في أسلوب العمل .
وفي إطار التدليل على سلوك الإرهابيين لا بد من الإشارة إلى ثلاث عوامل أساسية تدخل في إكساب الصبغة الكونية للفكر السلفي وكلها لها خلفية فكرية بالدرجة الأولى وقد تكون منفصلة على جسم القاعدة ولكن تتولد هذه الشخصية المركبة في نهاية المطاف مطابقة لأفكار القاعدة :
-1- عامل تداعي المعاني :
تداعي المعاني association des idées ، أو فوضى التأويل هذه خاصية مهمة في عمل المنتسبين إلى فكر "القاعدة" ويعتبر أسلوب عمل قديم نوعا ما لاستمالة جماعة معينة ،حيث أنه يقتضي خلط المفاهيم على الإنسان العادي من زاوية أيديولوجية دينية وجعله حائرا ومندهشا وغير قادر على ضبط مكتسباته السابقة بخصوص بعض المفاهيم كالجهاد مثلا ، وبالتالي تكون كخطوة أولية لكسب عطف هذا الإنسان وبعدها يتم التعامل معه كانسان مذنب يجب إعادته إلى "الطريق الصحيح "ويتم تخديره بمجموعة من الأفكار التي تبين ويبرهن عليها، وبحكم الحصانة الفكرية الضعيفة يستسلم بكل سهولة .
-2- عامل السيكولوجيا المرضية :
هذا العامل يتحدد بصفة عامة انطلاقا من محددات اجتماعية ، وترتبط ارتباطا وثيقا بدور الفرد في المجتمع ، وحامل أفكار التطرف يكون دائما متسائل مع ذاته في إطار الرضا وعدمه وهو غاليا ما يتوصل إلى قناعة عدم الرضا على مجتمعه ودوره في هذا المجتمع ويصبح مع مرور الوقت ذو إرادة مشلولة لا تشجعه حتى من التقرب من الأخر كعنصر من المجتمع ذاته ، ويؤدي هذا التراكم الغير العادي لسلوك ( الفردانية) في شرح الوضع الذي يعيش فيه إلى الانعزال الكلي وربما الخلل العقلي ، وفي الحالات الأكثر انتشارا في صفوف الإرهابيين نجد أن اغلب من تم اعتقاله أو تمت معرفة حالته عن قرب كانوا يعشون حالة سلوكية غير طبيعية وممارسة فردانية واضحة للتعاطي مع أي عنصر في العائلة إضافة إلى الانطواء الذاتي .
-3- عامل السوسيولوجيا
نشأة فكرة العنف أو تعنيف الشيء لدى أي شخص لا يمكن فهمها كردة فعل على عامل معين يمر به العالم كله وهناك الكثيرون من يربط انتشار أعمال العنف ، والإرهاب بصفة عامة بحالة بعض الدول الإسلامية التي تعيش تحت الاحتلال ، فإذا كنا نؤمن حقا بأن الجزء الكبير في صياغة النظرة المتطرفة للعالم ناتجة عن الاستعمار ، فكيف نفهم الأعمال الإرهابية التي تقوم بها منظمة الباسك باسبانيا ؟ أو منظمة الجيش الجمهوري الايرلندي ؟ أعتقد أن ربط ظاهرة العنف والتعصب بتأثير الحالة العامة للأمة أمر ليس صحيحا بالحد الذي قد نتصوره . فالعامل السوسيولوجي يعطي إمكانية إنتاج هذا الفكر دون الحاجة إلى الربط العالمي للإحداث، فيكفي أن يكون مجموعة من الناس معرضين للتهميش والإقصاء والحرمان أن تكوّن لنا عناصر لها خلل في الشخصية .
ومنظور الدولة
كتفسير إضافي لتجليات فكر القاعدة يمكن القول بأن التماهي في بلوغ مقاصد العمل وتجريد العقل من سلاح النقد أهم مميزات " الظاهرة السلفية المتطرفة "، بمعنى أخر أن الحالة السلفية المتطرفة توافق في تحديدها للأولويات والآليات النظامية الممكنة بحالة الطبيعة بما يتوافق مع مبادئ الخشونة والعنف المنافي لتأسيس دولة المؤسسات .
حسب( جاكلين روس) فدولة الحق والقانون تؤدي إلى ممارسة معقلنة لسلطة الدولة ،ممارسة تتشبث بالقانون وباحترام الحريات كما تؤدي إلى انتظام سياسي متوازن ينفتح على مجال الحريات العامة .هذا تعبير يتناقض وتصورات حالة الطبيعة التي يتواجد عليها المتطرفون الاسلاميون ،وهنا نطرح سؤال الدولة عند هؤلاء : كيف يتصور السلفي المتطرف الدولة ؟
علاوة على ذكر سطحيات التجلي الذي يظهر للعيان من قمع للمرآة وفرض أنماط وسلوكيات اجتماعية معينة نذكر تصوريين اثنين يتبلوران في خطاب السلفية الجهادية كمحددين لنظام الدولة :
-1- اعتبار الدولة ذات وجود مركزي متجذر دونما التفكير في إمكانية إخضاع مؤسساتها للتجديد، أو التطوير وهذا مناف تماما لمبادئ تحديث الدولة ( أي الدمقرطة )، فالدولة الحديثة هي الدولة المتمتعة بنظام القواعد السليمة الضامنة لاحترام الإنسان واحترام هذا الأخير للقواعد الصريحة .
-2- رفض القانون الوضعي ونبذ التعاطي معه من منطلق التبعية للقانون الأخلاقي ، أي أن إخضاع الأشخاص لا يمكن إلا بتفويض من رجل دين ، وإذا كانت البنية الحديثة للدولة تفرض فصل السلط ، وتمكين أجهزة القضاء من الاستقلالية فالعودة إلى تنصيب رجال الدين على رأس إقرار أمر الناس في نوازل لم يتحرك فيها العقل الديني قيد أنملة، أو بالأحرى لم يجتهد فيها وسيكون ذلك أشبه بالرجوع إلى مرحلة محاكم التفتيش والرقابة الدينية .
شرعنة الاستبداد
إن كان الحق كما هو متعارف عليه في تنظيمات الدولة الديمقراطية على انه آلية لإقصاء العنف فالتعريف بنمط السلفيين المتنطعين في التعامل مع آليات بلورة فكر العدالة الاجتماعية يختزل التخطيط في تجذير أنماط الاستبداد على جميع أشكاله ( فكري ، سياسي ، اجتماعي...)
إذا أخذنا الجانب السياسي كنموذج لبلورة فكر الاستبداد فإننا نلمس ذلك بوضوح في تقويض الاختلاف ومصادرة الآراء . وهذا التموقع الذي يسعى إليه السلفيون في تنظيرهم لمفهوم الدولة ، يحايث العديد من الأنظمة السياسية ذات توجه الحزب الوحيد ، وإذا أخذنا هذا الموقف أو بالأحرى هذا التماثل، لان الموقف لا يكون إلا بوجود كتلة سياسية تتمتع بالشرعية العامة مقابل كتلة أخرى منافسة ،فإذا أخذناه على سياق ما يقول به( كرافورد يونج ) فان هذا التماثل لا يمكن أن يكون غير محاولة للقفز على شرعية الدولة، ومحالة أخرى لتجذير منطق الاستبداد "المشرعن " عبر أي نمط قانوني ممكن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على أرجاء قطاع غزة مع اشتداد المعارك في شرق رفح


.. أوكرانيا، روسيا، غزة: هل ستغير الانتخابات البرلمانية الأوروب




.. أوكرانيا: موسكو تشن هجوما بريا على خاركيف وكييف تخلي بلدات ف


.. لبنان.. جدل واتهام للمسرحي وجدي معوض بالعمالة لإسرائيل




.. متاعب جديدة لشركة الطيران الأمريكية بوينغ.. واختفاء مجهول لع