الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعذيب في الجزائر:جلادون وزنازين سرية لا تراها الشمس

أنور مالك

2007 / 9 / 15
حقوق الانسان


التعذيب في الجزائر حقيقة لا يمكن حجبها بشعارات سياسية أو تقارير رسمية صادرة من جهات تود النصاعة لوجهها في عالم يعلن حربه الشاملة على هذه الآفة، التي تهدد حقوق الإنسان بل تستهدف وجوده بصفة عامة، ولقد أصبح التعذيب هو الوسيلة التي تصل بها مصالح الأمن الجزائرية وغيرها في كثير من بلدان العالم الثالث، لغايات أمليت عليها من الأعلى، وخاصة إذا تعلق الأمر بما يسمى بالإرهاب، فطالما توفي أناس تحت التعذيب وطالما فقدوا أطرافهم أو أصيبوا بعاهات مزمنة أو وقعوا على محاضر دفع ثمنها سنوات طوال من وراء القضبان... عندما يفتح لك أحدهم قلبه ويسرد عليك الليالي التي قضاها في المخافر وهو يشرب من علقم التعذيب من طرف جلادين لا يعرفون الرحمة، ولا تتسرب لقلوبهم الشفقة، تحس بالدوار لأن تلك القصص لا نراها إلا في خيالات السينمائيين أو الرواة الذين يبحثون عن الإثارة، آخرون بالرغم مما تعرضوا له تجدهم يتهربون وحجتهم أنهم لا يثقون في الإعلاميين لأن همهم المادة الإعلامية ولو حسابهم، قد تصل بهم مرة أخرى إلى الزنازين المظلمة، ولا أحد بعده يدافع عنهم، لأن المنظمات الإنسانية لا تصل إليهم، وإن استطاعت أن تدخل السجون فيتم إختيار من سيتكلم إليهم، وفي أحايين أخر يلبسون الحراس بدلات عقابية مخصصة للمساجين ويوضعون في ساحة تستقبل وفود المنظمات، وهذا الذي حدث مرات متعددة في سجن الحراش مثلا من طرف المدير السابق حسين بومعيزة، وأخرى يتلقى المساجين تهديدات مسبقة إن باحوا بأي شيء يستهدف المؤسسات العقابية أو مصالح القضاء أو الأمن، كما يحدث في سجن البرواقية ولامبيز (باتنة) مثلا، وهذا الذي سنفرد له ملفا قريبا عن واقع السجون الجزائرية من الداخل كما يرويها لنا شهود عيان...

لسنا بصدد الحديث عن الإتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الجزائر، والتي تحرم بصفة مطلقة التعذيب، وإنما نحن بصدد الحديث عن واقع يرويه لنا ضحايا بينهم أبرياء، وعلى ألسنتهم مباشرة، بعيدا عن الديماغوجيات المفرطة التي نعرفها وألفناها كثيرا عند فتح مثل هذه المواضيع المحرمة داخل الجزائر، ونكتشف بعض الشيء الوسائل القذرة التي تستعمل في حقهم من على ما يسمى "سرير التعذيب"، الكل يعرف الأساليب الوحشية التي ما صارت خافية على أحد، ويكفي تلك الصور التي طالما تناقلتها وسائل الإعلام عن تعذيب سجناء في معتقلات العالم العربي، ويكفي أيضا ما رواه آخرون إستطاعوا الفرار للخارج، كمن ألف أحدهم كتابا عن "زنازين الجنرال خالد نزار" كما سماها، حتى أن البعض من الضحايا لجأوا للقضاء الفرنسي الذي يسمح قانونه بمتابعة الضحية لجلاده وإن حدث التعذيب خارج التراب الفرنسي، ولكن عندما تلعب السياسية دورها والأطماع المتبادلة إقتصاديا وسياسيا وحتى إستخباراتيا فقد أرسلت طائرة خاصة للجنرال من طرف الرئيس بوتفليقة وفر خالد نزار تحت جنح الظلام، ليعود فيما بعد إلى باريس متابعا للضابط المفصول حبيب سوايدية على خلفية كتابه المثير للجدل (الحرب القذرة) ...

جلادون تنتهي عندهم حقوق الإنسان

مهاجر-ع سجين سابق في السجن العسكري بالبليدة، قضى خمسة سنوات كاملة بعدما أتهم بالمخدرات في الفترة الممتدة بين 1994-1999، وهو عسكري سابق، يروي لنا قصصا عن التعذيب الذي يحدث في السجن العسكري من طرف جلادين كالمساعد الأول عطاء الله، والمساعد الأول صالح الذي عندما يستقبل الوافد الجديد، يعريه من ألبسته كاملة كيوم ولدته أمه ويربطه في قضبان حديدية تستعمل كباب للساحات المعدة لما يطلق عليه بفسحات المساجين اليومية، ثم يصب عليه الماء البارد ويضربه بخرطوم المياه حتى يتمزق جلده، وصوته يبلغ عنان السماء طالبا الرحمة، لكن الجلاد تجده يقهقه على مرآى الأعوان وهو يردد كلمة يشتهر بها:

"هنا تنتهي حقوق الإنسان".

