الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى 11 سبتمبر , العقل و اللاعقل

إقبال الغربي

2007 / 9 / 19
الارهاب, الحرب والسلام


تمثل رسالة بن لادن الأخيرة التي أشاعتها و أذاعتها الميديا العالمية مشروعا حضاريا مضادا للحضارة الحديثة و لقيمها الكونية و الإنسانية. فالأطروحات الجهادية التي بثها زعيم القاعدة تنفي القيم التي تناضل من اجلها البشرية نفيا. ومن أهم هذه القيم ه العقلانية و الديمقراطية و العلمانية و المساواة بين الجنسين و بين جميع الأجناس و احترام حقوق الإنسان و الاعتراف بحقوق الأقليات الدينية و القومية . و الغريب أن هذه الرسائل الهاذية لا تزال قادرة على التأثير على العد يد من الشرائح في عالمنا العربي و على اللعب بانفعالاتها وعلى إثارة غرائزها السادية والمازوشية.
و السبب في ذلك هو أن النخب الغربية اعتبرت هجمات سبتمبر مناسبة للمراجعة والتأمل واستخلاص الدروس والعبر, فأخذت تشكك في مسلماتها و تساءل قناعاتها و تعيد النظر في أطروحاتها بحثا عن الخلل و توقا إلى إيجاد حلول لتناقضاتها السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية التي قد تكون سببا في أحداث 11 سمبتمبر2001 . و لهذا السبب نظمت الندوات العلمية و التأمت المؤتمرات التي حاولت تفكيك الفاجعة و التي درست و حللت و أعملت العقل لمقاربة اللاعقل و لتفهمه .
أما الوعي العربي الإسلامي فقد استبطن هذا الحدث كعادته بشكل فصامي . إذ لا تزال الثنائيات الفصامية تهيمن على التصورات العامة و التمثلات السائدة في عالمنا العربي .
و هذه الثنائيات,التي لا تزال تعيق إدراكنا الموضوعي للواقع و تجعلنا نهلل و نكبر للجرائم الإرهابية هي :
ثنائية الشرق و الغرب.
الخير المطلق و الشر المطلق.
الإسلام و الديانات الأخرى.
البطل و الضحية.
بل إن العديد من المثقفين العرب يعتقدون إلى يومنا هذا أن هذا العمل الإجرامي مؤامرة من صنع وتدبير المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، من أجل إيجاد المبررات لشن الحرب على الإسلام و للاستحواذ على نفط العرب و المسلمين ! بينما هلل البعض الآخر معتبرا "غزوة مانهاتن" "نصر من الله وفتح قريب".
و في هذه المناسبة الأليمة لا بد أن نؤكد على بعض المسلمات :
لماذا ندين الإرهاب ?
أصبح لفظ الإرهاب يستقطب اهتمام العالم و يعني هذا اللفظ لغويا إدخال الخوف أو الرعب في النفوس من جراء تعنيف مادي وهو تعنيف ينتهك حقوق الأفراد و الجماعات.
و مهما تعددت اليوم المصطلحات و المفاهيم التي تحاول تحديد هذه الظاهرة و مهما راوحت التسميات الضبابية المتداولة اليوم بين مقاومة و جهاد و استشهاد و فداء فان الإرهاب يعرف أساسا لا بنوعية القضية التي يهدف إليها و نبلها أو عدا لتها بل من خلال الطرق المستعملة التي وقع اختيارها من طرف المنفذين و التي تستهدف غالبا المدنيين الأبرياء .
يقول الكاتب ولتير بن يمين " ليس لدى ما أقول سأعرض الوقائع و أشير إليها فحسب " :
- يتميز الإرهاب بتبخيس حرمة البشر و كرامتهم لأنه يشئي الإنسان و يختزله إلى مجرد وسيلة للوصول إلى هدف معين بينا يظل الإنسان في نظرنا قيمة القيم . فالاستراتيجة الإرهابية تنفي الأخلاق نفيا. فهي متحللة من أبسط الضوابط المعيارية وتبيح لنفسها استخدام كل الوسائل حتى أكثرها بربرية لتحقيق أغراضها ومصالحها ؟ وهي غالبا ما تبتز حكومات ذات تقاليد ديمقراطية تكن لمواطنيها الاحترام و تقدر حقهم في الحياة و تحسب ألف حساب لأرائهم و لأصواتهم بينما يضل الأفراد بالنسبة لها مجرد رعايا ليست لهم أية قيمة.
وهي في بعض الأحيان , وهجمات سبتمبر نموذجا , ليست لها مطالب معينة و لا غائيات واضحة المعالم بل تهدف أساسا إلى التشفي والثأر الهمجي و التخريب العبثي.

-ينتهك الإرهاب كل الشرائع السماوية. فالقران الكريم مثلا ينهى عن قتل نفس واحدة ظلما و عدوانا و قد شبه هذه الجريمة بجريمة قتل الإنسانية جمعاء قال تعالى "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا"
وهو كذلك يمنع اخذ البريء بجريرة المجرم " ولا تزر وازرة وزر أخرى" . و مهما كانت الظروف و الملابسات فالقيم و الثوابت الكونية يجب أن تبقى متعالية على الأحداث الظرفية وهو ما يخلصنا من دائرة النسبوية المضللة .
- من جهة أخرى , تبين اليوم بان "الحرب على الإرهاب" ليست حربا للدفاع عن الديمقراطية من الإرهاب، وإنما حربا إرهابية على الديمقراطية، وعلى حريات المواطن، وضد شبكات الحماية الاجتماعية. و يدخل في هذا الإطار القوانين والإجراءات الأمنية المشددة التي استطاعت إدارة الرئيس جورج بوش تمريرها في أعقاب 11 سبتمبر/ أيلول 2001 التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأميركية، وذلك تحت عنوان التصدي للنشاطات والمجموعات الإرهابية وتجفيف منابعها . وقد أدت هذه الإجراءات إلى التخلي عن بعض الضمانات القانونية والدستورية، والتنازل عن بعض الحريات العامة والفردية الأساسية، لصالح اعتبارات الأمن والمصالح الوطنية للدولة . كما أدت الحرب على الإرهاب في العالم العربي الذي لا يبدع إلا في العنف السافر إلى تشريع و تبرير ممارسات قديمة – جديدة منافية للآدمية و لحقوق الإنسان تتجسد في الاعتقالات الاعتباطية و التعذيب الوحشي .

-كما بات من الواضح أيضا أن الإرهاب هذا الحدث –الصورة حسب تعريف عالم الاجتماع جان بوديار يلعب دورا أساسيا في "مجتمع المشهد" الذي يطمس الحاجيات و التناقضات الرئيسية و يروض الأفراد حيث يحمل لهم التظليل الإعلامي رسالة واحدة وهي ضرورة التضحية في سبيل امن الدولة و تبني أهدافها و ذلك بإخماد النضالات الاجتماعية من جهة و بإهدار الأموال الطائلة التي يتم سلبها يوميا من عرق و أفواه الشعوب لإنفاقها في مجالات غير منتجة وهي الحرب على الإرهاب . وهنا لا يختلف اثنان أن ما حصدته مجتمعاتنا بعد سنوات من القتل والتفجير هو المزيد من الخيبة والتفكك والانحطاط، ويبدو لكل ذي عين أن هذه الطريق غير قادرة على الوصول إلى الأهداف ولا إلى الحقوق، بل عجزت حتى عن تعديل توازن القوى في هذا الاتجاه، هذا من جهة ومن جهة ثانية أججت إستراتجية " النحر و الانتحار" حرب الثقافات و صراع الديانات و كراهية الآخر المختلف .
و من هذا الأساس يبدو بصفة واضحة أن الأعمال الإرهابية لا جدوى منها للحركة التقدمية وهي تشكل أحد الأسباب الرئيسة لفشل مشاريع الإصلاح،ولقتل الحياة المدنية وعسكرتها وتمزيق أواصر المجتمعات وتبديد الطاقات وفرض واقع عام ووحيد، هو واقع العنف والعنف المضاد، برغم أن الكثيرين لا تغيب عن أذهانهم حقيقة لا يطاولها الشك بأن التاريخ الإنساني لم يسجل سابقة تقول بأن الإرهاب والأعمال التخريبية والترويع والتخويف بكل أشكاله وأدواته، قد حقق أهدافا أ و نال مراده.
وفي بعض الحالات , غالبا ما تكون العمليات الإرهابية نتيجة اختراقا أو استفزازا بوليسيا لتحويل الأنظار و صرفها عن الاستحقاقات التاريخية و لتأبيد دولة الاستثناء وتعزيز حالات الطوارئ كما بين ذلك الكاتب الايطالي جيفراندو سنقنتي المنتمي إلى "أممية مبدعي الأوضاع " في كتابه الشهير "Véritables rapports sur les dernières chances de sauver le capitalisme en Italie."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن مصمم على التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بين حماس وإسر


.. شبح الحرب يخيم على جبهة لبنان| #الظهيرة




.. ماهي وضعية النوم الخاصة بك؟| #الصباح


.. غارات إسرائيلية تستهدف كفركلا وميس الجبل جنوب لبنان| #الظهير




.. إسرائيل منعت أكثر من 225 ألف عامل فلسطيني من الوصول لأماكن ع