الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطيب يحاكم التجربة القومية

جهاد الرنتيسي

2007 / 9 / 19
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يعيد السياسي الكويتي احمد الخطيب في كتابه " الكويت : من الامارة الى الدولة " الذي صدر مؤخرا تقليب "مثالب" و "اخفاقات" تجربة العمل القومي التي كان واحدا من رموزها .

ففي محاكمته لوعي حركة القوميين العرب التي لعبت دورا في تحديد مسارات الاحداث خلال خمسينيات وستينيات القرن الفائت يتوقف عند حقائق يصعب اغفالها لدى تحسس مواطن الخلل التي ساهمت في تحويل العرب الى حالة مستعصية على الحداثة .

ومن بين الحقائق التي تعامل معها الخطيب برؤية نقدية لا تخلو من الحث على تدارك الخطا الذي وقع منذ عقود وما زال مقيما في واقع العرب ويهدد مستقبلهم غياب المشروع النهضوي والتنموي ، وقضايا الديمقراطية ، والحرية ، وحقوق الانسان ، والمشروع الوحدوي الواضح الذي يتضمن حلولا لمسائل مثل الخلافات الاقليمية ، ومشكلات الاقليات .

ويذهب في نقده لتلك المرحلة الى حد تأكيد انعدام التصور الواضح لنوعية الوحدة التي طالب بها حزب البعث وحركة القوميين العرب ، وعنصرية الفكر القومي السائد انذاك ، واحتقاره للطبقات الشعبية والاقليات .

ولا تكتسب شهادة الخطيب اهميتها من مشروعيتها باعتباره احد مؤسسي حركة القوميين العرب بل في محاكمتها للتاريخ انطلاقا من الازمات الراهنة مما يعطي انطباعا سريعا بان اخطاء منتصف القرن الماضي وفرت التربة الخصبة لاخفاقات تعيشها الدولة العربية الحديثة ـ اذا كان استخدام مصطلح الحداثة ممكنا في هذا السياق ـ ويصعب تجاوز اثارها المستقبلية .

كما يعيد الكتاب الى الاذهان تجارب مختلفة في نقد تفاصيل مراحل مرت بها السياسات التي اتبعتها الحركات القومية في بناء الدول والفرص التي اهدرت والنتائج الكارثية التي انتهت اليها التجربة.

ففي سنوات معارضته للنظام العراقي السابق تناول حسن العلوي في بعض كتبه تجربة حكم البعث العراقي من الداخل .

ولم يخل كتاباه " دولة المنظمة السرية " و " دولة الاستعارة القومية " اللذان ركزا على الطابع البوليسي للدولة من تنبؤات لما يمكن ان تنتهي اليه الدول حين تدار بعقليات امنية تخلو من الخيال السياسي ولا تاخذ في عين الاعتبار تداعيات ما يحدث في المحيط والعالم .

وخلال سرده لتجربته في حزب البعث يرسم فيصل حوراني صورة كاريكاتورية لآليات التفكير المتبعة لدى القيادة السورية .

وانطوت سلسلة " دروب المنفى " التي تروي سيرته الذاتيه على ما يوحي بسذاجة تجربة البعث في سوريا ، وغياب الرؤية الواضحة عن القائمين عليها ، والهوة السحيقة بين شعاراتها وواقعها .

وانتهى القيادي البعثي الاردني جمال الشاعر الذي كان واحدا من رموز البعث خلال الخمسينات والستينات في كتابه " خمسون عاما ونيف " الى الندم على تخوين شكري القوتلي وبشارة الخوري والملك فاروق والملك عبدالله ونوري السعيد ، واستغراب غياب الجرأة الكافية لانتقاد تجربة الرئيس جمال عبدالناصر .

ورغم اختلاف زوايا النظر لارث الاخطاء القاتلة ، واحتدام الصراع بين القوميين العرب والبعثيين خلال عقدي الخمسينات والستينات يلتقي الخطيب في نقده للتجربة مع الناقدين البعثيين الذين وسعت حركة الاحداث افاقهم ، والتحولات الكونية والاقليمية مداركهم .

ومن بين نقاط اللقاء الاتفاق على تلازم انحسار الوعي بقضايا اساسية مع غياب التفكير النقدي الكافي لترشيد المسارات وتصويب الاخطاء .

فالفكرة معرضة للخطأ على الدوام ، الامر الذي يقتضي معاينتها بين الحين والاخر ، واصلاحها اذا تطلب الامر ، والتراجع عنها حين يثبت فسادها .

ومبررات التجريب ومشروعيته لا تنفي حقيقة "شيخوخة"الافكار حين تفقد قدرتها على التفاعل مع حركة الاحداث .

وغالبا ما كان هاجس المؤامرة الخارجية ، والتعايش مع التفسير المؤامراتي للاحداث العائق الاكبر وراء القيام بعمليات المعاينة و المراجعة والتصويب ، وتنحية قضايا اساسية جانبا باعتبارها ثانوية ، وتوجيه اتهامات العمالة والتخوين دون حساب .

وكثيرا ما كانت مثل هذه الهواجس باعثا للبحث عن مبررات غياب الديمقراطية والانقلاب على الحريات النسبية حين تتاح الفرص كما حدث في مصر الناصرية ، وسوريا والعراق بعد استيلاء البعث على السلطة .

ففي الوقت الذي كانت الديمقراطية عامل تماسك وكسب للاقليات واصلاح للمجتمع كما هوعليه الحال في بلد قريب مثل الهند التي يفوق عدد قومياتها واقلياتها اعداد القوميات والاقليات الموجودة في الدول العربية مجتمعة تعامل القوميون العرب بمختلف تلاوينهم ، وبنسب متفاوتة مع مسالة اعطاء المواطنين حقوقهم في المواطنة وكانها ثغرة قد ينفد منها العدو الخارجي مما شكك في مواطنة المواطن سواء كان عربيا او من الاقليات ، وساهم في اختلال بنية الدولة العربية التي لم تصل الى حالة التوازن رغم مرور عقود على تكوينها.

وفي حروبها المصيرية مع العرب لم تتخل اسرائيل عن ديمقراطيتها التي يثار الجدل بين الحين والاخر حول جديتها و ثغراتها .

والرياح التي اقتلعت الاحزاب الشمولية في دول المنظومة الاشتراكية وتاخرت قرابة القرنين عن منطقتنا العربية لم تترك مجالا للشك في اهمية ما تجاهله نشطاء الحركة القومية العربية التي حاكت تجارب اوروبية دخلت بطن التاريخ .

وبالتالي تاخذ الشهادات النقدية المتوالية التي لن يكون اخرها كتاب الخطيب ، ولم يكن اولها كتب العلوي والشاعر والحوراني شكل التعبير عن مياه كثيرة جرت في النهر.

ولكن هناك من يغمض عيناه عن هذه الحقائق ليخفي حقيقة تعامله مع الرؤية القومية والبريق المتبقي لشعاراتها الآفلة باعتبارها مبررا للبقاء في السلطة حتى وان كان ثمن البقاء حرمان الشعوب من حقوقها الاساسية في التعبير والتنمية وصناعة القرار .

وكما كانت نظرية المؤامرة معيقا لتفكير قوى التيار القومي بقضايا جوهرية تمس حياة الانسان باتت عامل انكفاء للانظمة السياسية العربية التي تكتسب بعض الشرعية من خلال اجترار شعارات باهتة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ


.. مسيرة تجوب شوارع العاصمة البريطانية لندن تطالب بوقف بيع الأس




.. تشييع جثمان مقاوم فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية على مخيم جني


.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش




.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا