الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسيحيو العراق الحجاب الاسلامي والمشروع الوطني

خالد صبيح

2003 / 10 / 20
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير



يتضايق العراقييون كثيرا حين يحملهم بعض ممن يعتبرون توابع ايدلوجية واعلامية للنظام البعثي الفاشي تبعة ظاهرة الاستبداد والعنف  لبطل المقابر الجماعية معتبرين الاستبداد نتاج عراقي وان ليس للعراقيين الحق في تحميل الاخرين، خارج البيئة العراقية، مسؤولية خلق هذه الظاهرة او تعاظمها. وفي واقع الحال لاتخلو هذه الملاحظة من دقة ومعقولية بغض النظر عمن صدرت عنه ولماذا. فشئنا ام ابينا تبقى ظاهرة السلطة هي نتاج عضوي،  في حيثياتها، لمجتمعها وتجسيد لنوع او نمط عقلي وان بشكل جزئي داخل المجتمع. والظاهرة السلطوية بابعادها المتعددة وخطاباتها المختلفة وابنيتها النفسية والقيمية هي ثمرة متبلورة بكل الاحوال في السياق الاجتماعي الذي تنشا به. وتتشكل عملية بلورتها او استقرارها وتمكنها من بث رعبها الخاص وقمعها ومصادراتها بسياقين هما التاييد المتحمس لها ولاجراءاتها بدوافع هي مزيج  من الاقتناع والتبني والنفعية والتهريج والصفاقة للانضواء في مسارات مشاريعها. والصمت والسكوت والممالئة والخنوع لمظاهر القوة وممارسات التضليل. وان كان موقف الممالئة الانتهازي النفعي او التاييد والانضواء في المشروع القمعي للسلطة له اشكال فضائحية تكشفه بغير ما عناء وله لغته الفجة التي ترفع عنه اي ستر او اي خط دفاع عن النفس، وله ايضا دوره الذي لايوارى في ترسيخ مكانة القمع السلطوي، فان الصمت السلبي هو في حاجة الى الكشف عن  دوره التخريبي الخفي في تفشي ظاهرة الاستبداد السلطوي. لانه اعتمد الخوف الذي يشيعه الارهاب كمبرر مطلق يفسر به سلوكه، اي انه افترض انه مدرك للواقع ومعترض على الاوضاع لكنه ملجوم ومنكفئ بسبب هذا القمع.
وتجربة صعود المشروع الفاشي البعثي شاهد حي على ماللصمت والممالئة من اثر في خلق الاجواء المناسبة لصعوده وبسط سلطانه في اكبر ظاهرة همجية يمكن ان تلم بمجتمع متحضر له من الارث الحضاري ما يمكنه ان تشكيل مصدات عقلية واخلاقية امام هكذا نمط متخلف من اشكال وادوات للحكم.
استمد المشروع الفاشي ممكنات بقائه وجبروته من ثغرة سعى لصنعها وترسيخها هي سلبية المجتمع وانعدام التضامن فيه وتفكك وحدته العضوية في بناء رؤية او مشروع وطني يقدم ثوابت ويجعلها اولويات تكون مصدات امام اي قوى او فئات تتجاوز في تطلعها ومشاريعها اطار او جوهر المشروع الوطني هذا والذي من سماته القبول بالاخر وبث ثقافة ووعي قبول الاختلاف بكل تفاصيله السياسية والقومية والدينية والثقافية. وهو مشروع يبقى في كل الاحوال قابلا للحياة مستمدا ضروراته الموضوعية من طبيعته كاطار جامع للتعدد والتنوع كمكونات بارزة  للسمات البنيوية للمجتمع العراقي.
ليس في الهتاف والجري وراء المكاسب وحدهما بنى المشروع البعثي الفاشي عناصر قوته واستمراره وانما بالصمت والبحث عن الخلاص الفردي الذي مورس بشكل واسع ومتواصل من قبل الفئات والشرائح الاجتماعية والثقافية للمجتمع العراقي. فسادت الانانية والخوف وهما الخصلتان اللتان ينتعش بهما كل مشروع استبدادي حتى وان كان من عصابات مافيا وليس من دولة باجهزة قمعية.
  كان الصمت جماعيا ومخيفا.
لااراهن هنا على زوال اثار هذه الظاهرة بسرعة بعد سقوط النظام البعثي الفاشي فدوار الرأس مازال حاضرا والقلق والخوف والريبة ماتزال هي سيدة المواقف والرؤى لكن بنفس الوقت آن الاوان لنبذ هذ الممارسات والوعي بضرورة التخلص منها. وعملية التحول تلك لاتتم بطبيعة الحال بالتنظير او الكلام في المحافل والاقنية الخاصة فقط  بل وبالضبط في الخطوات العملية والممارسة العلنية.
من بين من مارس الصمت المؤذي الذي اخل بقدرات المجتمع العراقي على منع مشروع الاستبداد البعثي هم ابناء الاقليات* الدينية في العراق وبشكل خاص ابناء الديانة المسيحية وبطريقة تسيء لتراثهم الوطني. فبينما زخر تاريخ العراق المعاصر بدور حيوي ومميز لابناء هذه الديانة في المشاركة السياسية لاسيما في الوسط اليساري  لانه كان الاطار الانسب لابناء الاقليات لبعده عن اي نفس طائفي او عرقي او ديني ولانه كان يمثل في تطلعاته العامة حقوق كل المضطهدين في المجتمع. شهدنا تراجعا كبيرا لهذا الدور في العقود المتاخرة لاسيما في فترة الحكم البعثي، فبعد الهجمة على اليسار في اواخر السبعينات وتراجع دور الحزب الشيوعي العراقي وقوى اليسار الاخرى من الشارع العراقي تكرس غياب ابناء الاقليات في النشاط والممارسة السياسية واقتصر نشاطهم، كفئات وشرائح اجتماعية، على السعي المنعزل والفردي والاناني للحصول على حقوق محدودة خاصة بكل طائفة  دون ربطها بالمشروع الوطني المعارض. وبهذا فقد صاروا مداهنين للنظام في غالبية ممارساتهم حتى ان بعض متدينيهم اعتبروا ان نظام البعث الفاشي( كان رحمة لهم لانه سمح لهم ببناء كنائس) وهذا هو بشكل عام توجه وقناعات غالبية ابناء الديانة المسيحية  هذا من غير انخراطهم في هموم مصالحهم الاقتصادية بشكل ضيق وفردي واناني وصارت معاييرهم ضيقة لاتبتعد عن هذه المصالح الفردية او الفئوية. كذلك اعاقهم ويعيقهم  بشكل عام عن المساهمة ولعب دور مقبول وموجب في القضايا الوطنية هو موقفهم المزدوج من  المجتمع حيث يمزجون  بين التعالي عليه، بتماه وهمي وساذج مع الغرب المسيحي ثقافيا ووجدانيا، والخوف منه، اي المجتمع العراقي، والشك به وبالانعزال عنه. وشكل موقعهم ودورهم الاجتماعي في مرحلة الاستعمار البريطاني ومحاباته لهم كطائفة بسبب المشترك الديني الذي وظفه البريطانيون لتنفيذ استرتيجيتهم السياسية في البلد، مرتكزا اساس في تكوينهم السياسي حيث اعتادوا على الاستقواء بالاخر، اي كان هذا الاخر. وهنا تجدر ملاحظة ان من يدافع الان عن حقوقهم التاريخية ادبيا هم اناس ليسوا من ابناء ديانتهم. وبديهي ان ليس في ذلك مثلبة ولكن الماخذ هو سلبيتهم واتكاليتهم على الاخرين لايصال صوتهم والدفاع عن كيانهم.
كان لابناء هذه الديانة ميل قديم للهجرة الى الغرب وامريكا تزايد بعد الحصار الاقتصادي على العراق الذي يبدو انهم لم يتضرروا من جرائه ضررا كبيرا فقد تمكنوا من الهجرة والوصول الى بلدان اللجوء بشكل جماعي وواسع وبطرق مكلفة ماديا لم يقدر عليها الا من كانت قدراته المادية كبيرة. كما ان هناك خصلة مهمة في مزاج ابناء الديانة المسيحية هي في استنكافهم من الانتماء للعراق وميلهم الى التبرأ منه والاستغناء عنه.
الان وبعد الابتهاج بسقوط النظام البعثي الفاشي في نيسان ابريل الماضي وسيادة الارباكات والمصاعب والتعقيدات في الوضع العراقي حيث برزت الى السطح ميول مريبة للهيمنة السياسية من قبل جماعة مقتدى الصدر ومحاولاتهم من خلال الترهيب والضغط فرض قناعاتهم السياسية والاجتماعية على المجتمع العراقي ومنها فرض الحجاب حتى على المسيحيين، فقد اوصى رجالات الدين المسيحيون نساء ابناء  الديانة بارتداء الحجاب الاسلامي في خطوة غريبة ومخجلة وتدلل بوضوح على مزاج الخضوع وممالئة القوي او من يوحي بان مجرى التيار بيده. وتعود الى الظهور بهذا التوجه الممارسة المائعة ذاتها التي اسهمت في الصعود الفاشي واعني بها الصمت، بل هنا الموقف هو اسوأ من الصمت فهو يدخل في دائرة الاستخذاء. مرة اخرى تريد هذه الشريحة بخوفها وخنوعها وصمتها منح المغالين واصحاب المشاريع الانفرادية والاقصائية فرص لفرض هيمنتهم واستبدادهم. فأي غباء وضعف وميوعة ينطوي عليه هذا العقل الذي يحرك ويخفي انقياد ابناء ديانة مختلفة وبتوجيه من قياداتها الدينية للخضوع لمطالب مجموعة مستهترة؟. واذا كان في زمن النظام البعثي الفاشي من الصعب، بل والاستحالة، على اي كان التعبير عن معارضته فما الذي يمنع من ذلك الان ولاسيما ان الامر والمقاليد هي ليست بيد مقتدى الصدر ولاهو بمسيطر على مناطق تواجد المسيحيين. لماذا لم نسمع اصوات احتجاج؟ لماذا لم ينظم هؤلاء مظاهرة احتجاجية واحدة من شانها ان تطرح السؤال  بجراة ووضوح وعلنية لاحراج المجتمع ولتنوير الرأي العام بالامر ولاسماع صوتهم و عرض معاناتهم له؟.  اذا لم يقم المسيحيون بالاحتجاج واسماع صوتهم بانفسهم فمن سيدافع عنهم؟ اينتظرون، بسلبية، قوات الاحتلال او اي طرف اخر كما جرت العادة ليخلصاهم من هذا المازق المجسد لانتهاك صارخ ومخزي لحقهم في ممارسة حياتهم الاجتماعية دون قسر او تدخل؟.
كان عليهم، بتصوري ، بدل الخضوع والاستسلام والقبول بالفروض الدراماتيكية التي يريد مقتدى الصدر فرضها عليهم وعلى المجتمع عموما، الجهر بمعارضتهم وتثبيت حقوقهم ومد خيوط التواصل مع رافضي مشروع مقتدى وربط حقوقهم وهمومهم بالمشروع الوطني العراقي وبتفاصيله الاجتماعية والسياسية والابتعاد عن الروحية السلبية والانانية او القنوط والخوف لان مشروع وطني ديمقراطي يقرر ويحقق حقوق جميع العراقيين بدون تمييز هو مشروع مناط تقديمه والدفاع عنه بجميع العراقيين وليس لفئة اجتماعية او سياسية دون الاخرى.
ولانه مشروع يخص الجميع فعلى الجميع العمل به ومن اجله.
فهل سيخرج المسيحيون العراقييون من سلبيتهم ويشاركون في هموم بناء المشروع الوطني الديمقراطي مشروع دولة القانون والمواطن؟

هامش

*  استخدم هنا تعبير الاقليات مجازا لاني اؤمن تماما بان المواطن الفرد هو جوهر واس المجتمع ولااعتقد بفروقات دينية او عرقية او غيرها.  

السويد
19-10-2003  
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مرشحون لخلافة نصرالله | الأخبار


.. -مقتل حسن نصر الله لن يوقف مشروع الحزب وسيستمرفي المواجهة -




.. الشارع الإيراني يعيش صدمة اغتيال حسن نصر الله


.. لبنان: مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلي




.. المنطقة لن تذهب إلى تصعيد شامل بعد مقتل حسن نصر الله