الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أكذوبة نظرية انعزال الأقباط

وحيد حسب الله

2007 / 9 / 14
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


سنستعرض سوياً حقيقة "نظرية انعزال الأقباط" على ضوء المعطيات التاريخية والتي ستكذب بدون أي شك انعزالية الأقباط عن الحياة السياسية .
النصف الثاني من القرن التاسع عشر يمثل نقطة تحولً كبيرةً في حياة الدول والشعوب التي كانت تحت وطأة الاحتلال العثماني . فقد اصدر السلطان عبد المجيد خان ما يعرف بالخط الهمايوني سنة 1856 والذي نظم شئون دور العبادة وبناءها لغير المسلمين وكذلك أرسى لأول مرة أسس المساواة والمواطنة بين كل من هم تحت ولاية السلطان وفي مملكته بدون أي نوع من التفرقة أو التمييز بسبب الدين أو الجنس .
في سنة 1855 أصدر سعيد باشا والي مصر فرماناً بإلغاء الجزية المفروضة على الذميين أي الأقباط وذلك في خطوة إصلاحية كبيرة . وقد تبع هاتين الخطوتين خطوات آخري مهدت لغير المسلمين المساهمة كمواطنين في مستقبل وطنهم وخاصة في مصر . فقد بدءوا بالانخراط في الحياة العامة والسياسية والاهتمام بشئون بلدهم مع شركائهم المسلمين في الوطن. وبدأت تظهر التنظيمات التي تضم الجميع من أجل إعلاء مصر وتنميتها اقتصادياً واجتماعياً وتربوياً .
هذا المناخ سمح للمصريين جميعاً بما فيهم الأقباط أن يتمتعوا بالمواطنة الكاملة ويؤدون واجبهم نحو وطنهم والدفاع عنه .
تمخضت أيضاَ الحياة النيابية وتطورها عن اشتراك الأقباط في الحياة البرلمانية بنسبة أحياناً تتعدى نسبتهم العددية من الناحية الدينية ، ولكن ذلك لم يكن له أي تأثير على المواطنين الذين ينتخبون ممثليهم بناء على كفاءتهم وليس على انتماءهم الديني .
استمرت الحالة هكذا حتى استولت مجموعة الضباط المنتمين للإخوان المسلمين بالدعم الذي حصلوا عليه من قيادة وأفراد هذه الجماعة الإرهابية على مقاليد الحكم والسلطة في البلاد عام 1952 .ولا يخفى على أحد ما تعرض له الأقباط من اضطهاد مكثف منذ ذلك الوقت .
ثم كان قرار قيادة الانقلاب الإخوانى الإسلامي بحل الحياة البرلمانية وكذلك الأحزاب السياسية وفرض القيود على المواطنين لمنعهم من ممارسة الحريات العامة ومباشرة حقوقهم السياسية فكان له أثر كبير في عزل الأقباط عن المشاركة في الحياة السياسية.
هكذا حققت حركة الانقلاب أول هدف وهو عزل المواطنين عن المشاركة في الحياة السياسية وخاصة أصحاب الفكر والعلم . وفي خطوة موازية أتت الحركة بمشاركين جدد "أهل الثقة" من المنتفعين تعتمد عليهم في السيطرة على الشارع المصري من خلال اسلمة مناحي الحياة العامة والخاصة وتنفيذ أجندة الإخوان المسلمين . وكان هذا الشرط هو المهم حتى يتأكد المسئولين عن الانقلاب من الولاء لهم بالسيطرة عليهم من خلال منحهم مراكز ووظائف تتعدى في غالبية الأحوال إمكانيتهم العقلية أو الفكرية ولا يتمتعون أساساً بأي قدر من العلم يؤهلهم لقيادة أي مؤسسة حكومية .
أما الأقباط فقد تم عزلهم لأخلاء الساحة من تواجدهم في الحياة السياسية والنيابية منذ 23 يوليو 1952 . وذلك لأن الأحزاب التي كانت موجودة قبل هذا التاريخ كانت هي القنوات الرسمية والشرعية التي عن طريقها كان يمارس الأقباط حياتهم السياسية بمشاركتهم في الترشيح والانتخابات والتواصل مع أقرانهم المسلمين في شئون بلدهم مصر ومستقبلها .
على الرغم من ذلك ، ظل الأقباط يطالبون بحقهم في المشاركة السياسية والنيابية ويرفضون تهمشيهم والسياسة المفروضة عليهم . ولكن التعتيم الإعلامي حجب أن يعرف الشعب القبطي أن هناك من ينادي ويطالب بحقوقهم في حياة كريمة ومواطنة كاملة غير منقوصة . بطبيعة الحال في هذه السنوات الماضية لم تظهر بعد هذه النقلة التكنولوجية وخاصة الانترنت ووسائل الاتصال السريعة من خلال وسائل إعلامية متقدمة عبر الأقمار الصناعية والتي تنقل ما يحدث في أي مكان في لحظتها تقريباً .
لقد سمحت الهجرة لعدد كبير من الأقباط بالسفر والاستقرار في بلاد المهجر كالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واستراليا وتكوين جاليات كبيرة منظمة .
مع تزايد وتيرة الاضطهاد الواقع على أهاليهم في مصر ، قرر المهاجرين الأقباط أن يساندوا ذويهم في محنتهم ويرفعوا طلباتهم العادلة أمام المجتمع الدولي وفضح ما تقوم به الحكومات المصرية المتعاقبة من اضطهاد وظلم على أهاليهم . ولكن كان لذلك أثر محدود .
ومع التطور المذهل للتكنولوجيا الحديثة والانترنت والفيديو كنفرانس ونمو الوعي الدولي بحقوق الإنسان سواء على مستوى الحكومات أو الأفراد أو المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان الدولية أو غير الحكومية ، ظهرت منظمات قبطية ذات تنظيم فعال وأهداف واضحة بالعمل منذ عقود على إعلام العالم بما يعانيه الأقباط المسيحيين من اضطهاد بسبب مسيحيتهم .
كان لعمل كل منظمة قبطية على أحد أثر ضعيف جداً على الحكومة المصرية التي لا تعير أي اهتمام للنداءات الموجهة لها من قبل الأقباط المهاجرين لرفع الظلم والاضطهاد عن أخوتهم في مصر .
لذا قرر قادة وأعضاء المنظمات القبطية عقد أول مؤتمر قبطي دولي في الفترة من 23 – 25 سبتمبر 2004 في زيورخ بسويسرا بناء على دعوة المهندس عدلي ابادير ناقشوا فيه الوضع السيئ للأقباط في مصر وأصدروا بياناً يحتوى على 8 قرارات لتحقيق المساواة بين الأقباط والمسلمين (http://www.copts-united.com/C_U/CoptsUnited_2007/Conference_Resolutions/conf_resolutions_ZH_Sep04.htm) والقرار الرابع الخاص بتخصيص نسبة مئوية تناسب عدد الأقباط لتمثيلهم في البرلمان . ثم أمام الموقف المتعنت للحكومة المصرية وعدم استجابتها لمطالب المؤتمر الأول قرر مسئولي المنظمات القبطية بعقد مؤتمرهم الدولي الثاني في واشنطن بعد سنة والذي تم بث جلساته مباشرة وتابعه الملايين في العالم أجمع واصدروا 7 قرارات أخرى تكميلية يطالبون فيها أجهزة الدولة المصرية بتنفيذ قرارات مؤتمر زيورخ الأول وقرارات مؤتمر واشنطن السبعة (http://www.copts-united.com/C_U/CoptsUnited_2007/Conference_Resolutions/conf_resolutions_Washington2005.htm) .
كان رد فعل الدولة على هذه المطالب العادلة للأقباط هو تكريس جهود أجهزتها الإعلامية والأمنية ضد المنظمات القبطية وشن حملات تشويه (intoxication ) أمام الرأي العام في الصحف القومية والمستقلة (الصحف المستقلة يقف وراءها أمن الدولة والجماعات الإسلامية الإرهابية ذات الفكر الوهابي بالتمويل) بأنهم عملاء وينفذون أجندة صهيونية أمريكية وتناسوا أن العكس صحيح وأنهم هم الذين ينفذون أجندة سعودية بصبغة الإسلام المصري بالوهابية وبيع مصر للسعوديين والخليجيين . وقد فشلت هذه الحملات ولم يفقد أقباط الداخل ثقتهم في المنظمات القبطية في الخارج وخاصة أنهم تعودوا على هذه الأساليب الرخيصة من السلطة المصرية لتبرير اضطهادها للأقباط .
وفي نفس الوقت قامت الدولة بتنشيط المأجورين من الأقباط أمثال جمال أسعد ونبيل لوقا بباوي وجورج إسحاق ليعلنوا لنا أن مشاكل الأقباط تحل في أطار الأسرة الواحدة ولا دخل لأقباط الخارج بها ، متناسين أن الحكومات المصرية منذ الانقلاب الإخواني لم يحاولوا حل أي من مشاكل الأقباط بل بالعكس نفذوا أجندتهم في تهميش الأقباط وكذلك أسلمة الدولة وأجهزتها وخلق أجيال إسلامية متشددة ومشبعة بالكراهية تجاه الأقباط والتخطيط لاسلمتهم بكافة الطرق الاضطهادية والعنف ولا ننسى تهجير عدد كبير من الآسر القبطية من قراهم في الصعيد تاركين خلفهم أراضيهم وبيوتهم والتي استولى عليها الإرهابيين دون أن تحل الدولة مشاكلهم أو ترد لهم حقوقهم المسلوبة في إطار الأسرة الواحدة حسب زعمهم .
وأطلقت الدولة الأكذوبة الكبرى لتضرب عصفورين بحجر واحد مستخدمة نفس الأشخاص بالإضافة لكل من كمال غبريال وكمال زاخر (الذي يدعون العلمانية) مع الاستعانة ببعض العناصر البروتستانتية وذلك تحت قيادة مصطفي الفقى وجهاد عودة وغيرهم من المسلمين الذين يظهرون بمن يدافع عن حقوق الأقباط في الظاهر (طبقاً لمبدأ التقية) ولكن في الواقع يتمسكون بأن تكون حقوق الأقباط مكفولة في إطار الشريعة الإسلامية وكلنا نعلم ماذا يعنى ذلك أي حقوقهم كذميين فقط لا أكثر ولا أقل . كل هذه العناصر تكن كراهية خاصة للكنيسة القبطية ووضعت الدولة لهم الإمكانيات المادية والإعلامية والتسهيلات ليشنوا هجوماً كبيراً على القيادة الكنسية والأقباط الأرثوذكس مدعين أن الأقباط يتسموا بالانعزالية ويرفضون المشاركة في الحياة السياسية وتقوقعوا داخل الكنيسة وأن الكنيسة فرضت سيطرتها عليهم . فإن كانوا يريدون أن يكون لهم تمثيل ، فعليهم أن يندمجوا مع أخوانهم المسلمين في الأحزاب السياسية وأن يشتركوا في الحياة السياسية للبلاد .
لقد عاصرت شخصياً كأحدي سكان شبرا كثير من الانتخابات الخاصة بمجلس الشعب أو مجلس الأمة من قبل ولم أرى مسيحياً نجح في الانتخابات وذلك ليس تقصيراً من الأقباط أو حتى المسلمين في ذلك الحي في انتخاب المرشح القبطي ولكن تنفيذاً لسياسة الدولة وتم أكثر من مرة إسقاط المرشح القبطي على الرغم من حصوله على الأصوات التي تكفل له النجاح . فقد تم تسميم المسلمين بأفكار الإخوان المسلمين منذ انقلاب 1952 وبالتالي لا يمكن للمسلم أن يقبل ولاية غير المسلم عليه وكل ما نسمعه أو نقرأه ما هو إلا استخفاف وخداع لعقلية المواطن المصري .
فاتهام الأقباط بالسلبية والانعزالية ما هو إلا أكذوبة قذرة من قبل الدولة ، فالأقباط حاولوا دائماً المشاركة السياسية ولكن الدولة ترفض ذلك تنفيذاً لأجندتها الإسلامية البحتة . ولكن المقصود من اتهامها هو زرع الانقسام داخل الكنيسة بين القيادة الروحية والشعب القبطي وبين الشعب القبطي داخل مصر وخارجها حتى يسهل لها الانقضاض على الأقباط .
إذا كانت الدولة جادة في الاستجابة لشراكة الأقباط في الحياة السياسية فلماذا لم يرشح الحزب الحاكم عدد كبير من الأقباط في الانتخابات لمجلس الشعب أو الشورى . والسبب في ذلك إن من يرأس ومن يدير الحزب الوطني هو خادم السعودية الأمين صفوت الشريف .
إذا كانت الدولة تسعى لتحقيق المواطنة كما قررت ذلك في المادة الأولى في الدستور ، فلماذا حتى الآن ترفض إصدار قانون بناء دور العبادة الموحد ؟ فالسيد فتحي سرور ما هو إلا تلميذ مطيع وأمين لمرشد الإخوان المسلمين والجماعة . ولتتويه الأقباط في هذه النقطة تم تكليف كمال أبو المجد بتقديم مشروع آخر وبذلك يكون هناك مشروعين حتى يترك الحال على ما هو عليه .
إذا كانت الدولة لديها الرغبة والإرادة لإنقاذ مصر من براثن الكراهية والحقد وبالتالي من الحرب الأهلية التي لا مفر منها في القريب ، كان عليها أن تستجيب لقرارات مؤتمري زيورخ وواشنطن بتطهير البرامج التعليمية والإعلامية "لإزالة كل ما يشوبها من تحقير بشأن غير المسلمين وتدريس ما يساعد على التسامح وقبول الآخر واحترام حقوق الإنسان والحرية الدينية "
فالحقيقة التي لا شك فيها هو أن الأقباط تم عزلهم بالتدريج من الحياة السياسية والعامة وباءت كل محاولتهم في الاستمرار في المشاركة السياسية بالفشل نتيجة رفض الآخر المسلم بتوجيه من الدولة وقيادتها السياسية وهو ما يعاني منه الأقباط منذ أكثر من 55 سنة .
فالأقباط يعيشون الآن تحت حكم الشريعة الإسلامية التي حلت في كثير من القضايا الخاصة بالاعتداءات الوحشية على الأقباط محل القوانين الوضعية حتى يتم هضم حقوقهم طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية بعيداً عن القوانين الوضعية المعمولة بها أساساً رسمياً . ولا ننسى أن من يقوم بتطبيق أحكام الشريعة على الأقباط أجهزة الدولة مثل السلطات الأمنية والقضائية والمحلية كما في "أحداث العنف التي شهدتها قرية كفر سلامة بالشرقية بين عائلة مسلمة وأخري مسيحية انتهت بوفاة أحد المسلمين وإلزام العائلات المسيحية بترك القرية." (http://www.gn4me.com/nahda/artDetails.jsp?edition_id=1146&artID=1505310)
لذا نقول للأقباط الذين بلعوا الطعم الذي القي لهم كفى كذباً وكونوا صادقين مع أنفسكم فأنتم أول من تعلموا إذا رشحتم أنفسكم في أي انتخابات لن تنجحوا وذلك لأن الشارع المصري يحكمه الآن الفكر الوهابي الذي يحرض على كراهية وقتل كل من هو غير مسلم ، فالسعوديون يريدون تحويل مصر مثل السعودية بدون وجود لأي شخص غير مسلم وهدم الكنائس والأديرة كما حدث في العصر الإسلامي الأول وتم طرد اليهود والنصارى من أراضي الجزيرة العربية .
لذا دعوت في مقالة سابقة لي بأن على المنظمات القبطية أن تغير من إستراتيجيتها لكي يستطيعوا العمل من أجل الدفاع عن حقوق الأقباط وإنقاذ مصر من عملاء السعودية التي تسعى لتخريب مصر وتحويل شعبها بأقباطه ومسلميها لعبيد وخدم .
بعد هذا العرض ، هل لديكم أي شك أن عزلة الأقباط مفروضة عليهم من أجهزة الدولة المتأسلمة .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإمارات وروسيا.. تجارة في غفلة من الغرب؟ | المسائية


.. جندي إسرائيلي سابق: نتعمد قتل الأطفال وجيشنا يستهتر بحياة ال




.. قراءة عسكرية.. كتائب القسام توثق إطلاق صواريخ من جنوب لبنان


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. أزمة دبلوماسية متصاعدة بين برلين وموسكو بسبب مجموعة هاكرز رو