الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العالم أجمل دون نظارات ......... قصة قصيرة

عبدالحسين الساعدي

2007 / 9 / 15
الادب والفن


أخذت حُزمةُ الضوءِ الداخلةُ عَبر دلفة الشباك الموارب بأتجاه الشرق تلفح خده ، أخذ يتململ في فراشه وكأنه يحاول أن يتخلص من رقدته التي لم تجلب له سوى كوابيس مزعجة ، ظن إن ما ألتهمه بشراهة من طعام في أكلة المساء كانت هي السبب وراء تلك الكوابيس ، حاول أكثر من مرة أن يرجع الى نومه بيد أن قوة خفية كانت تلح عليه بالنهوض ، مد يده يتحسس خده ويمسح جبينه وكأنه يريد قياس حرارة جسمه خوفاً من أن يكون قد أخذ برداً في أثناء الليل ، جو الغرفة كان بارداً فقد نسي أن يغلق النافذة ، كان يرقب السماء من خلال فتحة الشباك الموارب ، حينها أسترسل بأفكاره دون هدى فثمة ألم قاس يضغط على صدره لايعرف مصدره وسببه ، جال ببصره في فضاء الغرفة ، لم يركز على ماحوله ، مد يده الى طاولة كانت بجوار السرير ليمسك بنظارته ، أصطدمت أصابعة بكأس الماء الموجود على الطاولة فآندلقت الكأس فوق السجاد المفروش على أرضية الغرفة :
ـــ يا لحظي النحس يا ليومي المشؤوم ..... قالها في داخله ..
حاول مرة أخرى أن يمسك بذراع النظارة الطبية :
ـــ أوه أوه لا تنكسري هذا ليس وقتك ، فأنا غير قادر على رؤية الأشياء بدونك
لقد أعتاد على لبس النظارة منذ زمن بعيد ، لايعرف بالتحديد متى كان ذلك ، فمنذ وقت مبكر وجد هذه النظارة وهي لصيقة على وجهه ، كان ينظر من خلف زجاجها الشفيف والمتسخ دوماً من كثرة دفعها بأستمرار الى الخلف خشية السقوط بواسطة سبابته والأبهام ، لم يكن مبالياً بتنظيفها أبدا ، فقد أجبر عليها دون رغبة منه ، كان يفضل رؤية الأشياء كما هي بحجومها وأشكالها وألوانها .
حاول جاهدا أن يركز النظارة في أعلى منخريه وتحت الحاجبين وكأنه يلصقها لصقاً :
ـــ يا للهول ماذا جرى للأشياء من حولي فأنها تبدو بلون واحد لون رمادي شاحب
مد السبابة والأبهام من تحت الزجاج ليفرك عينيه ويزيح القذى من مآقي عينيه والذي قد يسبب له هذه الغشاوة ، لكن دون جدوىمن ذلك ، فاللون الذي يشاهده هو هو .... نهض من فراشه ووقف بوسط الغرفة وهو ينقل بصره على محتويات الغرفة فأذا هي بلون رمادي ، حاول أن يكذب عينيه ، لكن دون جدوى ...، أخذ يجر خطاه الى المغاسل بخطوات ثقيلة ، بحلق في المرآة ليرى الصورة المنعكسة فوقها ، فأذا هي الأخرى رمادية ، وحتى صنبور الماء أكتسب اللون ذاته ، حاول أن يقنع نفسه إنه في حلم أوحالة من الهلوسة أو شيء من هذا القبيل لكن...
نظر الى الساعة الجدارية التي بدا رقاصها متدلياً ومشيراً الى الساعة السابعة والنصف صباحاً :
ــــ أوه يا ألهي لقد تأخرت ، اليوم هو السبت وثمة زحمة سير
ففي هذا الوقت من كل يوم تكون ساعة الذروة الصباحية وكثيراً ما كانت سبباً وراء تأخره عن الألتحاق في الدوام بدائرته حسب التوقيتات الرسمية ، وكثيرا ما كان يقف متذمرا أمام موظف الأستعلامات ، ذلك البليد ذي الوجه الشاحب والأسنان الصفراء التي تتخللها بقايا الطعام مبرراً له أسباب التأخير ولكن دون فائدة ، فيجد أسمه ضمن قائمة المتأخرين .
بعد عناء كبير في ترتيب وضعة وجد نفسه على ناصية الشارع الفرعي المحاذي للبيت ، وأخذ يمشي الهوينا كعادته كل صباح حتى يصل الى الشارع العام لينتظر الباص الخاص بنقل الموظفين الى مكان العمل ، أخذ يسأل نفسه :
ـــ مالي أرى الأشياء بلون واحد يبدو أنني أصبت بعمى الألوان ، أو أرتفاع ضغظ الدم ، فسبب لي هذا العمى ، وأربك حالتي الصحية ؟
توقف الباص و خلفة تتطاير ذرات التراب التي تخلفها الأطارات
ـــ حتى الباص يبدو هو الآخر رمادياً !!!
قالها وهو غير مقتنع بما يحدث من حوله هذا اليوم ، أخذ يعد العمارات المشتولة كأعجاز نخل على جانبي الطريق الواحدة تلو الأخرى ، لاحت من بعيد المقهى التي يرتادها أصدقاءه ( الثلة التعبانة ) كما يحلو له أن يسميها ، وقد لفتها هالة من الدخان والأتربة حتى حالتها الى رمادية الشكل ، ضاق ذرعا من المشاهد الرمادية حد الغثيان ، فكر أن يعود أدراجه الى البيت ، فهو اليوم على غير عادته ، بيد أنه خاف أن تعاوده أفكاره التي جثمت على صدرة من قبل ، ترجل من الباص ، تردد قبل الدخول الى الدائرة ، وبحركة لا شعورية وبنفور حاد ، ألتف بجسده بحركة دورانية الى الخلف ليتفحص ويتأكد مما حوله ، أهتزت على أثرها النظارة فوق أنفه حاول أن يمسكها ويمنع سقوطها نحو الأرض ولكن عبثاً حاول ، فزع للوهلة الأولى وهو يشاهدها ترتطم بالبلاط فيتهشم زجاجها ، لتتحول الى شظايا متناثرة ، أحس بالدوران يسيطر عليه ويطوح برأسه حاول جاهداً السيطرة على جسده الناحل ، وبعد إن أبدى مقاومة عنيدة أستقر جسده الهزيل على جدار البناية ، رفع نظره الى الأعلى وأخذ ينظر يمنة ويسرة ، شاهد الألوان تعود تدريجيا الى الأشياء التي كانت لوقت قريب تبدو رمادية ، هاهي الأشجار باسقة خضراء نضرة ، والسماء زرقاء صافية ، وحتى بلاطات الرصيف ملونة مرصوفة بشكل هندسي جميل ، وهناك العمارات تصطف بأنتظام وبألوان قشيبة هي أشبه ما تكون بقوس قزح ، والغريب أيضا أن ملابس رجل المرور التي كانت حتى وقت قريب رمادية تبدو الآن بيضاء ناصعة هي الأخرى ، أدرك الآن إن سبب تلك الغشاوة على عينيه وعمى الألوان الذي أنتابه هو النظارات اللعينة التي أرغم عليها ، وحينها فقط أدرك أن العالم جميل ، لكن دون نظارات ، أبتسم أبتسامة عريضة ملء شدقيه ، أندفع مسرعا الى داخل بناية الدائرة قبل أن يرصده موظف الأستعلامات ذو الوجه الشاحب والأسنان الصفراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي: -أكفان كروننبرغ- على البساط الأحمر


.. فنان أمريكي يُصدر أغنية بصوته من جديد بعد أن فقد صوته بسبب س




.. -الكل يحب تودا- فيلم لنبيل عيوش يعالج معاناة الشيخات في المغ


.. حصريا.. مراسل #صباح_العربية مع السعفة الذهبية قبل أن تقدم لل




.. الممثل والمخرج الأمريكي كيفن كوستنر يعرض فيلمه -الأفق: ملحمة