الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروس انتصار بلعين

احمد مجدلاني

2007 / 9 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


طرح انتصار قرية بلعين جملة من التساؤلات الجدية حول ما يمكن استخلاصه من دروس وعبر من هذه التجربة الرائدة في العمل الكفاحي الجماهيري الذي امتد عدة سنوات ، وقد تبدوا بعض هذه التساؤلات بديهية وليست بحاجة لإجابات مادامت حقيقة الإنجاز ماثلة أمام الجميع رغم محاولات البعض التقليل من قيمة هذه الإنجازات بصرف النظر طبعا عن النوايا الطيبة والصادقة من وراء هذا التقليل .
بيد انه وبدون أدنى شك فإن تجربة النضال التي خاضتها هذه القرية تستحق منا المراجعة والتدقيق واستخلاص ما يمكن استخلاصه منها لمحاولة البناء عليه لاحقا ، خاصة ان هناك عشرات ان لم نقل المئات مثل قرية بلعين مهددة بمصادرة الأراضي وإقامة الجدار الفاصل عليها .
الشيء الأساسي والمهم في تجربة بلعين، ان القيادة التي تحملت عبء النضال والمواجهة ، هي قيادة محلية تمرست في خضم النضال الجماهير أثناء الانتفاضة الكبرى الاولى ، وأدركت مدى أهمية هذا السلاح الفعال في مواجهة عدو يميل ميزان القوة لصالحه بالكامل ، وأدركوا بالتجربة الملموسة أيضا حجم الإنجازات السياسية الملموسة وعلى كافة الصعد التي انتزعتها الانتفاضة الاولى بنضالها الجماهيري السلمي .هذه القيادة الشابة التي استطاعت رغم تعقيد الموقف السياسي الداخلي ورغم، الصراع والاستقطاب الحاد بين القوى السياسية ، ان تجعل قضية النضال ضد الجدار على أراضيها هو عامل الوحدة الأساس، وسمت بقضية النضال المباشر فوق الحساسيات الحزبية والتنظيمية الضيقة، ووضعت أيضا نفسها على مسافة واحدة اتجاه الجميع ليس بمعنى الاستقلالية عن العمل السياسي والحزبي لكن بقدر ان تنعكس هذه الصراعات داخل هذه القيادة التي ظلت كل الوقت مفتوحة لمشاركة الجميع بصرف النظر عن انتمائهم السياسي والتنظيمي ، وبنفس لاستيعاب كافة الطاقات والإمكانيات الموجودة وزجها في المعركة الكبرى .
والاهم من كل ذلك أيضا استطاعت هذه القيادة الشابة ان تتجاوز حساسيات التركيب الاجتماعي للقرية لجهة التأثيرات المختلفة للتنافس العائلي والقبلي والأدوار المحسوبة سلفا لبعض الرموز الموجودة فيها ، هذه القدرة على التجاوز جنبت اللجنة الشعبية باعتبارها لجنة شعبية مفتوحة أمام الجميع من الغرق في تفاصيل وصراعات صغيرة كان من الممكن ان تكون عامل إشغال داخلي يستنزف الجهد والوقت والإمكانيات في قضايا داخلية على حساب التخطيط والعمل الميداني في مواجهة المهمة الأساس .
كما أدركت اللجنة مبكرا ضرورة وأهمية جعل قضية النضال ضد الجدار في بلعين ليس قضية محلية خاصة بأهل القرية بل تحويلها لقضية وطنية عامة من خلال المشاركات المفتوحة التضامنية والمساندة من القرى والبلدات الأخرى سواء المجاورة او من المحافظات الأخرى ، هذه المشاركة وضعت قضية مواجهة الجدار في بلعين نموذجا للعمل الشعبي والميداني الذي انتقلت العديد من سماته لبعض القرى الأخرى .
في حين انه إلى جانب المساندة الوطنية العامة لم تقلل اللجنة الشعبية والقيادة الشابة فيها من أهمية البعد الدولي ، الذي كان حاضرا وبشكل دائم من خلال اللجنة الدولية للتضامن ، والتي أقام بعضا من أفرادها لأشهر طويلة في القرية ، وتوطنوا فيها وأصبحت قضية النضال ضد الجدار كأنها قضيتهم اليومية . هذا البعد الدولي التضامني لم تكن مفاعليه بالأعداد الموجودة فقط في الفعاليات الأسبوعية، ولكن امتداده في بلدان هذه القوى التضامنية وخلقها لرأي عام مساند وضاغط بنفس الوقت على حكومتها ، وضاغط تلقائيا على حكومة إسرائيل من خلال فضح وتعرية مواقفها وإجراءاتها القمعية التي لم توفر حتى هؤلاء المتضامنين، لقد كان لانخراط لجان التضامن الدولية دورا فعالا على الصعيد المحلي والخارجي على المستوى الإعلامي ، وكان عنصر جذب دائما لوسائل الإعلام المحلية والعالمية لتغطية هذه الفعاليات الأسبوعية ، ولعبت هذه التغطية المباشرة والأسبوعية دورا مهما في خلق رأي عام داخلي وخارجي مؤيد ومساند لنضال قرية بلعين ضد الجدار والاحتلال وباعتباره يمثل التجسيد العملي له ، وقد يكون من العوامل المساعدة لهذه الاهتمام الإعلامي أيضا أن وقوع قرية بلعين على مسافة قريبة من رام الله مركز الحياة السياسية وتواجد وسائل الإعلام المركزية دورا في هذا الاهتمام والمتابعة المتواصلة وهو ما قامت قيادة التحرك الجماهيري في بلعين في استثماره وتوظيفه بشكل جيد لمصلحة قضيتها الأساسية .
بيد انه يسجل للجنة الشعبية في بلعين قدرتها وممارستها بنفس الوقت على اجتذاب قوى السلام الإسرائيلية للنضال معهم صفا واحدا ضد الاحتلال والجدار ، وكانت هذه التجربة النضالية بالنسبة للكثير من قوى السلام الإسرائيلية معيارا لمدى جديتها في التصدي لسياسات حكوماتها الاحتلاليه ، ومدى إصرارها على صنع السلام مع الشعب الفلسطيني انطلاقا من ان السلام العادل هو الذي يجلب الأمن وليس الاحتلال وبناء الجدار هو الذي يجلب الأمن والاستقرار للمجتمع الإسرائيلي ، لقد كانت هذه الحقيقة ماثلة لدى كافة القوى وحركات السلام الإسرائيلية والدافع لمشاركتها بأشكال مختلفة ، من الفعاليات الأسبوعية إلى التحرك مع أوساط حقوقية وقضائية إلى فعاليات جماهيرية وإعلامية داخل إسرائيل لفضح وتعرية الديمقراطية الزائفة للاحتلال ، إلى الفعاليات الجماهيرية المختلفة التي كانت تعبر فيها عن رفضها للاحتلال وبناء الجدار .
ان انتصار قضية بلعين رغم محدوديته يقدم العديد من الدروس والعبر في تجربة النضال الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال ، ورغم انه في العديد من المواقع تم كسب قضايا لدى المحاكم الإسرائيلية ، إلى ان قضية بلعين أهميتها تكمن بطابع ومضمون وأسلوب العمل وتواصله والإبداعات المختلفة في كل فعالية من الفعاليات المقامة والقدرة على التشبيك ونسج التحالفات الوطنية والدولية .
وأمام بروز نماذج جديدة الآن للنضال على غرار تجربة بلعين مثل الخضر وأم سلمونة في بيت لحم ، فإن تعميم تجربة بلعين والاستفادة من الدروس والعبر منها قد يشكل عامل استنهاض لمواصلة النضال بهذا الشكل النضالي الذي اثبت جدواه دون غيره وفقا لظروف نضال شعبنا الملموسة .

رام الله
12.9.2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نصب خيام اعتصام دعما لغزة في الجامعات البريطانية لأول مرة


.. -حمام دم ومجاعة-.. تحذيرات من عواقب كارثية إنسانية بعد اجتي




.. مستوطنون يتلفون محتويات شاحنات المساعدات المتوجهة إلى غزة


.. الشرطة الألمانية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لغزة بجامعة برلين




.. غوتيريش يحذر من التدعيات الكارثية لأي هجوم عسكري إسرائيلي عل