الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤتمرات السلام في الشرق الأوسط

محمد بن سعيد الفطيسي

2007 / 9 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


إن للحديث عن السلام ومؤتمراته التي لا تنتهي في منطقة الشرق الأوسط , ذكريات كثيرة لا يمكن أن تمحى من ذاكرة الشعوب العربية بسهولة , وذلك لكون تلك الذكريات تمتزج بحصيلة موسوعية من المشاعر والأحاسيس المتداخلة , ما بين الألم والخوف والترقب وغيرها الكثير , مما خلفته العديد من تلك المؤتمرات من تراكمات على مدى عقود من التاريخ في هذه البؤرة الساخنة من العالم , فمن تلك المؤتمرات ما كان خفيف الظل وسهل الهضم , فانتهى دون أن نشعر به أو بما تمخض عنه من قرارات واتفاقيات ومعاهدات , فكان برد وسلام على سكان هذه المنطقة , ومنها ما كان دسم بالكلمات والمصطلحات والجمل المنمقة والمجاملات , فأصابنا بالتخمة التي كانت في حد ذاتها سبب من أسباب عسر الهضم , فلم نستطع ابتلاعه واستساغته بسهولة ويسر 0
والآخر منها كان نوع من العلاج المضاد لبعض ردات الفعل الصادرة عن امتعاض شعوب وزعامات المنطقة , والتي كانت تظهر بين الحين والآخر , فتذكر الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها , بأنه لازال لدى العرب بعض من فروسية السيف والقلم , فيسارع حينها السياسي الاميريكي الحاذق بخلق بعض الطرق والوسائل لاحتواء ذلك الامتعاض والحنق العربي , والحد من تلك الأعراض الجانبية بوضع وصفة علاجية تحت مسمى " مؤتمر سلام " في منطقة الشرق الأوسط , لاحتواء لحظات التمرد العربي , وهكذا عرفت شعوب المنطقة مؤتمرات السلام الدولية التي طالما دعت إليها الولايات المتحدة الأميركية 0
والحقيقة التي لابد من الإقرار بها هنا , وتحسب لهذه الإمبراطورية , هي كثرة تلك المؤتمرات الداعية إلى السلام في الآونة الأخيرة , وكاًن الولايات المتحدة الأميركية تذكرنا , بأهم قواعد التعامل الأخلاقي في ديننا الإسلامي , وهي قضية إفشاء السلام بيننا , فما أن تشعر هذه الأخيرة بان المنطقة تدخل في حالة من الضغط النفسي , أو الحنق على قضية ما , أو الامتعاض من بعض التصرفات الصهيواميريكية في المنطقة , إلىً وتسارع في إفشاء السلام وتذكرنا بان السلام هو مطلب ديني وعقائدي وأخلاقي لمختلف الأديان السماوية وخلاف ذلك , وانه بات من الضروري أن لا تبتعد شعوب المنطقة وزعاماتها عن هذا الهدف العالمي السامي , وأنها من اجل ذلك قد استعدت لعقد مؤتمر للسلام , وذلك بهدف تنقية الأجواء المتوترة والمشحونة بالخلافات , وتقريب وجهات النظر , والتفاهم حول أهم القضايا الخلافية والمعقدة 0
وبالفعل فقد سارع الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش باستباق الأحداث والمتغيرات الراهنة على الصعيد العالمي , فأعلن عن نيته عقد مؤتمر للسلام , انطلاقا من تلك الأهداف بحسب الرواية الأميركية , وذلك مع مطلع الخريف القادم , - أي – قبل نهاية العام الجاري , والمتمعن في أمر هذا المؤتمر يشعر بدقة اختياره الزمني , حيث تمر هذه المنطقة على وجه التحديد والعالم بشكل عام , بعدد من المتغيرات والتحولات التي وجدت فيها الولايات المتحدة الأميركية تهديدا للأمن والاستقرار العالمي , وتقويض لمصالحها الحيوية والإستراتيجية , وعلى رأسها الأمن الإسرائيلي, وبالتالي فانه بات من الضرورة القصوى عقد مثل هذا النوع من المؤتمرات في ظل تلك المتغيرات الدولية المتسارعة والخطيرة 0
