الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التكفيريون الجدد والمحافظون الجدد

علي جرادات

2007 / 9 / 14
العولمة وتطورات العالم المعاصر


رغم مرور ست سنوات على ما وقع في نيويورك وواشنطن في 11 ايلول 2001، ما زال الاختلاف حول توصيفها قائماً. فهي: احداث 11 ايلول وفق التوصيف المحايد لما وقع؛ و"غزوة نيويورك ومانهاتن" حسب "البنلادنية" ومَن يدعمها؛ وأكبر هجوم "ارهابي" بتوصيف الإدارة الأمريكية ومَن يواليها؛ ونقطة التحول الانعطافية في السياسة الشرق اوسطية للإدارة الأمريكية كما يرى بعض المحللين والمراقبين؛ والذريعة التي انتظرها "المحافظون الجدد" لتنفيذ مخططاتهم الامبراطورية بلغة المناوئين للسياسة الأمريكية وتفردها في مصير البشرية عبر السيطرة على مؤسسات السياسة الدولية؛ والفرصة لنشر الديموقراطية وحماية حقوق الانسان وصون الشرعية الدولية، وإن بوسائل حربية، كما يدعي الخطاب الأمريكي والمسكونون به، سيان بفعل الهوى والمصلحة أو بسبب التأثر بهيمنة الإعلام الأمريكي الذي يبرمج الوعي البشري، ويشكل 90% مِن الخَبر في وكالات الأنباء ومساحات واسعة مِن برامج التلفزة، بما للفضائيات مِن أهمية؛ و.....مِن التوصيفات لمنعطف نوعي، اصبح الشرق الاوسط بعده غير ما قبله.
بفعل خطاب العداء بين "المحافظين الجدد" و"البنلادنية"، وتحت غبار المعارك بينهما، اختفت حقيقة ما يربطهما مِن وشائج، بل وتم نسيان مساهمة السياسة الامريكية في "صناعة" "البنلادنية" وتعزيزها كحركة فكرية سياسية تخوينية تكفيرية جاهلة ومتطرفة، جرى توظيفها أمريكيا ضد الاتحاد السوفييتي بعد غزوه لافغانستان، خلال حقبة الحرب الباردة و"ثنائية القطبية" في السياسة الدولية.
على كل حال، ربما يكون مفهوما، ولا اقول مبرراً، نسيان الحقيقة آنفة الذكر حول العلاقة المباشرة بين السياسة الأمريكية وولادة "البنلادية" وانتشارها البكتيري؛ فطمس حقائق التاريخ بفعل الهوى والمصلحة مسألة ليست جديدة أو نادرة الوقوع، هذا فضلا عن أن الناس قليلا ما تعود للتاريخ في قراءة الحاضر.
في الذكرى السادسة لجنون بن لادن يوم الثلاثاء في 11 ايلول 2001، وما تلاه مِن استثمار بشع مِن قبل "المحافظين الجدد"، وإن كان حريُّ تذكير البشرية عموماً، والشعب الأمريكي تحديداً، بحقيقة أن بين نشوء "البنلادنية" ونشاطات جهاز المخابرات الأمريكية الـCIA خيوط لم تعد سرية، بل باتت معروفة، إلا أن ذلك، برأيي، لا يشكل كامل قصة علاقة السياسة الأمريكية بظاهرة "البنلادنية"، اعتقد أنها ما زالت قائمة، وبفعلها جرى الصدام بينهما، وكانت الذروة في 11 ايلول 2001، وفي ذلك مثال حي لكيفية انقلاب السحر على الساحر، أما كيف؟!!!
رغم أن لكل مفهوم " تفرّده "عن المفاهيم الاخرى، إلا أن هنالك تداخل بين المفاهيم، قد يفضي إلى الخلط بينها أحياناً. وفي المجال السياسي غالباً ما يتم الخلط بين مفهومي التعسف والطغيان، رغم أن التعسف هو سوء تطبيق القانون أي المبالغة بالعقوبة، و/أو الإكتفاء بالادلة الضعيفة في الادانة، و/أو ليّ عنق القانون ليدين المتهم، ويقع سوء استعمال الحق وسوء استغلال الصلاحيات ضمن التعسف. أما الطغيان فهو تطبيق القوانين الظالمة. والسياسة الأمريكية العالمية، ومنذ غدت القطب الأوحد في السياسة الدولية، وبفعل ضخامة ما تملكه مِن عوامل قوة، أصبحت مزيجا مِن التعسف والطغيان. فإنتصار واشنطن في الحرب الباردة، لم يؤدِ إلى عالم أكثر أمناً وإستقرارا ورخاء، بل قاد إلى مزيد مِن التقاطبية حيث 30 شركة معولمة تمتلك 70% مِن السوق الدولية وفي المقابل 32% مِن البشرية دون خط الفقر و850 مليون دون ماء صالحة للشرب ومديونية ناهزت 1.8 تريليون على بلدان "العالم الثالث"، التي لا تقوى على سداد الفوائد، كما أدى إلى العودة للنظام الإستعماري، ووقوع أكثر مِن 40 حرب محلية، بما يعاكس تنظيرات "المتعولمين" الذين يرون في العالم سوقاً واحدة وتنمية شاملة للكرة الأرضية ونهاية للحروب. كل ذلك بفعل إنفلات غرائز السيطرة والهيمنة والنهب الأمريكية مِن عقالها وتفجيرها أشرس الحروب العدوانية المدمرة، وخلقها لأبشع أشكال الفوضى والركود والمجاعة والبؤس والمافيا وتجارة الجنس والبطالة والفقر وحرمان الشعوب مِن حقها في الإستقلال والحرية والتنمية الحرة وفرض التخلف الحضاري والاجتماعي على شعوب بأكملها على نحو غير مسبوق منذ عقود.
وفي هذا يتجلى الرياء والنفاق والخداع وإزدواجية المعايير في إدعاءات الخطاب الأيدولوجي الليبرالي الجديد حول مباديء الديموقراطية وحقوق الإنسان والشرعية الدولية التي يجري رفعها إلى إلى مرتبة المباديء المطلقة والمقدسة حين تخدم مصالح رأس المال الاحتكاري المعولم بهيمنة أمريكية، ويجري التغاضي عنها حين تتعارض مع هذه المصالح.
في هذا المناخ الذي خلقته السيطرة الامريكية الاحادية، وسياستها ذات الاحلام الامبراطورية المتطرفة الحمقاء، لا تكمن فقط التربة الخصبة لتنامي حركات التحرر ذات المضامين الوطنية والاجتماعية، كاجابات صحيحة على سؤال الطغيان، بل تكمن فيه أيضا مفرخة لتنامي حركات الجهل والتطرف الفكري والسياسي، كاجابات غير صحيحة على الطغيان، تبدو ظاهرا على الضد منه، فيما هي في الواقع مِن ذات الجذر وتحمل نفس المضامين، وإن كانت مقلوبة اليمين واليسار، كما صورة شخص ينظر لنفسه في مرآة.
والحال؛ ترى أين هي الغرابة في تنامي "البنلادنية"، وخروج "عفريتها" مِن قمقم افغانستان، حيث زرعته واشنطن، إلى كامل منطقة الشرق الأوسط عموماً، والمنطقة العربية خصوصاً؟!!! هل نسي "المحافظون الجدد" ورئيسهم بوش، أنه كان للمنطقة العربية وشعوبها ولمنطقة الشرق أوسط عموما، وللشعبين الفلسطيني والعراقي أكثر مِن غيرهما، الحصة الكبرى مِن ويلات توحش سياستهم وحروبها تحت ساتر نشر الديموقراطية وحقوق الإنسان وصون الشرعية الدولية؟!!! كلا، لا غرابة، وعلى المحافظين الجدد تحديداً أن لا يستغربوا، فـ"البنلادنية" كما انقلابها على مَن ساهم في "صناعتها"، هي شكل مِن اشكال الإجابات الخاطئة على الأسئلة الصحيحة، كان يمكن أن يكون لشعوب المنطقة وحركاتها التحررية قدرة اعلى على مجابهة هذه الحركة التخوينية التكفيرية الخطرة، لكن الطغيان الأمريكي أولاً، وازدواجية معايير خطابه حول الديموقراطية وحقوق الانسان والشرعية الدولية ثانياً، وتبعية غالبية نظم المنطقة للسياسة الأمريكية ثالثاً، ومحاباة بعض حركات التحرر وعدم اتساقها في محاربة ظاهرة "البنلادنية" رابعاً، ساهم، وما زال يساهم، في تقوية وانتشار وتغلغل هذه الظاهرة الخطرة بكل المعاني على شعوب المنطقة واستقرارها ومستقبلها.
تلك هي القصة الكاملة "للبنلادنية"، صنعتها واشنطن برضى العديد مِن دول المنطقة وتسهيلاتها، لكنه لم يخطر في بال واشنطن، كما لم يخطر في بال حلفائها في المنطقة، أنه سيأتي اليوم الذي ينقلب فيه السحر على الساحر، ولتكون "البنلادنية" وجنونها ذريعة لتنفيذ المخططات الأمريكية في احكام السيطرة على المنطقة ومستقبلها، عبر نشر "الفوضى الخلاقة" لكل صنوف الحروب والفتن الداخلية، الطائفية منها والمذهبية والسياسة، الأمر الذي قاد إلى اغراق المنطقة في بحر مِن الدماء، بل ما زال ينذر بهدر المزيد والمزيد مِن الدماء، علاوة على كل معاني الدمار والتخريب وعدم الاستقرار وفقدان الحرية والأمن والأمان، يرى كل ذي بصيرة أن خروج شعوب المنطقة مِن مأزقها ليس بالأمر اليسير، ولن يكون في المدى المنظور.
اخيراً؛ وبعد مرور ست سنوات على احداث 11 ايلول 2001، يمكن التكثيف والقول: إن كانت حماقة السياسة الأمريكية خلال حقبة "ثنائية القطبية" في السياسية الدولية، هي المسؤولة عن ولادة "البنلادية"، فإن حماقات طغيانها وتعسفها خلال مرحلة تسيُّدها كقطبٍ اوحد في السياسة الدولية، هي المسؤولة عن ترعرع هذه الظاهرة التكفيرية وانتشارها إلى كامل ارجاء المنطقة، وخروج "عفريتها" مِن القمقم الأفغاني. وما تقدم ليس دعوة لتبرير "البنلادنية"، بل هو محاولة للمساهمة في فهم اعمق لظاهرتها الخطرة بكل المعاني، وما يجري في العراق مِن تذبيح مذهبي وطائفي مجرد شاهد واحد، وإن كان صارخاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات القاهرة بين الموقف الاسرائيلي وضغط الشارع؟


.. محادثات القاهرة .. حديث عن ضمانات أميركية وتفاصيل عن مقترح ا




.. استمرار التصعيد على حدود لبنان رغم الحديث عن تقدم في المبادر


.. الحوثيون يوسعون رقعة أهدافهم لتطال سفنا متوجهة لموانئ إسرائي




.. تقرير: ارتفاع عوائد النفط الإيرانية يغذي الفوضى في الشرق الأ