أما في العمارة " C" التي يخصص الطابقين الأول والثاني للعسكريين المتهمين بالإرهاب فحدث عن البحر ولا حرج، وللتذكير أن السجن العسكري بالبليدة يتكون من خمسة عمارات وفي كل عمارة ثلاث طوابق، بمعدل 57 زنزانة في كل عمارة، وفي بعض الأحيان خاصة في فصل الصيف عندما تبلغ درجة الحرارة ذروتها، يقوم حارس بغلق النافذة الصغرى التي بالباب ومنها يتم مراقبة حركة المساجين في الزنزانة، هذا بعد ملئها بعشرة أفراد على الأقل وهي معدة خصيصا لأربعة أشخاص، فيذكر لنا أن العرق يسيل من تحت الباب سيلان المياه...

روى لنا رقيب سابق تم فصله من الخدمة لأسباب مهنية هكذا زعمت الإدارة المعنية، ولأسباب أخرى تتعلق برفضه الكثير من الأعمال غير الإنسانية هكذا برر لنا هو بنفسه، وقد فضل أن لا نذكر اسمه لأنه قد يدفع الثمن غاليا في هذا الظرف بالذات، قال:

"كنت أشتغل حارسا في سجن عسكري... وعندما نجتمع مع قائد فوجنا والذي هو غالبا ما يحمل رتبة مساعد، يأمرنا أن نبحث عن أي هفوة أو نتحرش بالمساجين حتى نقوم بالتعذيب".

ولما سألته عن الأسباب رد قائلا:

"من أجل التخويف وعدم العودة للسجن مرة أخرى أو حتى للإنتقام وخاصة من العسكريين المتهمين بالإرهاب".

وفي إجابته عن سؤال حول المساجين الأكثر عرضة للتعذيب قال:

"الإرهابيون أو المتهمون بقضايا تتعلق بالإرهاب، حتى أنه لم يأت سجين من هذه الفئة لأجل غاية ما سواء إدارية أو تتعلق بمعاشه في السجن أو حتى من أجل طلب العلاج، فلن ينال شيئا بل يعود مهشم الضلوع".

وعن أساليب التعذيب يؤكد:

"نستعمل غالبا خراطيم المياه للضرب بعدما نصب الماء على ظهر السجين وصدره، ونعلقه في سقف الحمام من رجليه عاريا كيوم ولدته أمه... نتبادل الأدوار في تعذيبه، وفي بعض الأحيان الكهرباء وأخرى ما يسمى بطريقة الشيفون، أو المنع من النوم أو التعذيب بدس رأسه في حوض الماء ومنعه من التنفس، وهي الطرق التي لا تترك آثارا جسدية...".

هذا كان في سجن عسكري أغلب النزلاء به من العسكريين، ولكن ما الذي يحدث في السجون الأخرى التي تختلف فيه طبيعة الفئات النزيلة به من مدنيين بمختلف مشاربهم وطوائفهم؟ !!

"صقر" سجين...

ننتقل إلى سجن تبسة (الحدود الجزائرية التونسية) حيث يروي لنا مساجين سابقين عما يحدث من وراء جدرانه، فالكل يجمع على ذكر المساعد مرزوق-ع وما يفعله من تعذيب وحشي ومعاملة قاسية تتحدى حدود المعقول، لو وصل ذلك للمنظمات الدولية المهتمة بالشأن الإنساني لتمت متابعته في كل مكان... يروي لنا فداوي- م الذي قضى ثلاث سنوات كاملة في هذا السجن قصة مثيرة للغرابة، وتتعلق بسجين سموه "صقر"، كان عسكريا سابقا في القوات الخاصة الجزائرية، وعاش لسنوات في كتائب مكافحة الإرهاب وفي جبال الزبربر الملتهبة إبان الحرب الأهلية الجزائرية... يقول فداوي:

"عندما أدخل "صقر" السجن كان ذلك في آواخر 2000 حيث أتهم بالتشهير وتهديد عاهرة بصور، وهو كان يقسم بأغلظ الإيمان أنه لا علاقة له من قريب أو من بعيد بالقضية، فقد لفقت له من أجل سجنه...".

ثم يسترسل السجين السابق في روايته عما حدث له:

"... كان "صقر" متمردا بحكم طبيعة عمله السابق في القوات الخاصة، فلما إلتحق بنا في سجن تبسة وبالضبط في القاعة الخامسة، الأيام الأولى كان يرفض الإهانات والشتم غير المبرر من طرف الحراس، فغالبا ما يدخل علينا حارس ويسبنا جميعا بلا إستثناء ومن دون أي سبب، والويل كل الويل لمن يجرأ للرد عليه، في أحد المرات قام حارس وبال على المساجين من الأعلى، حيث أن الساحة مكتظة للغاية ولكل واحد الحق في بلاطة يجلس أو يقف بها، والساحة مغطاة بسياج من الأسلاك فوقف فوقها وبال علينا من دون سبب أو حتى يراعي حرمة إنسانيتنا، عندها غضب "صقر" وقام بسبه وشتمه، فنزل وجاء بمجموعة من الحراس ليخرجوه وضربوه جماعة، إلا أنه كان قوي البنية فإستطاع أن يسدد هو أيضا لكمات لبعضهم، ولما عجزوا أن يسقطوه أرضا وكانوا حوالي عشرة حراس، حمل أحدهم قضيبا حديديا وضربه على رأسه حتى سقط على الأرض صريعا وينزف دما، أخذوه معهم إلى الحمام وصبوا عليه الماء وراحوه يجلدوه بسلك كهربائي سميك من دون شفقة، تفنن المساعد مرزوق في تعذيبه...".

يتنهد وتنبعث زفراته ملتهبة كأن وجع المشهد قد هز أركان وجدانه ويسترسل:

"تركوه كل الليلة في الحمام صريعا والحنفية تضخ ماءها على جسده الجريح حتى صباح يوم الغد، ليطلب من سجينين إحضار بطانية وحملوه للقاعة وهو لا يزال فاقدا للوعي، بقي على هذه الحالة أكثر من خمسة أيام لا يأكل ولا يشرب ولا يكلم أحدا... بعدها إستفاق ولكن بقي في حالة غير طبيعية، حتى فاجأنا مرة وهو يطلي جسده بالبراز في المرحاض، يخيل له أنه ماء يغتسل به... كان موقفا مؤلما لنا جميعا، منعناه بإستعمال القوة وغسلنا له جسده، ثم طلبنا من الحارس أن يخرجوه للعيادة وعندما عرف هوية المريض قال متبجحا: أتركوه يموت... طبعا مع كلمات فاحشة بذيئة نتعفف من ذكرها...".

ثم يزيد:

"بدأ أمر "صقر" يتطور شيئا فشيئا وواصل إمتناعه عن الأكل والكلام حتى صار لا يستطيع الوقوف مما أجبرنا على إطعامه بالقوة، في يوم من الأيام طلب من أحد المساجين أن يعطيه سيجارة ففرحنا لما تكلم، أخذ عدة لفافات تبغ وأشعلها مرة واحدة ولما صارت ملتهبة أطفأها في جلد وجهه كمن يفعل ذلك بعقب سيجارة في المطفأة، ومن دون أن يتحرك أو يتألم، كان الموقف رهيبا فوجه الإنسان حساس للغاية، والرجل كأنه لم يفعل شيئا بل إبتسم مستمتعا بالجمر الذي أحرق وجهه...".

"... واصل على هذه الحال ففي البداية إستعمل خمسة لفافات وراح الأمر يتطور حتى بلغ أكثر من ثلاثين لفافة ملتهبة يطفؤها في وجهه من دون أن يتألم أو يتوجع، وتحول وجهه إلى حفر سوداء تنزف من التعفن الذي أصابها، لم يتوقف الأمر على وجهه بل صار يطفؤها فوق رموشه يريد أن يفقأ عينيه، الإدارة لم تدخل من أجل علاجه، بل صارت كلما يفعل ذلك يأخذونه إلى الحمام ويضربونه من دون شفقة، وأحيانا يحشون جراحه النازفة بالملح، لكنه ظل لا يأبه بذلك أبدا...".

ولما سألته عمن يقوم بتعذيبه أجاب:

"المساعد مرزوق-ع الذي كان رئيسا لدائرة الحيازة أو ما يعرف أيضا بالإحتباس، وإبن عمه العون مرزوق- ش وآخرين ممن لا يحملون في قلوبهم شفقة ولا رحمة".

أردنا أن نعرف مصيره فقال:

"بقي على هذا الحال سنة تقريبا مما إضطر الإدارة بتدخل من عائلته التي لم تراه كل تلك المدة فهو يرفض الخروج للزيارة، فأضطروا أن يتابعوه ولكن بحقن التنويم حتى صار يقضي أياما وهو يغط في نوم عميق، ولما يستيقظ يفعل بنفسه كما إعتاد... جاء موعد محاكمته فأخذوه إلى المحكمة وهو رث الثياب فقد رفض أن يلبس أي شيء، وعندما دخل على الجلسة راح يصرخ ويهجم على القضاة والمستشارين والمحامين، مما إضطر القاضي لرفع الجلسة، وأمر تحويله إلى مستشفى العثمانية (قسنطينة) لمعالجته والكشف عن طبيعة مرضه، عاد إلى السجن وواصل حرق وجهه وجسده وحتى أجهزته التناسلية لم تسلم، بعد حوالي شهرين تم نقله إلى المستشفى ثم عادوا به من دون أن نعرف ما فعلوا له، لكن في الدورة الجنائية الأخرى برمج للمرة الثانية مما أكد لنا ان المستشفى أمر بمحاكمته لسلامته العقلية وهذا أمر حيرنا فالرجل الذي يطفأ سيجارات بمعدل المئات في اليوم في أماكن حساسة للغاية من جسده ومن دون أن يتألم أو يتوجع مستحيل أنه في حالته الطبيعية، أتحدى الطبيب إن أخذوه بالفعل للمستشفى".

قاطعته متسائلانأن:

" ماذا تقصد بكلامك هذا؟".

فأجاب:

"إدارة السجن هي من تتحمل مسؤولية حالته، ولا أظن أن النائب العام يترك الأمور تمر عادية مما يورطهم جميعا، أنا متأكد أن جهة معينة تدخلت وحولت الأمور لغير صالحه، كأن طلبوا من الطبيب المعالج أن يحرر وصفة تثبت سلامته أو أنه لم يحول أصلا إلى العثمانية والقاضي قد تراجع في أمره".

وعن محاكمته الجديدة قال:

"مرت كسابقتها ولكن القاضي لم يكترث لصراخه وسبه لهم فحكم عليه بسبع سنوات نافذة، مما يوحي أن القضية شابها الشك والتلاعب بعدها تم نقله مباشرة إلى سجن عنابة، ومن ذلك الحين لم أسمع عنه شيئا، ولحد الساعة لم أنساه وأتمنى أن أعرف مصيره...".

الضابط والسياط... !!

يروي لنا الضابط الجزائري نوار عبدالمالك قصة تعذيبه مرتين، الأولى لما حاول الفرار إلى الخارج بوثائق هوية مزورة، والثانية لما أتهم من طرف الوزير ورئيس حركة حمس بوقرة سلطاني بالتآمر عليه، وقد تناولت وسائل الإعلام الجزائرية قصته... فقال:

"في سنة 1997 قدمت تقريرا للقيادة العسكرية عن الوزير بوقرة سلطاني وعلاقته بالأفغان الجزائريين، إلا أن نسخة منه تسربت إلى سلطاني فتوعدني بأن أدفع الثمن غاليا، بعد ذلك بفترة جاء أمر بوضعي في إجازة من دون سبب يذكر، فعرفت أن الحكاية ستتطور حتما وخاصة أنني كنت في صراع مع قيادتي العسكرية حول شؤون تنظيمية ومهنية وأخرى تتعلق بمكافحة الإرهاب، التي أقحم فيها الجيش ليحمي أصحاب النفوذ والمصالح، بقيت على ذلك الحال والإجازة مفتوحة فإتصلت بقيادات أعرفها غير أن الأمر إستقر في مطاف يهددني، لذلك قررت الفرار إلى الخارج وخاصة لما نشر كتاب الحرب القذرة للضابط سوايدية في فرنسا وتم إعتقالي من طرف المخابرات لعلاقتي الوثيقة بسوايدية وبالكتاب سواء في السجن العسكري بالبليدة أو فيما بعد... إنتحلت هوية أخرى وإستخرجت جواز سفر غير أن الحظ لم يحالفني وألقي علي القبض في الحدود الجزائرية التونسية، سلمتني مصالح الأمن إلى المخابرات حيث تم تعذيبي حتى صرت معوقا...".

وعن طريقة التعذيب يقول:

"في البداية إستعملوا معي طريقة الشيفون، حيث يغطون فمي وأنفي ويمنعونني من التنفس، وخرطوم يضخ المياه بقوة إلى داخلي حتى صار يخرج من دبري، وبعدها ربطوني من رجلي في قضيب مثبت في سقف الزنزانة وأبقى لساعات طوال على هذه الحال، الكهرباء أيضا في جهازي التناسلي، الصفع والبصق في وجهي وفي فمي أيضا بل يأمرونني أن أبلع ذلك... مرات أخرى يأخذون خرقة ويلطخونها بالبراز في المراحيض ويدسونها في فمي مبللة مما يضطرني لشرب ذلك الماء القذر، يتركونني عاريا في زنزانة مليئة بالماء فلا أجد مكانا أنام فيه... أيضا أخذوا مفك البراغي حاد وثقبوا به رجلي وبعدها يستعملون الزجاج في الجرح حتى يظل ينزف، مرة وضعوني في زنزانة صغيرة جدا تشبه الصندوق وبقيت ليلة كاملة وأنا واقف لا أستطيع الجلوس أو النوم... وسائل لا يمكن تخيلها".

وعن الأشخاص الذين تداولوا على تعذيبه قال:

"لم أراهم فأنا مغمض العينين ولا أسمع إلا أصواتهم، كانوا عنيفين للغاية، لا يعرفون الشفقة ولا الرحمة، همهم أن يصلوا إلى أشياء تجلب لهم رضا قيادتهم ولو كان ذلك على حساب إنسانية الآخرين، حتى ظننتهم مرتزقة تم إستيرادهم من وراء الحدود وليسوا أبناء عائلات شريفة وكريمة...".

أما حول تعذيبه في المرة الثانية، فقد جاءت على غرار حادثة القبض على المخدرات بسيارة وزير الدولة وزعيم حركة حمس الجزائرية بوقرة سلطاني، وكان بها شقيقه وأمين سره وكذلك نجله، وقيل أيضا أنه فيها البرلماني عبدالرزاق مقري الذي هو أيضا نائب لزعيم هذه الحركة، فأتهم الضابط برفقة السيناتور الحمسي هباز فريد والبرلماني أحمد الدان والبرلماني عبدالغفور سعدي وكلهم من الإسلاميين وتم توريط الصحفي أنيس رحماني أيضا(مدير تحرير صحيفة الشروق اليومي)، داهمت مصالح الدرك لمنطقة بني مسوس وبقيادة المساعد الأول ملوك - ف الذي كان صديقا لعائلة الوزير عندما عمل نائبا لرئيس فرقة الدرك الوطني بالشريعة (ولاية تبسة)، من حيث يتحدر الوزير والضابط أيضا، بعد التفتيش لم يعثرو إلا على كتابات روائية وأدبية وفكرية ألفها الضابط الذي هو بدوره كاتب وسمي من قبل بشاعر الجيش الجزائري، أقتيد إلى مقر الدرك ومن ثمة تم تعذيبه، لتلفق لهم تهما ثقيلة برأه منها القضاء بعد سنة كاملة في السجن، فيروي لنا مأساته قائلا:

"لما أدخلوني إلى المقر عاملني المساعد الأول ملوك فضيل معاملة وحشية من كلام فاحش وبذيء، وإستمر الأمر حتى بلغ درجة التعذيب، البداية كانت بالكلام ثم وصلت للفعل، حيث وضعوني عاريا في غرفة شديدة البرودة حتى أصير أرتعش ولما أطلب منهم توقيف المكيف، يحولونني إلى غرفة أخرى شديدة الحرارة، واجد نفسي وأنا مربوط على كرسي أتصفد عرقا، وكذلك منعي من النوم حيث يتداولون علي للتحقيق حتى الصباح، وعندما أتعب يحولونني إلى الزنزانة التي لا يوجد بها سوى الجدران وبلاطها بحيرة ماء، ربطي في كرسي وصب الماء البارد على رأسي في الليل لما أنعس، كذلك ربطوني في سلم وأقضي الساعات الطوال واقفا، إستعملوا الضغط على رجلي وهي معوقة، التهديد بتوريط أفراد من أسرتي وحتى صديقات لي كما فعل بالصحفية بالقناة الجزائرية الثالثة مريم صخري...".

ولما سألته:

"لأي سبب عذبوك؟ وكيف تتهم الوزير سلطاني بوقرة مباشرة؟"

أجاب:

"لو لم يكن الوزير لحوكم شقيقه ونجله وجرجروه هو للمحكمة من أجل سيارته، هذا إن كانت حكاية المخدرات حقيقة وليست مزاعما أريد منها رأسي فقط، أما إتهامي له مباشرة فقد سمعت الضابط بنفسي وهو يحدث شخصا عبر الهاتف، ويطلب منه أن يبلغ معالي الوزير بأن كل شيء على ما يرام وسوف أتحمل القضية بأي طريقة كانت، فضلا عن التهديدات التي تلقيتها من قبل...".

وقد تم إعتقال رضا-ع، في القضية نفسها وتعرض بدوره لأبشع أنواع التعذيب، حيث لما بلغه ما حدث لقريبه من طرف جيرانه، سأل عنه وعرف طريقه، ولكن لما وصل المقر الذي يتواجد به الضابط معتقلا، تم القبض عليه هو أيضا من طرف المساعد الأول ملوك- ف... ويسرد لنا قصته من خلال رسالة تحصلنا عليها تحمل توقيعه، وبعد الحديث عن البداية التي أوصلته إلى مخفر الدرك، ثم يعرض ما طلب منه من طرف الأعوان ورئيسهم المساعد الأول، وتمثل الأمر في شهادة ضد الضابط قريبه، غير أنه رفض ذلك مما دفع المساعد الأول إلى صفعه والأمر بتحويله إلى الزنزانة لأجل تعذيبه... يقول:

" ربطوني بسلم ممدد على الأرض بعد تعريتي من كل لباسي، وراح أحدهم يدخل قضيبا في دبري حتى أحسست بالغثيان من شدة الألم... وبعدها إستعملوا معي طريقة تسمى بالشيفون...".

وقد تحدثنا عنها من قبل، ليسترسل:

"وضعوا السلم على بطني وراح المساعد الأول يضغط عليه حتى أحس أن أحشائي بلغت فمي".

وأخرى:

"أحضر المساعد الأول خيطا وربط به ذكري وراح يضغط بشدة وأنا أصرخ أرتجي الرحمة...".

وأيضا:

"أخذوني إلى مغسل وأدخلوا رأسي فيه وهو مليء بالماء حتى أختنق وفعلوا ذلك أكثر من ساعة...".

هذه أهم النقاط التي تتعلق بموضوعنا وردت في شهادته التي تحصلنا على نسخة منها، وتوجد أخرى على مستوى الجمعية الكاثوليكية لمناهضة التعذيب بباريس وأرسل نسخة منها أيضا إلى منظمة العفو الدولية... الرسالة تحمل عنوان "شهادة على التعذيب"، موقعة من طرف صاحبها بتاريخ: 30-01-2007...

مشاهد أبوغريب في الحراش

هو عنوان مقال نشر بصحيفة الشروق اليومي في شهر فيفري 2006 لكاتبه الصحفي أنيس رحماني، وقد تحدث عن تعذيب سجين متهم بقضايا تتعلق بالإرهاب من طرف أحد الحراس ويسمى بالمساعد الخير –بتشديد الياء-، وكانت محاميته الأستاذة بومرداسي حسيبة، التي من خلالها تم تسريب الحادثة للصحافة، مما دفع المدير بفتح تحقيق لكن القضية إنتهت بمجرد الإفراج عن المعني في إطار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وتقلد الحارس منصبه من جديد وأوكلت له صلاحيات أخرى أكثر مما كان عليه من قبل، ومما حدث له أنه لما عاد من التحقيق طلب منه أحد الأعوان أن يتعرى كاملا وهذا الذي يرفضه الإسلاميون عبر السجون، مما دفع بالمساعد الخير إلى التدخل وإستعمال العنف معه، حيث جرده من ملابسه وأمره أن يحبو وهو خلفه يدخل العصا في دبره، ويقهقهون على حالته... روى لنا هذه القصة السجين بوزينة-ع الذي كان شاهد عيان في ذلك اليوم...

مما يرويه لنا السجين الإسلامي السابق بلخيرة - ر والذي قضى سنوات سجينا، وأفرج عنه في إطار المصالحة الجزائرية، أنه عاش فترات طويلة وبعدة سجون من الحراش إلى سركاجي، البرواقية، البويرة، قسنطينة، عنابة... ففي سنوات الجمر كما تسمى كانت إدارات السجون تعلن حربها على الإسلاميين، فكلما حدثت عملية خارج السجن كإنفجار سيارة مفخخة أو كمين لقوات الأمن أو غيرها، يأتي الإنتقام منهم في السجن، أحيانا يتم جمعهم في الساحة وتجريدهم من ملابسهم تحت رعاية القوات الخاصة أو قوات من الدرك، وأخرى الضرب بالعصا في باب القاعة عند خروجهم فتجد الدماء تسيل حتى يخيل أن المكان صار مذبحا، ويذكر لنا السجين السابق خنافيف-أ أنه في سجن سركاجي إذا تقدم أحد من الحارس ويطلب منه نقله للعيادة بسبب مرض، يكون رد الحارس متسائلا عن نوع المرض، فإن أجابه مثلا أنه يحس بآلام في قلبه، يأمره أن يجثو على قدميه ويركله بقوة على صدره حتى يسقط على الأرض... وأحيانا أخرى يقوم أفراد من المخابرات بزيارة السجن ويستدعى سجينا إلى العيادة على أساس أن الطبيب يطلبه لأمر ما، لكن يجد في إنتظاره شيء آخر، حيث يستعملون معه كل الطرق البشعة من شيفون وكهرباء... ثم يتركونه صريعا ليتم حمله في بطانية ورميه في قاعته، فيقضي أسابيعا وهو لا يقدر على المشي، وهذا ما حدث مثلا للدكتور بحرون - م، وهو منطقة أولاد فايت بالعاصمة الجزائرية، قضى حوالي تسع سنوات بسجن البرواقية وأفرج عنه في إطار المصالحة، وقد سبب له التعذيب مرضا مزمنا وأجريت له أربع عمليات جراحية... الأمر نفسه حدث للسجينين سعادو إلياس ومرابط محمد المدعو كمال، والذين تم إخراجهما من سجن الحراش من طرف أعوان المخابرات التابعة لثكنة حيدرة، هذا بعدما قبض على شريكهم شمامي مراد في عملية السطو المسلح على بنك البركة ببئر خادم، وقد أعيدا إلى السجن في حالة رثة للغاية... وقد روى لنا سجين آخر على لسان حميد مباركي وهو المتهم الرئيسي في ما يعرف بقضية سركاجي التي وقعت في شهر فبراير 1995، حيث تم خصيه على طاولة التعذيب وهو لحد الساعة متواجد بسجن لامبيز ولم يتم الإفراج عنه، كان محكوما عليه بالإعدام وتم تخفيض العقوبة إلى المؤبد بتاريخ: 03 أبريل 2001 فيقول السجين السابق بوشمة-ح الذي كان محكوما عليه بالمؤبد وقضى سنوات بسجن الحراش، وقد طلب منا نشر كلامه وفاءا لعهد أعطاه لمباركي من قبل:

"فيما يخص التعذيب فكل متهم بقضية تتعلق بالإرهاب يتم تعذيبه بطرق بشعة، حتى صارت كلمة التعذيب ملازمة للإرهاب، أما بالنسبة لحميد مباركي الذي قضيت معه فترة بسجن الحراش وفي قاعة واحدة قبل تحويله لسجن الشلف في شهر أوت من عام 2005 بعد الإضراب عن الطعام بسبب وفاة زميل لنا، فهو يعاني من الخصي التام ولا يملك أدنى شعور الذي يملكه أي رجل من الناحية الغريزية طبعا، ويعاني من آلام فضيعة دائما، وخصيه تم من طرف المخابرات، حيث عذب بالكهرباء الذي يتم توصيله بذكره وفيما بعد الضرب بالركل عليه حتى فقده تماما...".

في سجن الحراش تمارس كل أنواع التعذيب وخاصة من أعوان وضباط يردد المساجين أسماءهم بكثرة، ومن بينهم نجد الضابط العمري والعون رشيد والضابط عمر... فهم يستعملون أساليب بشعة من أجل إرهاب المساجين، ومن بين ما يرويه لنا سجين الحق العام وإسمه شعبان - م أن الضابط العمري يأمر المساجين الذين يعذبهم بممارسة اللواط على بعضهم، وعلى مرآى بقية المساجين، وهي عملية إذلال لا مثيل لها أبدا... نكتفي بهذا لأننا لو إسترسلنا فيما يحدث لكتبنا مجلدات لا نهاية لها.

ومما يحفظه الكثيرون ويرددونه في كل مجالسهم أو سمرهم مواقف علي بن حاج الرجل الثاني في جبهة الإنقاذ المحظورة، لما سجن بالحراش في: 04-08-2005 على خلفية تصريحاته لقناة الجزيرة القطرية، وأودع الزنزانة الرابعة في جناح العزلة والمخصص للمحكوم عليهم بالإعدام، وتوجد بها أيضا زنازين خاصة بالأشخاص المعاقبين من طرف إدارة السجن... أنه لما يقوم الأعوان بإستخراج أي سجين من زنزانته وضربه فيتسلل بكاؤه إلى بن حاج، تجده يندفع طارقا الباب بقوة ويطلب غالبا حضور المدير فورا، وهذا الذي لا يتخلف أبدا نظرا لطبيعة السجين السياسية، فيدفع ذلك الموقف إلى نجاة الشخص المعاقب من ليلة سوداء تحت سياط حراس برتب سفاحين نقولها بلا تردد... هذا الذي أجبر الإدارة إلى إصدار تعليمة داخلية مفادها أنه في حالة ضرب سجين يجب نقله بعيدا عن الجناح، حتى يتفادون مواقف علي بن حاج التي قد يوصلها إلى وسائل الإعلام... وفي مرات أخر لما يتنقل إلى العيادة أو المحامي ويجد في طريقه سجينا يضرب من طرف حارس يتدخل ويحتج إحتجاجا كبيرا، بل يردد كلمة إشتهرت له في السجن: "ربوا أبناءكم أولا"، وقد سبب ذلك متاعبا للإدارة في مواجهة غضب المساجين أو إنتفاضاتهم المتكررة أو ما يعرف بلفظ محلي داخلي "التعراش" ويتمثل في صعود المسجون ورفاقه الذين يساندوه فوق سقف الساحات، ويقومون بتقطيع أجسادهم بوسائل حادة تدخلهم غالبا إلى المستشفيات، وما يأتي ذلك إلا بسبب الضرب والإهانات والتعذيب، ومرات أخر حتى نكون موضوعيين بسبب الحبوب المهلوسة التي تسرب للزنازين من طرف الحراس الذين وجدوا فيها تجارة مربحة ...

بعيدا عن الشمس !!!

التعذيب في مخافر الأمن أو المخابرات لا يمكن وصفه، ففي منطقة حيدرة حيث تتواجد ثكنة عسكرية تابعة للمخابرات، وكذلك في منطقة بن عكنون أيضا، الزنازين تحت الأرض ولا تصل إليها أشعة الشمس، بل يوجد مساجين يقضون السنوات ولا أحد يعلم بهم من آهاليهم أو مصالح القضاء، فهي زنازين سرية تخضع لسلطة المخابرات بعيدة عن أعين القضاء أو سلطة الدولة، فكل سجين يمر على تلك الثكنات تجده يعاني من أمراض مزمنة، أو أنه مصاب بداء نفسي لما يسمعه أو تراه عينه أو يتعرض له هو بنفسه، وهذا مؤكد لا يختلف فيه إثنان أبدا... ومما يمكن أن نرويه على سبيل المثال لا الحصر ما حدث للسجين خ-أحمد والمعروف بالشيخ داود سلمته فرنسا للجزائر في ماي 2006 بعدما قضى أكثر من ثلاث سنوات في سجن باريسي، وكان متهما بتدبير إغتيال الزعيم الأفغاني أحمد شاه مسعود، تم تعذيبه في زنزانة تحت الأرض بحيدرة، وفي اليوم الذي أودع السجن كانت أذنه تنزف دما وجسده كله أزرق اللون، لا يستطيع الحركة وقضى أياما في حال لا يمكن وصفها، وصل به الحال إلى فقدان السمع نهائيا... وكذلك السجين السابق حمدي باشا- س الذي يعاني من مرض في العمود الفقري حيث لا يستطيع النوم على ظهره، وقد كان هذا الأخير مقيما في أمريكا وهو متحصل على شهادة جامعية في الإعلام الآلي وتربطه علاقة وثيقة بأنور هدام وكذلك مراد دهينة وهما من قيادات جبهة الإنقاذ المحظورة، حكم عليه بخمس سنوات قضاها كاملة بتهمة رددتها وسائل الإعلام وأعتبر عضوا نشيطا في جماعة الفدا المحسوبة على تيار ما كان يسمى بالجزأرة وزعيمه التاريخي محمد السعيد... السجين السابق مخلوفي-أ والذي توبع في قضية الطرف فيها نورالدين بوضيافي أمير الجيا والموقوف حاليا في الجزائر، يروي لنا مما تعرض له رفقة آخرين منهم شقيقه في زنازين المخابرات، فمن الأساليب المعروفة والمتدوالة كالكهرباء والشيفون والمنع من النوم والحبوب المهلوسة وحقن المخدرات، توجد أيضا طريقة إبتكروها وهي إعطاء الموقوف كمية كبيرة من الأكل ويأمرونه تحت التهديد بأكلها كاملة، وإن ترك منها شيئا فما تسمى بالغرفة السوداء هي مصيره، فتجد السجين ينفذ الآوامر وفيما بعد لا يفتح عليه الباب من أجل الذهاب إلى المرحاض، وإن فعل شيئا بزنزانته فسوف يكون وجبته الجديدة، أمر بالفعل مقزز وتعاف النفس من الإسترسال فيه... بل روى لنا أيضا أنه رأى مساجين في صور تشبه صور أصحاب الكهف قضوا سنوات عديدة في تلك الزنازين ولا أحد يعرف مصيرهم ولا أسماءهم ولا هم يذكرون الزمن أو التاريخ، ربما يكونون في عداد المفقودين الذين دفعت السلطة لذويهم في إطار مصالحة مزيفة أموالا، ومن دون أن تكلف نفسها عناء البحث الجدي...

السجين السابق قليل لخضر –الذي طلب منا نشر إسمه - من نواحي ولاية الجلفة (الجنوب الغربي) كان سائق سيارة أجرة، في أحد المرات جاءه أشخاص وطلبوا منه أن يوصلهم إلى مكان ما ولم يكن سوى ولاية غرداية، وبحكم عمله لب الطلب، غير أنه بعد أشهر تم إعتقاله بتهمة مساعدة إرهابيين على التنقل وتهريب أسلحة، أخبرهم أنه بالفعل أوصل أشخاصا لكنه لم يكن يعرف أنهم إرهابيين، وليست من صلاحياته تفتيش حقائب المسافرين والزبائن، إلا أن ضابط الدرك الجزائري لولاية الجلفة طلب منه مبلغا من المال مقابل الإفراج عنه، فرفض ذلك على أساس أنه ليس متهما ولا علاقة له بالإرهاب من قريب أو من بعيد على حد قوله، لذلك أمر بتعذيبه أشد التعذيب وبطرق بشعة حتى فقد ذراعه اليمنى، لأنه كان مريضا بداء السكري وسبب ذلك تعفنا في كتفه من جراء المسامير التي دقها الجلادون في عظامه... قضى أكثر من ثمان سنوات بين سجن الشلف والبليدة والحراش، أفرج عنه بتاريخ: 06-04-2006 وقد تجاوز داءه مرحلة متقدمة من الخطورة...

بربرية لا عدالة لها

هذا البعض والقليل جدا من الملفات التي لو تتبعناها لقضينا العمر كله ونحن ندون ما حدث للكثيرين، بينهم مذنبين حقيقة القانون كفيل بهم، ولكن يوجد أيضا أبرياء وما أكثرهم في المزادات اللإنسانية المعاصرة، ونحن نعرف أننا سنتهم بالكذب والتلفيق وتلطيخ صورة الجزائر كما فعل بنا من قبل، وربما بالعمالة للأجنبي وهي عادة الأنظمة المستبدة التي تريد تبرير تجاوزاتها المشينة عندما يكتشف أمرها، وهي أفعال أقل ما يقال عنها أنها إجرامية، فقد جرمها قانون صادقوا جميعا عليه، لست أدري هل قرأوا ما فيه من بنود أم فعلوا ذلك إرضاء للغير ورغبة في الأضواء... لقد منعت المادة الثالثة المشتركة في إتفاقيات جنيف لعام 1977 الإعتداء على الحياة وسلامة الجسد وخاصة القتل بكافة أشكاله، البتر، المعاملة اللإنسانية، التعذيب والتنكيل، وكذلك نجد أنه محرم الإعتداء على كرامة الأشخاص وخاصة المعاملة المهينة والمذلة... فبعد ما رويناه عن أناس بسطاء على غير عادة الآخرين الذين لا يكلفون أنفسهم عناء الدفاع أو الكتابة سوى على المشاهير أو ما يعرف عندهم بالشخصيات الكبيرة التي طبعا لا تتعرض لكل تلك البشاعة، ربما إن حبسوه في فندق من خمسة نجوم أعتبر إعتداء على حقوق الإنسان، أما ما يحدث لطبقات بسيطة وفقيرة لا حول لها ولا قوة فهو يدخل في أطر تبررها تارة المصلحة العامة وأخرى العدالة التي تنتهك بمراسيمها حقوق الإنسان جهارا، فأين العقوبات الجزائية الملزمة التي أقرتها المادة 146 من الإتفاقية التي ذكرناها آنفا؟

لقد حاولنا أن نكون مهنيين إلى أبعد الحدود غير أن ما رأيناه بعيوننا أو وصلنا عن طريق الآخرين دفعنا إلى أن نبرز تعاطفنا الشديد مع هؤلاء الضحايا، وديدننا منذ أن وعينا الدور المنوط بنا كبشر أولا وإعلامين أخيرا، هو الدفاع عن حقوق الإنسان مهما كان الإنتماء أو الهوية بعيدا عن التعصب الأعمى والمقيت والتجريح غير المبرر، ونغتنم الفرصة لنطالب المنظمات الدولية التحرك من أجل إستعادة حقوق هؤلاء، وقمع من تسول له نفسه تكرار جرمه، ربما آخرون سوف يتبجحون بأن المصالحة قد طوت كل شيء، والماضي ذهب لحاله، غير أننا نؤكد أنه الحق في الحياة وفي الحرية وفي المساواة وفي العدالة والكرامة والعيش و... ونحن نؤمن تمام اليقين على أنه لا يجوز الإفلات من العقاب أبدا بسياسات تلجأ لها الأنظمة حتى تطوي صفحاتها السوداء والدموية، وإن كانت الأمم المتحدة أكدت في كثير من قراراتها المتكررة وشددت أكثر فيها على أنه يتوجب تحميل المسؤولية كاملة ومعاقبة العقاب الشديد كل من يشجعون أفعال التعذيب أو يأمرون بها أو يتساهلون بشأنها أو يرتكبونها، وقد وجدنا فيما تحدثنا عنه ما يوافق كل المقررات الدولية، فهل من مجيب لإستغاثات تستنجد من تحت مخالب بربرية لا ترحم؟!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكومة البريطانية تلاحق طالبي اللجوء لترحيلهم إلى رواندا


.. هل كانت المثلية موجودة في الثقافات العربية؟ | ببساطة مع 3




.. Saudi Arabia’s authorities must immediately and unconditiona


.. اعتقال 300 شخص في جامعة كولومبيا الأمريكية من المؤيدين للفلس




.. ماذا أضافت زيارة بلينكن السابعة لإسرائيل لصفقة التبادل وملف