فمن جهة تعيش الولايات المتحدة الاميريكية أسوا أيام احتلالها في العراق الحبيب , حيث وافق الرئيس الأميركي جورج بوش على توصيات قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس الداعية إلى خفض محدود لهذه القوات من 20 إلى 15 لواء مقاتلا بحلول يوليو 2008 , بحيث يعود عدد القوات الأميركية إلى ما كانت عليه مطلع 2007, ما يعني سحب التعزيزات الإضافية التي أقرها بوش مطلع العام في الخطة التي وصفها محللون بخطة الهروب إلى الأمام , هذا بخلاف الفوضى العارمة التي تجتاح مختلف الأراضي العراقية , والتي تؤكد عدم الاستقرار وفشل الخطط الأمنية التي طالما أقرتها الولايات المتحدة الأميركية والحكومة العراقية بهدف دفع عملية التهدئة والاستقرار في هذا الوطن العربي المحتل 0
أما من جهة أخرى , فما تشهده الأراضي الفلسطينية من اعتداءات إرهابية وإجرامية تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي , والتهديد المتواصل من قبل تلك القوات بشن اعتداءات على الشعب الفلسطيني الأعزل , وخاصة في قطاع غزة , والتي تتضمن قطع الكهرباء وتشديد الحصار واستئناف الاغتيالات بما فيها اغتيال قياداته السياسية والميدانية , والإعداد لعملية عدوان واسعة على قطاع غزة خلال الأيام القادمة برا وجوا وبحرا , انطلاقا من ثلاثة محاور ومنها احتلال الشريط الحدودي , الفاصل بين قطاع غزة ومصر, واجتياح مناطق واسعة من مدينة غزة , والمحور الثالث اجتياح مناطق واسعة شمال القطاع , والتطورات الأخيرة الناتجة عن ردة الفعل الفلسطينية الطبيعية تجاه تلك الاعتداءات الإجرامية , وكذلك الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على القطر العربي السوري , واختراق أجواءه , وتهديد استقراره وسيادته وأمنه , وما قد يخلفه ذلك من تقويض كامل لاستقرار المنطقة , وتهديد خطير للسلام الهش أصلا في منطقة الشرق الأوسط 0
هذا بخلاف الأحداث في لبنان , والتي لا تقل أهمية عما سبق ذكره من قضايا , وذلك لما يمثله الوطن العربي اللبناني من أهمية بالغة لاستقرار منطقة الشرق الأوسط ككل , وغيرها من الملفات الدولية والحساسة , كالملف النووي الإيراني , والذي ينتظر ما سيسفر عنه اجتماع مندوبين مجموعة (5+1) والتي تضم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا , والذي ستستضيفه وزارة الخارجية الأميركية في الحادي والعشرين من الشهر الجاري , وغيرها الكثير من القضايا والملفات التي بات من الضروري – من وجهة النظر الأميركية – حسمها , أو على اقل تقدير , إيجاد وجهات نظر دولية وإقليمية متقاربة حولها 0
وهكذا تولد مثل هذه المؤتمرات الدولية " الأميركية " للسلام , في ظل ظروف مشحونة بالمخاوف والاضطرابات والقلق والترقب , ومنها هذا الأخير الذي دعا إليه الرئيس الأميركي جورج بوش , رغم انه لم يجد ذلك الصدى من القبول والايجابية لدى الكثيرين " إلى الآن " , وعلى رأسهم كبار القادة في منطقة الشرق الأوسط , كونه – من وجهة نظرهم - لن يتعدى أن يكون مجرد محاولة أميركية لذر الرماد في العيون , أو تغطية كسابقاتها من قبل الولايات المتحدة الأميركية على جرائم الكيان الصهيوني في فلسطين , فعلى سبيل المثال لا الحصر, أعلن الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي , بان الرياض قد لا تحضر مؤتمر السلام الدولي الذي دعا إليه الرئيس الأميركي جورج بوش ما لم يركز على أجندة شاملة من شأنها إحياء العملية السلمية بشكل شامل ومعالجة كافة قضايا الحل النهائي الرئيسية وفق إطار زمني محدد , وقال الأمير السعودي ( إذا لم يحمل الاجتماع مواضيع جادة تهدف إلى حل النزاع ووضع المبادرة العربية كهدف رئيسي فيه , وتوجد أجندة تفصل القضايا بالشكل المطلوب ، وان تلزم إسرائيل بالخروج من الأراضي التي احتلتها ، فان هذا المؤتمر لن يكون له أي هدف وسيتحول إلى مفاوضات يطول أمدها ) , كما هو حال بقية المؤتمرات المشابهة , والتي لم تحصل من خلالها الدول العربية وشعوب المنطقة سوى على الكلام والتوصيات الورقية وضياع الوقت0
كما حذر كذلك الرئيس المصري محمد حسني مبارك خلال تصريح له للصحفيين الذين رافقوه أثناء افتتاح مشروعات بمحافظة سوهاج جنوب مصر ، من أن مصير مؤتمر السلام هذا , سيكون الفشل إذا نظم بدون إي تحضيرات وجدول أعمال , وقال ( إنه لا يرى حتى الآن لمؤتمر " السلام " الذي دعا له الرئيس الأمريكي "جورج بوش" والمقرر عقده في الخريف المقبل ، أجندة محددة وواضحة , محذرا من انعقاد المؤتمر دون الخروج بأي نتائج ) , ولم يدل مبارك بتفاصيل عن أسباب خشيته إلا أنه أشار إلى إن عدم وجود أجندة للاجتماع حتى الآن هو السبب وراء أكثر مخاوفه من هذا المؤتمر, وفي نفس الإطار قال الوزير الفلسطيني السابق ناهض الريس إن المؤتمر لا يعدو كونه أكثر من احتفال يقصد منه تحديدا محاربة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتطويقها وإنهاء وجودها ووضعها في غزة ، إضافة إلى التستر على بوش في الذكرى السنوية الخامسة لتصريحه الذي سمي لاحقا برؤية بوش حول حل الدولتين .
وكانت هذه المخاوف التي أشار إليها العديد من المراقبين والمحللين الدوليين والإقليميين , حول هذا المؤتمر المزمع عقده خلال الأشهر القليلة القادمة , نابعة من خلفيات و امتدادات سابقة وشبيهة لمثل هذه النوع من المؤتمرات التي طالما دعت إليها الولايات المتحدة الأميركية , ولم تنتهي سوى بتلاوة الخطابات النهائية التي لم تسمن ولم تغني من جوع , فالحقيقة الوحيدة الواضحة إلى الساعة , هي إن الأمر لن يتعدى كونه محاولة صهيواميركية لإضافة بعض الديكورات والرتوش حول قضية الإرهاب بشكل عام , والتأكيد على ضرورة إيقاف كل أنواع التدخلات في الشأن العراقي , دون التطرق إلى قضية الاحتلال والانسحاب الأميركي , ودور المقاومة الفلسطينية على وجه الخصوص تجاه العدو الصهيوني , ومحاولة لتغطية الفشل المتواصل حول القضايا العربية الرئيسية , وعلى رأسها القضية العربية الفلسطينية , وعلى وجه التحديد قضية اللاجئين و الحدود , ومناقشة بعض التحولات والتطورات الإقليمية التي حصلت في الآونة الأخيرة , وتركت بصمتها على المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط 0
وختاما فإننا ومن خلال استقراء أحداث المنطقة وتطوراتها الراهنة , وما يحدث على الساحة الدولية من تجاذبات خطيرة , فإننا نؤكد على ما أشار إليه الوزير المصري السابق احمد ماهر في مقال نشرته صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 17 / 9 / 2007 م , بخصوص عقد هذا المؤتمر, حيث قال ماهر بان هذا المؤتمر لا يبشر بالخير , ولكنه وفي حال عقد , فانه لزام على الدول العربية أن لا تترك للولايات المتحدة الأميركية وحدها أمر الإعداد لهذا المؤتمر ، حتى لا تفاجأ بها وقد فرشت الطريق إليه ـ بالتنسيق مع إسرائيل أو مع غيرها ـ بخطوات ومشروعات لا تتفق مع مصالحنا ومع مقتضيات إقامة السلام الحقيقي العادل والدائم والشامل الذي نتطلع إليه في منطقة الشرق الاوسط 0

كاتب وباحث في الشؤون السياسية
والعلاقات الدولية
سلطنة عمان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران