الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حريق في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة

ثائر دوري

2003 / 10 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


         
د. ثائر دوري
إن الأحداث الهائلة التي تمر بها منطقتنا العربية يجب أن لا تبعدنا عن متابعة ما يجري في بقية أنحاء العالم ، لأن العالم مترابط و ما يجري في أمريكا اللاتينية يؤثر على منطقتنا و على آسيا أفريقيا و بالعكس . كما أن ذلك يمنحنا نظرة شاملة إلى النظام المرابي العالمي فتظهر لنا الصورة كاملة و هي أن كل البشرية تعاني من هذا النظام و أنها بدأت بالتمرد عليه و هذا يصلب أقدامنا أكثر في مقاومته .
هذه المرة بدأ الحريق يشتعل في بوليفيا الواقعة في أمريكا اللاتينية و التي يطلق عليها،  كقارة ، اسم الحديقة الخلفية للولايات المتحدة . بمعنى أنها ضمن الفضاء السياسي و الاقتصادي الذي يخص الولايات المتحدة تماماً . و من المعروف أن مبدأ مونرو الذي تطبقه الولايات المتحدة الأمريكية منذ السبعينيات على منطقتنا العربية ، و ينص على أن هذه المنطقة مغلقة للولايات المتحدة فقط . و لا يحق للقوى الدولية الأخرى كالأوربيين و اليابانيين و الروس ، التدخل في شؤونها إلا بمقدار ما تحدده الولايات المتحدة الأمريكية . كما انه لا يحق للقوى المحلية أن تفعل ذلك ، بمعنى انه لا يحق للشعوب في منطقتنا أن تتدخل بإدارة شؤونها .
من المعلوم أن هذا المبدأ أول ما طبق على أمريكا اللاتينية خلال القرن التاسع عشر . فتم طرد الإسبان من المنطقة و منع الانكليز و الفرنسيون من التدخل . و لا حقا منع الإتحاد السوفييتي . و بالطبع لا يحق لشعوب هذه المنطقة أن تقرر مصيرها أو طريقة حياتها . لكن مقاومة المشروع الأمريكي في تلك المنطقة لم تتوقف فتدخلت الولايات المتحدة عدة مرات إما بشكل مباشر بأساطيلها ، أو عبر المؤامرات و تدبير الانقلابات العسكرية ، أو عبر افتعال حروب أهلية .
شكل نجاح الثورة الكوبية نقطة تحول حاسمة في مصير القارة الأمريكية ككل . فقد كانت أول محاولة تمرد يكتب لها النجاح الطويل ، حيث استطاعت الاستمرار أكثر من أربعة عقود . و بنت مجتمعاً على أسس اقتصادية و اجتماعية جديدة و لم تتوقف عن تحدي الولايات المتحدة و مساعدة شعوب العالم الثالث و خاصة في افريقيا و أمريكا اللاتينية . أدرك الأمريكان أن المعركة مع كوبا معركة حاسمة رغم صغر حجم كوبا و قلة مواردها ، لأنها تقدم للعالم و خاصة للجيران اللاتينيين النموذج الذي يجب إتباعه ، و الأمريكان يعتقدون كثيراً بنظرية ، التفاحة الفاسدة التي تفسد الصندوق بأكمله ، لذلك كان لا بد من التعامل بكل الأساليب مع النموذج الكوبي . فكانت محولات الغزو العسكري ، و التخريب الاقتصادي و محاولات اغتيال القادة و اختراق المجتمع و الحصار الاقتصادي . لكن كل ذلك فشل و بقيت كوبا صامدة تقدم النموذج .
و خلال التسعينات و بينما الأمريكان يحسبون الوقت اللازم لسقوط كوبا بدون حرب بعد انهيار الإتحاد السوفييتي ، و قد ظنوه أياماً أو ربما ساعات ، في هذا الجو صعد إلى السلطة في فنزويلا  ضابط مسرح من الجيش بعد محاولته القيام بانقلاب عسكري فاشل ،  و بطريقة ديمقراطية . و ما لبث هذا الضابط أن بدأ يتحدث بلهجة لم تعهدها الولايات المتحدة في حديقتها الخلفية ، فقد بدأ تحداها بسياسته الداخلية القائمة على وضع مصلحة الفقراء أولاً و محاربة الاحتكارات المعولمة ، وأعاد التنسيق إلى داخل منظمة اوبك للحفاظ على سعر عادل لبرميل البترول . و قام بخطوة أصابت الولايات المتحدة الأمريكية بالعصبية فقد خرق الحصار المفروض على العراق ليكون أول رئيس دولة يفعل ذلك .
