الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في حوار مع القاص والشاعر الدانماركي نيلس هاو: -أن نشعر بالوحدة ونحن ستة ملايير نسمة على هذا الكوكب أمر مثير للسخرية-

محمد سعيد الريحاني
أديب وباحث في دراسات الترجمة

(Mohamed Said Raihani)

2007 / 9 / 16
مقابلات و حوارات


أجرى الحوار: محمد سعيد الريحاني

تقديم:
زمن صراع الحضارات والأديان هو أيضا زمن تقارب الشعوب والثقافات. فما يميز التاريخ الثقافي الحديث هو تواصل الشعوب والمثقفين فوق ظهور السياسيين والحكام ودعاة القطيعة والصدام والتصادم. في هذا اللقاء الأدبي، نحاور شاعرا وقاصا وإنسانا شهما بقلب ساخن رغم أن إقامته في بلاد الصقيع، الدانمرك: نيلس هاو. نسائله عن مشواره الأدبي وعن قراءاته وعلاقته بالآخر العربي وعن العالم كما يراه.


محمد سعيد الريحاني: حين يسأل القارئ عن مضمون قصيدة أو ديوان شعري، ينصحه الشاعر بقراءته بنفسه لما في القراءة من نجاعة في فهم النص وإنتاج نصوص أخرى موازية من خلال التفكيك والتركيب. لكن حين يتعلق الأمر بالتنقيب في مسار الشاعر ذاته، آنذاك يفرك القارئ يديه استعدادا للحظوة بشرف لن يستطيع الشاعر صرفه عن الظفر به.



نيلس هاو: هذا أسلوب طريف في تقديم سؤال افتتاحي رفيع. احتراماتي! دخلت عالم الكتابة مند سنوات ونسيت تقريبا السبب الذي من أجله بدأت الكتابة. فقط بطرحك هذا السؤال تذكرت أولى الأسباب: بدأت الكتابة لتقديم ذاتي ، لأكتشف ماذا يجري ولأعبر عنه بكلماتي الشخصية. ولا زال هذا هو طموحي العميق والمقلق: أن أجد الكلمات المناسبة التي يسمونها إلهاما.

لذلك، فجوابي على سؤالك سيكون: نصوصي الشعرية والسردية هي التقديم الصادق الوحيد الذي يمكنه رسم معالم حضوري ورؤاي.

ولدت ككل الناس وكان لي أبا وأما وإخوة واخوات.

مشواري ككاتب بدأ مع مشواري كقارئ. فقد حفرت طريقي عبر بوابة الأدب الدانماركي الكلاسيكي بحثا عن الكلمات لمشاعر الحياة داخلي.



محمد سعيد الريحاني: أصدر نيلس هاو ثلاث مجاميع قصصية كما أصدر خمسة دواوين شعرية . كيف يرى نيلس هاو الشاعر القصة؟ وكيف يرى نيلس هاو القاص الشعر؟



نيلس هاو: بالنسبة لي، ليس ثمة تصادم بين الشخصيتين. الشعر والسرد حقلان أدبيان مختلفان والانتماء إليهما مثل الانتماء إلى عائلتين. في السرد، أنتمي إلى عائلة أنطوان تشيخوف. وفي عائلتي الشعرية، لدي أعمام وإخوة بكر من طينة تشيسلاف ميلوز والموراي في أستراليا وآخرين.



محمد سعيد الريحاني: كيف يموقع نيلس هاو تجربته الشعرية داخل الإنتاج الأدبي الدانمركي؟ وهي مميزات الأدب الدانمركي خصوصا والأدب السكندينافي عموما عن الآداب الأوروبية الأخرى؟



نيلس هاو: كما تعلم، الأدب السكاندينافي المكتوب هو تقليد يعود إلى الأغاني والقصص البطولية (الصاغا) المكتوبة باللغة السكاندينافية القديمة، النورص. مقارنة مع تقاليد الكتابة في الأدب العربي، الأدب السكاندينافي المكتوب يبقى تقليدا قصيرا زمنيا. هذا أعلمه لكن حتى ثمانمائة أو تسعمائة سنة من الوجود هي بكل تأكيد زمن غير يسير.

قبل سنوات، طلب مني ناشر أن أنجز أنطولوجيا تجمع أهم القصائد الشعرية الدانمركية التي كتبت عبر تاريخ الأدب الدانمركي، أنطولوجيا شعرية. الكتاب يتضمن أزيد من 100 شاعر وشاعرة وأكثر من 350 قصيدة كتبت على مدى 800 سنة من عمر الأدب الدانمركي المكتوب. أعتقد أن المهمة ستفيدني كثيرا في اكتشاف جوانب الأصالة في أدبنا.

الدانمرك دولة صغيرة تحيط بها المياه من أغلب جوانبها. الدانمركيون كانوا إما فلاحين أو بحارة ولذلك عكس شعرهم تجاربهم القادمة إما من الحقول أو من البحر لكن بمعجم ديني.

في الشعر الدانمركي الحديث، ثمة مدرستان على الأقل: الأولى أكثر ميلا للغة الشعرية على الطريقة الأمريكية أو الفرنسية؛ والثانية أكثر التصاقا بالواقع ما دامت حالة البؤس في العالم تفرض علينا التفكير سياسيا كما كتبت في هذه القصيدة:

"مرة، كتبت بريشتي قصائد تافهة

قصائد خالصة حول لا شيء على الإطلاق

لكن، الآن، أنا موله بهذا البعْرِ على ورقي

سواء كان نحيبا أو شهيقا."




محمد سعيد الريحاني: يغلب على نصوصكم المعجم البسيط والصور البسيطة والإيقاع البسيط والفكرة البسيطة... هل هو ميل "للبساطة" كمنحى تواصلي أفقي أم هو ميل "للتبسيط" كخلفية تواصلية عمودية؟



نيلس هاو: أنا أعشق البساطة. البساطة فيَ هي ذاتها البساطة فيك. نحن جميعا نمشي على سطح نفس الكرة الأرضية. لدينا نفس نماذج الأسئلة الوجودية. عموما، لدينا اللغة، أي الكلمات البسيطة للتعبير عن أهم التجارب في حياتنا الإنسانية. في قصائدي، لا أرغب في التحليق في الأعالي. أفضل، عوض دلك، الالتصاق بالواقع:



"مهمتنا تتطلب التعرف على تجاربنا المشتركة؛

الرعب والبؤس يترصدان بنا

يتشبتان بأطراف ملابسنا ويتسللان إلى أجسادنا

ليتحققا مما يجري

وليقولا الحقيقة".



محمد سعيد الريحاني: الدارس لتجربتكم الشعرية ينتبه بالضرورة لهيمنة السخرية الوظيفية على قصائدكم. لماذا السخرية؟



نيلس هاو: من يستطيع تحمل الحياة دون مزاح أو سخرية؟ لكن حين تتقدم المدرعات الحربية وتقاطر دماء البشر من الأشجار، لا مجال حينئذ للمزاح والسخرية. إنه لأمر محزن ومثير للسخرية أن نكون 6 ملايير نسمة على هذا الكوكب ومع ذلك نشعر بالوحدة رغم أننا إذا ما امتلكنا الإرادة فبإمكاننا إن نجعل من هذه الحياة حياة أخرى أفضل. لكننا لحد الساعة لم نفعل شيئا في هذا الاتجاه: نقيم الحدود بين الأمم والأديان والأعراق. عبث في عبث ولذلك فالسخرية من الذات تبقى أمرا مستحبا.

صحيح أن الوقت لا زال مبكرا على اليأس والاستسلام لكنني محسوب على السذج التائهين طلبا للمستحيل.



محمد سعيد الريحاني: في زمن التقارب بين الثقافات والحضارات، هل استثمرتم هدا المكسب التاريخي الذي تشهده الإنسانية حاليا واطلعتم على الأدب العربي، الأدب الذي أنتج "ألف ليلة وليلة" أول رواية في تاريخ الأدب الإنساني؟أو نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للآداب؟ أو الطاهر بنجلون أو نبيل معلوف الحائزين معا على جائزة الغونكور الفرنسية؟ أو محمد شكري المقروء في أزيد من أربعة وعشرين لغة حية؟ أو أدونيس؟ أو محمود درويش؟...



نيلس هاو: لدينا طبعة نرويجية رائعة من "ألف ليلة وليلة" في بيتنا. هدا التقليد العربي أسس لمستوى راق من السرد. أعرف نجيب محفوظ والطاهر بنجلون وآخرين قلائل. أهم ما في التبادل الثقافي هو الترجمة. نحن في حاجة إلى ترجمات. الكتاب العرب لديهم رأسمال باهر من المعارف والإبداع لإهدائه للعالم. صديقي العزيز سليم العبدلي هو الآن بصدد ترجمة أشعار أدونيس للغة الدانمركية ونحن على أحر الجمر لقراءة هده الترجمة ومعرفة الكثير عن الشعر العربي.



محمد سعيد الريحاني: بعد الترجمات الأولى لنصوصكم الشعرية إلى اللغة العربية، تابعتم شخصيا الحفاوة الكبيرة التي حظيت بها قصائدكم. ففي ظرف ثلاثة أيام نشر نص "دفاعا عن الشعراء" على العشرات من المنابر الثقافية العربية. بل إن إجراء هدا الحوار جاء بناء على طلب القراء الدين راسلونا حبا في التعرف عليكم عن قرب. إلى مادا ترجعون دلك؟



نيلس هاو: لا أعرف. أنا سعيد لسماع ذلك ولكنني لا أستطيع الجواب على سؤالك. أنا منبهر لمستوى قرائكم ولاهتمامهم.



محمد سعيد الريحاني: الأدب الدانمركي هو بوابة القراء السكانديناف من الناحية الجنوبية. هل فكرتم، كأديب دانمركي، في دعم المبادرات القليلة في الدانمرك التي تترجم أعمالا أدبية عربية إلى اللغة الدانمركية؟ أم أن البعد الجغرافي كاف لتبرير التباعد الثقافي؟



نيلس هاو: أنا فرح لوجود بعض الجهود الداعمة للمزيد من الترجمات لكن الأمر لا زال رهين إصدارات قليلة. الهجرة خلال الربع الأخير من القرن الماضي وفرت للدول السكاندينافية طاقات من مختلف بقاع العالم. أنا بدوري أقيم مع عائلتي في نوريبرو، وهو حي في العاصمة كوبنهاغن تتجمع فيه إثنيات مختلفة. كل يوم في الشوارع والدكاكين ألتقي بأناس من اصول باكستانية أو صومالية أو عراقية أو هندية أو مغربية او تركية... ولكنهم يبقون دانمركيين ومنهم من صار صديقا لي ومظاهرهم غيرت الثقافة الدانمركية. في المستقبل القريب، سيصبح لزاما علينا إعادة تحديد مفهوم كلمة "دانمركي". كم سيتطلب من الوقت كي تصبح "البيتزا" و"الشوارما" و"الاسكندر كباب" دانمركية؟ مجرد سنوات قليلة.

"الفلافل" السكاندينافية هي مزيج من ثقافات متعددة ونفس الأمر بالنسبة للأدب والفن الدانمركي. التغير والتغيير ساري المفعول ونحن هنا نستمتع بعصر جديد.



محمد سعيد الريحاني: أنتم تعلمون أن الترجمة الأدبية ليست مهمة كل من يجيد لغتين: لغة النص الأصلية ولغة القارئ المترجم له. دلك أن الترجمات من هذا النوع تكون في الغالب "ترجمة لمعجم النص". بينما تبقى الترجمة التي يشرف عليها المبدع "ترجمة لقوة النص" لكونها ترجمة ينجزها فاعل داخل حقل اشتغاله. هل فكرتم في اختيار مترجمي نصوصكم مستقبلا من المبدعين؟



نيلس هاو: ديواني الأخير "نحن هنا" صدر قبل أيام في تورونتو بكندا. هذا الديوان ترجم من اللغة الدانماركية من طرف ب.ك. براسك وباتريك فريزن وهما معا كاتبان ممتازان. في إسطنبول، حظيت بترجمة بعض نصوصي للغة التركية من طرف كمال أوزر وهو شاعر موهوب. وفي المغرب، أعمالي ستستفيد من مهارتك الترجمية وأنا فخور بذلك.

في ما يتعلق بالترجمة، أميل عموما نحو النصوص المركزة والبليغة. أعمالي تعتمد على التعبير الدقيق والكلمة المناسبة. لذلك، لا أميل لا ل"ترجمة معجم النص". ولا ل"ترجمة قوة النص". فلكون القصائد والقصص هما كل ما أملك، يهمني كثيرا ألا يتم إفسادهما باسم الترجمة. أنا متيقن بأنك على صواب: فالشاعر المتألق هو دائما الأنسب لترجمة القصيدة الشعرية. ولكن لا يجب علينا أن ننسى بأن داخل العلماء أيضا ثمة شعراء مغمورين ينتظرون دورهم للإزهار والتفتح.



محمد سعيد الريحاني: كلمة أخيرة؟



نيلس هاو: أريد أن أقول "شكرا جزيلا". لقد كان اللقاء معك ممتعا. أتمنى أن تؤسس في المستقبل هياكل جديدة للتبادل الثقافي بين بلدينا. أجيال جديدة ستنظر غدا إلى عصرنا الملتبس هدا وستبتسم. الإمبراطوريات والأنظمة السياسية لا تدوم إلا أوقاتا محددة، وحده الوعي الذي يوقظنا كل صباح ليحيي فينا الفرح والأمل لا يَفْنَى ولا يُقْهَرُ.



القصر الكبير (المغرب) / كوبنهاغن (الدانمارك)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: انقسام الجمهوريون وأمل تبعثه الجبهة الشعبية الجديدة


.. هل تتجه فرنسا نحو المجهول بعد قرار ماكرون حل البرلمان وإجراء




.. حزب الله.. كيف أصبح العدو الأكثر شراسة لإسرائيل منذ عام 1973


.. ترامب ينتقد زيلينسكي ويصفه -بأفضل رجل مبيعات-| #أميركا_اليوم




.. تصادم قطارين في الهند يودي بالعشرات