الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماهي سمات الاقتصاد المنشود ؟

غازي الجبوري

2007 / 9 / 20
الادارة و الاقتصاد


يطلق مفهوم "الاقتصاد الاشتراكي"على الاقتصاد الذي تشرف عليه الدولة مباشرة تخطيطا وتنفيذا ولا تسمح للأفراد والجماعات بممارسة مثل هذه النشاطات إلا على نطاق ضيق. وقد تباينت حدود هذا النطاق من دولة إلى أخرى ولكن في كل الأحوال لم تبلغ نسبة 50%من حجم النشاط الاقتصادي الكلي . وهو مايتيح للدولة الهيمنة المستمرة على الاقتصاد حماية لمصالح الأغلبية الساحقة من جشع وطمع النخبة الثرية المالكة وعادة ماتكون هذه الأغلبية فقيرة ومسحوقة وليس لها القدرة على إقامة المشاريع الاقتصادية صغيرة كانت أم كبيرة . وهذه السمة تكاد تكون الحسنة الوحيدة للاقتصاد الاشتراكي أو "العام" كما يطلق عليه أحيانا على الأقل بالنسبة للتجارب السابقة والحالية . فقد أثبتت التجارب العالمية فشل الاقتصاد الذي تديره الدولة مثلما حصل للتجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي لا سباب عدة ندرج فيما يلي أهمها:
1- فقدان الشعور بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية للعاملين في النشاط الاقتصادي تجاه الملكية العامة من أدنى الهرم الإداري والفني للبناء الاقتصادي إلى قمته بسبب تحديد الرواتب والأجور وعدم ربطها بقيمة إنتاجية كل فرد من الأفراد المشاركين في العملية الاقتصادية أو بقيمة الجهد المبذول .
2- انعدام التنافس بين الفعاليات الاقتصادية المتماثلة في تقديم الأفضل نوعا والأقل ثمنا من السلع والخدمات وهو ما يطلق عليه "نظام السوق" بسبب احتكار الدولة للنشاط الاقتصادي إنتاجا وتسويقا .
وهذه الأسباب أدت إلى قتل الإبداع وإيقاف عجلة التقدم الاقتصادي وهدر كبير في المال العام وبالنتيجة فشلا تاما على كل الأصعدة والمستويات. إلا إن إيجابياته تتمثل بتوفير حد أدنى من العدالة الاجتماعية بسبب الدعم الثابت والدائم لأسعار السلع والخدمات المقدمة للمواطنين بصرف النظر عن النوع والكم وتوفير فرص العمل لأكبر عدد منهم وهو ما يخفف عنهم بعضا من الأعباء المالية برغم كون ذلك احد معوقات التقدم الاقتصادي لان هذه العملية تنتج للمجتمع نوع من البطالة المقنعة ، والايجابية الأخرى هي انخفاض مستوى الفساد المالي والإداري قياسا لما موجود في نظام الاقتصاد الراسمالي .
أما الاقتصاد الرأسمالي فهو الاقتصاد الذي يهيمن عليه الاقتصاد الخاص أي الذي يمتلكه الأفراد والجماعات ذوو رؤوس الأموال ولا يبقى للدولة من دور في العملية الاقتصادية إلا في مجالات محددة ومتباينة من دولة إلى أخرى ولا سيما في المجالات الاستراتيجية ذات الصلة بالأمن الوطني . وقد أثبتت التجارب العالمية نجاح الاقتصاد الخاص نجاحا كبيرا أدى إلى تطور كبير في تلك البلدان للأسباب التالية :

1- الشعور العالي بالمسؤولية لدى المالكين والعاملين في النشاطات الاقتصادية الخاصة تجاه تلك النشاطات لكون المالكين سواء كانوا أفرادا أم جماعات مسئولين عن الإشراف على النشاط الاقتصادي في شركاتهم ومشاريعهم تخطيطا وتنفيذا لكونها ممتلكاتهم الخاصة .
2- هيمنة ظاهرة التنافس الحاد بين منتجي ومسوقي السلع والخدمات لتقديم الأفضل نوعا والأقل ثمنا من اجل تعظيم الأرباح التي تحقق لهم امتلاك ثروات طائلة "نظام السوق"مما يخلق الإبداع ويسرع عملية التقدم والنهوض والازدهار في كافة المجالات.
إلا أن هذا النوع من الاقتصاد يتسم بالكثير من الظواهر السلبية ندرج أهمها:
1- نشوء نخبة ثرية من كبار المالكين لرؤوس الأموال في المجتمع يشكلون أقلية في المجتمع تحتكر النشاط الاقتصادي وهو مايتيح لها الهيمنة على القرار السياسي في البلد والسيطرة على مقدراته خدمة لمصالحها الذاتية التي غالبا ماتكون على حساب المواطن دون اعتبار لأية قيمة إنسانية أو وطنية أو أخلاقية ولا تأخذها في تعظيم ثرواتها لومة لائم ، لان مصالحها فوق الاعتبارات الأخرى .
2- ارتفاع مستوى الفساد المالي والإداري في البلد بسبب وجود الأموال الكثيرة لدى الطبقة الثرية ما يمكنهم من استخدام وسائل الترغيب بل وحتى الترهيب عند الضرورة لشراء ذمم الآخرين ولاسيما السياسيين والموظفين في الدولة وعلى جميع المستويات تحقيقا لمصالحهم . وبسبب وجود أكثرية مسحوقة في المجتمع فبإمكان البعض منها أن يقدم الخدمات حتى الغير مشروعة مقابل المال طمعا بتحسين أوضاعهم المعيشية أو اضطرارا عند المرور بظروف حياتية عصيبة . ولاسيما في مجالات سرقة واختلاس المال العام وتهريب المواد الحكومية المدعومة والمتاجرة بالممنوعات وفي مجالات الضرائب والكمارك والتقييس والسيطرة النوعية والفوز بأفضل العطاءات وكذلك في الانتخابات السياسية بل وحتى في دوائر القضاء لما للمال من دور في التأثير على حياة الإنسان تبعا لظروفه وسلوكه وحالته النفسية .
3- حدوث صرا عات سياسية طبقية نتيجة استغلال الطبقة المالكة لجهود الطبقة العاملة من خلال منحهم أجور متدنية لا تتناسب مع مقدار ما يبذلونه من جهود وتقديم سلع وخدمات تفوق أسعارها إمكانيات المواطن بسبب انعدام الضمانات الصحية والاجتماعية والدعم الحكومي . وقد بلغت هذه الصراعات في أحيان كثيرة إلى مراحل عنيفة وثورات عارمة كما حصل في عدد من الدول .
4- تشكيل عصابات ومافيات إجرامية من قبل الأثرياء لاستخدامها في الحماية الذاتية والصراعات التي تحدث بينهم نتيجة ممارسة أعمال النصب والاحتيال والمضاربات ضد بعضهم البعض وردود الأفعال الانتقامية المقابلة والتي تطال في أحيان كثيرة المواطنين الأبرياء وتهدد امن واستقرار البلد.
5- التدخل في شؤون الدول الأخرى من قبل الشركات الكبرى ولاسيما ما يطلق عليها "عابرة القارات "التي تحتكر السلع الإستراتيجية في العالم وخاصة الأغذية الأساسية والمستلزمات الطبية الهامة والأسلحة والاعتدة الدفاعية من خلال ربط تقديم التسهيلات اللازمة لتوريد تلك السلع بشروط صعبة وخطيرة وتعجيزية أحيانا أو تقديم الدعم للأحزاب السياسية أو رشوة المسئولين أو ممارسة الضغوط المختلفة لإخضاعها لهيمنتها وبالتالي سلب حرياتها وثلم استقلالها السياسي والاقتصادي .
6- التغيرات الاجتماعية السلبية لدى طبقات المجتمع والناتجة من جراء التباين الكبير في مستويات المعيشة . ما يجعل سلوك الأثرياء متسما بالتعالي والغطرسة واحتقار الآخرين والنظر إليهم كمجرد خدم والشعور الدائم بعدم الثقة حتى بأفراد عائلته لاعتقاده الدائم أن كل من يتقرب منه إنما يفعل ذلك من اجل مصلحة ذاتية ولاسيما ورثته القانونيين حيث يعيش هاجس الخوف من اغتياله من قبلهم للسيطرة على أمواله . وفي المقابل يتسم سلوك الفقراء بالشعور بالنقص والتحسر والحقد إزاء الأثرياء ما يولد ردود أفعال غالبا ما تكون عنيفة .
ولذلك نعتقد أن النظام الاقتصادي المنشود هو الاقتصاد الذي تقوده الدولة مع الأخذ بايجابيات الاقتصاد الخاص التالية :
1- تبني اقتصاد السوق ، ويتم من خلال إنشاء أكثر من مشروع أو خط إنتاجي لتقديم السلع والخدمات لخلق التنافس الذي يحفز العاملين على الاستمرار في زيادة الإنتاج وتحسين نوعيته وتقليل كلفة إنتاجه وفي حالة عدم إمكانية إنشاء أكثر من مشروع لتقديم صنف واحد من السلع يجب استيراد السلعة من الخارج مقاربة لمواصفات السلعة الوطنية أو أفضل منها بقليل لخلق روح التنافس .
2- ربط الأجور والرواتب بنوعية وكمية السلع والخدمات من خلال جعل أجور العاملين تساوي نصف الأرباح المتحققة وتحويل النصف الآخر إلى الدولة لأنها صاحبة راس المال على أن توزع بين العاملين بموجب سلم درجات يأخذ بالاعتبار المستوى العلمي وكمية ونوع الجهد المبذول من قبلهم وطبيعة المخاطر التي يتعرضون لها أثناء العمل .
3- ترك مسؤولية اختيار ومحاسبة وعزل الهيئات القيادية للنشاط الاقتصادي إلى العاملين وليس إلى الدولة بحيث يسهل محاسبتهم واستبدالهم بالسرعة المطلوبة من قبلهم .
4- توزيع نصف واردات الدولة على المواطنين بالتساوي وتمييز العاجزين بسبب العوق أو المرض أو الشيخوخة وإنشاء دور خاصة لرعايتهم تتوفر فيها أحدث المستلزمات الحياتية في كل مدينة صغيرة كانت أم كبيرة ليكون قريبا من أهله وأقرباءه .
5- رفع جميع أنواع الدعم الحكومي للسلع والخدمات المقدمة للمواطنين وبيعها بسعر التكلفة مضافا إليه هامش بسيط من الربح باستثناء المصابين بالأمراض الخطيرة والمزمنة التي تتجاوز تكاليف علاجهم إمكانياتهم المالية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الاثنين 17-6-2024 بالصاغة


.. حزب المحافظين البريطاني يواجه خسائر تاريخية في الانتخابات ال




.. عيد الأضحى في ظل حرب السودان.. غياب للمظاهر ونزوح وأزمة اقتص


.. بموازاة الحرب في غزة.. -حرب اقتصادية- إسرائيلية تخنق الضفة ا




.. أوضاع اقتصادية صعبة تعيشها الأراضي الفلسطينية بعد حرب غزة