حسب الأمريكان أن التعامل مع هذا الرئيس سهل فانقلاب عسكري كفيل بحل المشكلة كما حلها بينوشت في تشيلي من قبل . لكن الانقلاب فشل بفضل الجماهير التي نزلت إلى الشوارع مساندة الرئيس هوغو شافيز ، و بفضل انحياز جزء من المؤسسة العسكرية إلى شعبها فعاد الرئيس أقوى مما سبق . ثم فشل الإضراب الاقتصادي  و البترولي الذي شل البلد و دفعها إلى حافة الهاوية و يبدو أن فنزويلا قد اجتازت العتبة و انطلق شافيز في برنامجه .
و كرت سبحة الهزائم الأمريكية في حديقتها اللاتينية فانهار النموذج الليبرالي المعولم في الأرجنتين معلناً الفشل الصارخ لهذا النموذج ، و أنه لا يؤدي سوى للكوارث . و كرت الإكوادور وراء الأرجنتين . و في البرازيل ، عملاق القارة ، صعد إلى السلطة رئيس يساري منتخب يتبنى برامج تنحاز إلى الفقراء في حدث نادر في تاريخ هذا البلد .
 و الآن جاء الدور على بوليفيا أفقر بلدان هذه القارة حيث دمرتها ثلاث قرون من الغزو الغربي و العولمة الرأسمالية ، فقد استنزفت ثرواتها المنجمية بالاستغلال الجائر و ما بقي لها من ثروات يتعرض لاستغلال جائر .
بدأ التمرد الشعبي في هذا البلد قبل ثلاثة أسابيع ، و كانت الشرارة عقود تصدير الغاز التي وقعتها الحكومة مع الشركات متعددة الجنسيات ، فمن أصل 1300 مليون دولار، هي قيمة الغاز المصدر ، سيعود للخزينة البوليفية فقط 70 مليون دولار !!
اندلع إضراب عام و بدأ الفلاحون بقطع الطرقات في البلاد و زجت الحكومة بالجيش في الصراع فجرت عملية قمع دامية لكنها لم تستطع إنهاء الإضراب الذي يشترك به نقابيون و عمال و فلاحون و بعض رجالات الكنيسة و منظمات السكان الأصليين و الدفاع عن حقوق الإنسان . و الأمور مرشحة للتصعيد خاصة بعد انضمام نائب الرئيس إلى جانب المضربين .
يدرك جميع سكان العالم اليوم أن الخلاص من هذا النظام الرأسمالي العبودي هو مفتاح إعادة بناء الحياة على أسس أكثر عدالة و تحترم التعدد الثقافي للشعوب . أما الولايات المتحدة فهي تدرك أكثر من أي وقت مضى أنها تدخل بمعادلة صفرية مع شعوب العالم لا تقبل أي حل آخر ، فإما أن يكون صفر في طرفها أو صفر في طرف شعوب العالم . لذلك نراها أكثر شراسة و عدوانية و تستنفر كل نزعاتها الحربية فهي تحس أن العالم قد بدأ يفلت من يديها و إن حدث هذا فستنهار حتماً . لكن بالتأكيد المستقبل سيكون للشعوب و أمتنا العربية من هذه الشعوب .
ملاحظة : بعد انتهائي من كتابة هذا المقال تواردت الخبار باستقالة الرئيس البوليفي و تولي نائبه السلطة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الأمريكي يعلن إسقاط صاروخين باليستيين من اليمن استهدفا


.. وفا: قصف إسرائيلي مكثف على رفح ودير البلح ومخيم البريج والنص




.. حزب الله يقول إنه استهدف ثكنة إسرائيلية في الجولان بمسيرات


.. الحوثيون يعلنون تنفيذ 6 عمليات بالمسيرات والصواريخ والقوات ا




.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً