الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللينينية مرة اخرى

منير العبيدي

2007 / 9 / 17
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ناقشت الأحزاب الشيوعية الأوربية اللينينية طويلا بالرغم من دفاع الحزب الشيوعي في الإتحاد السوفييتي عنها و محاولته اعتبارها ذات قيمة عامة ، و قال شيوعيون اوربيون : لسنا ملزمين باقتحام قصر الشتاء لكي نبني الاشتراكية ، و كانوا بذلك يشيرون الى عدم إلزامية تكرار تجربة الاتحاد السوفييتي بحرفيتها ، أي عدم إلزامية العنف من أجل التغيير . و لكن السوفييت ردوا عليهم بما عرف بـ " القوانين العامة للثورة وبناء الاشتراكية " أي أنهم و الاحزاب التي آزرتهم وضعوا شروطا محددة ينبغي انجازها من اجل أن تكون ثمة ثورة و ثمة اشتراكية ، و قد تم اعتماد هذه الصيغة في المؤتمر العالمي للاحزاب الشيوعية والعمالية عام 1969 رغم تحفظ بعض الاحزاب عليها .
إن من البديهي طبعا ان السوفييت لم يطالبوهم بإقتحام قصر الشتاء أو مقر حكومتهم بالضرورة و لكنهم قطعا كانوا يعتبرون افكار لينين ذات قيمة عامة ، وليس مجرد فكر بشري قابل للتنقيح و التصويب ، و هو الشيء الذي كان سيستنكره لينين نفسه لو عرف به ، فهو نفسه الذي استنكر تأليه نصوص ماركس ، و أشار الى شيخوخة الكثير من أحكامه كما رأينا في الكتابات السابقة عن الموضوع ، بالرغم من أن الفارق الزمني بين ماركس و لينين الذي كتب نصوصه النقدية لبعض من أحكام ماركس كانت حوالي نصف الفترة الزمنية بين لينين و نقد الشيوعية الأوربية له و أقل منها تسارعا بالبداهة .
فلماذا لا يحق لهم نقد نصوص لينين و بعضٍ من أحكامه فيما حق للينين نفسه نقد افكار ماركس و اعتبارها قد شاخت ؟ بل أن لينين قد نقد نصوصا وضعها بنفسه في وقت لاحق ؟ و لماذا اصرار السوفييت على تأليه النصوص اللينينية ؟
هذا موضوع منفصل عن سياق ما نرغب في دراسته و تحليله .
ما أود قوله أن الأحزاب الشيوعية في أوربا الغربية كانت إزاء التجربة الديمقراطية الغربية التعددية في وضع حرج امام قواعدها و جماهيرها مقارنة بنظام الحزب الواحد في الدول الاشتراكية . و بالرغم من أن الديمقراطية الغربية كانت لها عيوبها الكثيرة ، و لكنها في نظر حتى قواعد الاحزاب الشيوعية الأوربية أفضل في كل الأحوال من النظام السوفييتي . أي أن ديمقراطية بعيوب أفضل من عدم وجود الديمقراطية على الإطلاق ، و إن و جود حرية لعمل العديد من الأحزاب بما في ذلك الاحزاب الشيوعية كان في نظر حتى ناقدي الفكر اللبرالي المتشددين أفضل من حكم الحزب الواحد .. الخ
و هنا كانت بدائل الأوربيين للفكر اللينيني هو ليس النظام السوفيتي الذي كان حتى دون مستوى اللينينية و الذي كرس الفكر الستاليني في واقع الامر ، انما البديل كان نظاما يأخذ بمزايا اللبرالية الغربية و التعددية و التداولية و كذلك مزايا إعادة توزيع الثروة و قوانين متطورة من الرعاية الاجتماعية و الضمان الصحي التي طالبت بها الاحزاب الشيوعية و الاشتراكية و لكن دون الغاء الملكية الخاصة و اقتصاد السوق ، ليس بسبب تأليه النظام الاقتصادي الرأسمالي كما يحب البعض أن يعتبره ، بل بسبب عدم وجود بديل واقعي حتى الآن عن إقتصاد السوق .
بذا فإن نقد الشيوعية الأوربية للفكر اللينيني كان ذا ميزتين اساسيتين :
1 ـ إنه نقدٌ نحو الأمام يتضمن الايمان و العمل على اعادة توزيع الثروات بالطريقة الواقعية الممكنة ، و ليس النكوص عن اللينينية الى الستالينية .
2 ـ انه غطى فترة زمنية طويلة استمرت حوالي ربع قرن او اكثر فيها تراكمت عناصر النقد للينينية و تراكمت معها ، و هذا المهم ، العناصر الفكرية البديلة التي تحل الفكرة محلَ الفكرة الملغاة و ليس الغاء الفكرة مقابل العدم و اللا أدرية . أو الغاء الفكرة لصالح بديلها الرجعي .
لم تصحُ الأحزاب الشيوعية الناقدة للينين في أوربا ذات صبيحة و تقول : حسنا لقد تقرر التخلي عن اللينينة كما صحا ذات صباح بطل كافكا في روايته " المسخ " فوجد أنه بات كائنا آخر غير نفسه .
لم تكن احزاب اوربا الشيوعية على غرار احزاب اخرى ، تدعو الى اللينينية بحماسة منقطعة النظير و تصِمُ من ينقد اللينينية بالتحريفي اليوم وفي هذه اللحظة ، ثم تتخلى عن اللينينة في اليوم التالي . بل كان عملا صبورا ناقدا نقدا تدريجيا و بناء.
ومرة أخرى فإن الفكر الناقد لفكر لينين يمكن أن يسلك مسلكين :
اما تبني الفكر المنفتح على كل الفكر العالمي و منجزاته كالديمقراطية و التعددية في المجتمع ، و التعددية الفكرية في حياة الحزب الداخلية و الغاء المركزية الديمقراطية و السماح بالتعددية الفكرية .
و اما أن يكون بديل اللينينية هو الستالينية بكل ما تحتويه من مصادرة للرأي الآخر و القمع الفكري اذا لم يتوفر القمع السلطوي .
و بما أن الفكر الستاليني كان جاهزا و ذا تأسيس قوى و أقوى بكثير من الفكر اللينيني فقد انتصر الفكر الستاليني البديل على الفكر اللينيني لدى بعض الاحزاب .
فقد درس الكثير من الكوادر في موسكو في المدارس الحزبية الستالينية التي أعاد لها الاعتبار ثلاثي بريجنيف و بودغورني و كوسيغن أما الذين سبقوهم و هم قلة فقد كانوا قد درسوا في زمن ستالين نفسه . و لا يوجد احد قد درس في الإتحاد السوفييتي في زمن لينين ، حتى أن المدارس حزبية لتدريس السياسة للساسة المحترفين لم تكن موجودة في زمنه ، فحكم لينين ( اذا جازت هذه التسميه ) دام اكثر بقليل من 6 سنوات كانت مليئة بمهمات البناء الاولية و ا لدفاع عن الدولة الوليدة .
و من الأسباب الأخرى لقوة الفكر الستاليني و أهليته لإزاحة الفكر اللينيني هو أن الفكر القمعي و فكر مصادرة الآخر بسيط جدا ، أقمع كل رأي معارض و اقتل و اسجن فينتهي الأمر . بينما الفكر البناء و النقدي صعب .
فهبِ أنك منفتح و تقبل النقد و تعمل في حزب ما فهذا سوف يعني أن عليك أن تقرأ الكثير الكثير مما يُكتب مما يروق لك و مما لا يروق لك ، و عليك أن تقبل بتجرع المرارات و الشتائم و النقد الهدام و البناء على حد سواء فتفرز الغث من السمين و تحاول أن تقرأ بعين المحايد ، ثم تأتي مرحلة العمل : عليك عندئذ أن تقوم بتعديل عملك و افكارك و ربما الكثير من تقاليد عملك الآلي الرتيب بايقاع جديد .
و قد كتب لينين مرة في تعليقه على قراءة الكثير من الكتابات التافهة انه " ينبغي على المرء احيانا ان يغوض في الوحل " تعبيرا عن المستوى المتدني لبعض الكتابات .
كل هذا يتطلب جهدا و مرونة و تجردا عن التعاطف و الانحياز .
و كل هذا متعب و شاق .
اما النفي فهو علمية سهلة : ادخل عشرات و مئات الأسماء من الكتاب في القائمة السوداء و لا تقرأ لهم ابدا باعتبارهم تحريفيين او مرتدين . لا تأخذ بالملاحظات المضادة لفكرك و قناعتك و لا تغير شيئا من آلية تفكيرك ، و لا تعمل على اصلاح أي شيء .
أليس هذا أسهل ؟
منير العبيدي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ??مجلس النواب الفرنسي يعلق عضوية نائب يساري لرفعه العلم الفل


.. الشرطة الإسرائيلية تفرق المتظاهرين بالقوة في تل أبيب




.. مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في تل أبيب وسط مطالبات بإسقاط


.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟




.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح