الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالم بلا فرسان

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2007 / 9 / 13
العولمة وتطورات العالم المعاصر


والبشرية على أبواب نهاية تاريخ البرجوازية، رحل في الآونة الأخيرة العديد من الرموز العبقرية البارزة الثقافية البرجوازية ، أبرزهم آخر عمالقة السينما ميشيلانجيلو انطونيوني و انجمار برجمان الذي كشف الستار أخيرا عن ماضيه النازي ، إذ أنه كان لفترة عشر سنوات عضو اتحاد الشبيبة النازية ، وينحدر من عائلة عنصرية سويدية دينية ) ، كما شهدنا قبل أيام رحيل مغني الأوبرا الأسطورة لوتشيانو بافاروتي.

هذا العصر يفتقر إلى نجوم متألقة من أمثال ديكارت ، توماس هوبز، عمانوئيل كانط ، هيجل ، كارل ماركس، ديفيد هيوم، جون ستيوارت مل، و فريدريك ويلهلم نيتشه ، وأمثالهم . فلو تأمل المرء متفكرا للحظات بحثا عمن يناظر في هذه الأيام أولئك القادة الفلاسفة المفكرين سيفيق خائبا و لن يلقى أي واحد مثلهم . هؤلاء العظام كانوا في عصر التنوير والنهضة الذي مضى ، عصر صعود البرجوازية، لكن عصرنا يتميز بتفسخ البرجوازية ، ولا استغراب في أنها لم تعد قادرة على تقديم فلاسفة و عمالقة إلى البشرية في أي مجال من مجالات العلم والمعرفة والفن والأدب.
لقد كان مفكرو البرجوازية متمثلا بفوكوياما على حق في مقولتهم بنهاية التاريخ ، إذ أنهم يقصدون تاريخ البرجوازية ، ولا يمكنهم أن يتصوروا أن للطبقة العاملة الصاعدة تاريخها في عصرنا هذا.
ونحن نعيش أواخر العقد الأول من الألفية الثانية عالما يفتقد إلى الأسماء بوزن و تأثير وألق فرسان عصر الحداثة. فإن العصر الذهبي لفلاسفة القرن العشرين قد مضى، ولم يعد حتى بمكنة اليساريين خلق مفكرين من أمثال آدورنو، و هوركهايمر، وماركوزه، و لا اللبراليون ولا اليمينيون لهم قادة مفكرون وفلاسفة من أمثال بوبر، و هايك، وروبز و برلين ، وربما يكون يورجن هابر ماس آخر مفكر من الجيل الذهبي البرجوازي . و اليوم بات حتى الما بعد الحداثيون يتحسرون إلى فوكو آخر.

وهل يتسم الفنانون اليوم بتلك العظمة الأسطورية التي اتصف بها أمثال موتسارت، وفاغنر و بيتهوفن الذين شرّبوا ألق الحداثة بالمثالية الألمانية ، وخلقوا روائعهم الخالدة؟
فقبل اندلاع الحرب العالمية الثانية بسنين ، كان هنري فورد يحصد المال الوفير بعد أن تم الاعتراف باختراعه سيارات فورد ،و كانت الطبقة الأرستقراطية الفرنسية غارقة في الموضات ، و تباهي برجوازية الأمم الأخرى المقيمة في الطرف الآخر من الأطلنطي بموديلات الألبسة الجديدة، و كان النبلاء الإنجليز أصحاب التقاليد و الأعراف الأصيلة يتابعون ، وفق الأسلوب التقليدي القديم ، عن معالم و معلومات في الخرائط إو عن طريق الرحلات بحثا عن جزر ليجعلوها مستعمرات لهم.
والانتلجينسيا الروسية كانوا منهمكين في العمل لإسقاط القيصر ، و اجلاس غيره على العرش. وكان العثمانيون يواجهون مؤامرات لورنس العرب، وحائرين في كيفية وضع حد للتمزق و النهيارات في امبراطوريتهم . في تلك الفترة شهدت الدنيا فترة جديدة ومختلفة عما كان في أوروبا ، عصر من التغير والتحول تم تدشينه في أمريكا، على يد مطربين و موسيقيين من أمثال بسي اسميت، وتوماس والر وديفيس ميلر ، الذين تبنوا أساليب جديدة في أداء موسيقى البلوز و الجاز والرجتايم.
أولئك تمكنوا بأساليبهم الموسيقية الخاصة من اجبار السكان البيض إلذين أصبحوا عنصريين بشدة بتأثير الكتب والصحافة وتعاليم دينية ، على مشاهدة أدائهم الموسيقي والفني، والاستماع بأغانيهم ، والتأثر بمعانيها.
هذا التأثير المتبادل ثقافيا بين البيض والسود ، في وضع يمتلك فيه البيض المؤيدين للعنصرية والتمييز العنصري أغلب وسائل الاعلام ، أضحى عاملا مهما مكن السود من أن يوصلوا صوتهم إلى مسؤولي الدولة والشعب الأمريكي بواسطة الأدوات الموسقية.
لقد جعلت الموسيقى تدريجيا من قضية العنصرية مسألة حساسة في أذهان الشباب الأمريكي، لكن المعارضين لهذا التيار الإنساني لم يقفوا ساكتين. فقد أبدى سياسيون كثر في خطبهم مناهضة شديدة لهذه الحركة الصاعدة. وكانت أمهات البيض يتنكرن لأولادهن، ويحرض القساوسة في مواعظهم الشباب البيض على عدم الالتحاق بهذه الحركة الوليدة وعدم التعاطف معها.
لكن كل هذه الأساليب لم تتمكن من التقليل من تأثير موسيقى السود على الشبان البيض. لقد كان هذا التحول انذارا إلى وسائل الاعلام الكبرى التي كانت كل المكانات والرأي العام تحت تصرفها، لكي تعيد النظر بأساليبها السابقة و نهجها .
وحقا ، تمكن بضعة من الشبان العازفين ، بقيثاراتهم من منافسة وسائل إعلام كبرى و متخصصة ، و استطاعوا توجيه الرأي العام بالاتجاه الذي أرادوه.

أيمكن للاعلام الديجيتال و الميديا العملاقة من تحقيق إنجاز إنساني يرقى لما حققه الموسيقيون الملونون في أمريكا في القرن الماضي؟
هذه الحقيقة تصح في محالات الرواية والأدب أيضا، فلو استثنيا ماركيز الذي أعلن تقاعده عن كتابة الروايات العظيمة ، و كونديرا الذين هما من بقايا جيل العظماء السابقين، سنكون في مواجهة شخصيات عادية يقامات ليست شامخة ، بل متوسطة ومألوفة ، رغم تحطيمهم للتقاليد و تبنيهم للفلسفة التفكيكية ، لا يشغلون أماكن شتاين بك ، وجيمس جويس ، و همينجواي ، و فرجينيا وولف ، و كافكا، وكامو وسارتر.
والحقيقة ثمة اليوم كثر من الروائيين البارعين، لكنهم لا يشمخون إلى قامات الروائيين العظماء المذكورين. و هناك كثير من الشعراء بنفس مستوى روائيي اليوم . نفتقد اليوم أيضا إلى شاعر بوزن و شموخ لوركا،و بريشت ، و هيوز و اوكتافيو باز. فهل قدم الأدب الانجليزي شاعرا آخر بمستوى اليوت؟

فبعد سارتر أصبح عالم الثقافة والتنوير خاليا من النجوم العظيمة، و لم بتجاوز بعض المثقفين سوى كاريكاتيرات عن سارتر. لقد شغل الأكاديميون الموقرون أماكن المثقفين المنقبين عن الحقيقة والحق. والسياسيون لا يستثنون من هذه القاعدة.
بات الحديث عن افتقاد الغرب إلى قادة سياسيين كبار من أمثال فيلي برانت، و تشر تشيل، و روزفلت وويلسون موضوعا يوميا للصحفيين و المحللين السياسيين في الغرب.
و مهما تقدمت الحياة في الغرب صوب العقلانية و الاسترشاد ، لما تجاوزت الوقائع اليومية إطار هوليود. وقد بلغت الحياة من الرتابة بحيث أمسى الناس في حاجة ماسة إلى نجوم الصخب و الإثارة في حياتهم.
لم تعد السياسة لها معاني ومفاهيم الستينات و السبعينيات في القرن الماضي، و أن المظاهر السياسية باتت باهتة ، و لن تعود مثلما كانت عليه _ مثلا_ الحركات الطلابية الثورية في القد السادس من القرن الماضي.
نلمس هذه الظاهرة في أمريكا عند المظاهرات التي يقوم بها المناهضون للحرب. تلك المظاهرات تشبه مهرجانات أفراح أو رياضية غالبا ، و لا تشاهد فيها مشاهد الصيحات الغاضبة المدوية ، والقبضات الحديدة الرهيبة ، مثلما كان في الحركات المناهضة لحرب فيتنام حين كاد المتظاهرون يحتلون البنتاغون.
الأحداث والوقائع الجياشة تقتصر اليوم في الغرب على الحدوث في هوليود.و النجوم تخرج من هوليود، لا من المقاهي و أحياء المثقفين في باريس و لندن و نيويورك.
وحتى نجوم هوليود المعاصرون يفتقدون ألق وبريق مارلين مونرو و غاري كوبر.

إن القامات أمست قصيرة في ميادين الفلسفة و السياسة و الأدب والفن والموسيقى.
ولكن يمكن استثناء الموسيقى و الرياضة و السينما و هوليود إلى حد ما من هذه القاعدة .

موت النجوم الكبيرة في نهاية التاريخ
"نهاية التاريخ و مصير الإنسان " الكتاب المثير للجدل للمنظر والفيلسوف الأمريكي فوكوياما ، صدر عام 1989 إبان انهيار الإتحاد السوفييتي .
يرى فوكوياما أن الديمقراطية اللبرالية هي الشكل النهائي للحكم في المجتمعات البشرية، وأن تاريخ البشر عبارة عن منظومة متسقة و هادفة تدفع القسم الأعظم من المجتمع البشري باتجاه النظام الديمقراطي اللبرالي . و إن ما يقصده فوكومايا بنهاية التاريخ هو انهيار الإتحاد السوفييتي ، بعد نصف قرن من سقوط الفاشستية، كإشارة إلى تلاشي آخر غريم تاريخي للبرالية. إن فوكوياما منظر البرجوازية المتفسخة عليه أن يعلم أن الشيوعية لم تسقط ، بل أن ما سقط كان رأسمالية الدولة الاحتكارية، , إن البرجوازية في طريقها إلى الموت بعد أن تعطلت كل أجهزتها عن تقديم ما يفيد المجتمع البشري،مثل سلفها الإقطاعية .

إن نهاية التاريخ تعني أيضا نهاية الجديد في الخطابة البشرية ، فالمؤسسات البرجوازية خلقت أقصى ما يمكن من الحداثة بحيث أصبحت تدور في نفس الإطار الحداثوي حتى باتت تتراجع عن المنجزات التي تحققت للبشرية وتدور في حلقة مفرغة ، وباتت رجعية باستحداثها نظريات ما بعد الحداثة ، و تقوم اليوم باسترجاع كثير من حقوق العمال و الجماهير، فتلك المكاسب والحقوق التي تحققت للبشرية لم تكن لتتحقق لولا كفاح العمال و طلائعهم من الشيوعيين والاشتراكيين.
2007-09-12









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسين وفريدة.. قصة حب وتفاصيل مضحكة بسبب فروق عادات الجزائر و


.. التصق جلده بعظمه.. والدة طفل يعاني من الجوع في غزة: أفقد ابن




.. إسرائيل وإيران.. حلقات التوتر


.. تقارير: إسرائيل ستبقي جيشها في قطاع غزة لأشهر حتى العثور على




.. احتدام المعارك في ولاية -سنار- بين الجيش السوداني و-قوات الد