الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصمت الإسرائيلي ومهمة المحللين الإسرائيليين في قضية الغارة على سورية

برهوم جرايسي

2007 / 9 / 20
الارهاب, الحرب والسلام


*هذه ليست المرّة الأولى التي تتواطأ فيها وسائل الإعلام الإسرائيلية مع المؤسستين السياسية والعسكرية، ولا تنشر مباشرة ما لديها من معلومات *ولكنها في المقابل أخذت على عاتقها مهمة التلميح للجمهور العام بأن "شيئا ما كبيرا قد حصل *ولم تعد الغارة العدوانية هي مركز النقاش وإنما الصمت الرسمي وتواطؤ الإعلام معه"*.

واصل ساسة إسرائيل وقادتها العسكريون الحفاظ على صمت مطبق في ما يتعلق بالغارة التي نفذتها الطائرات الحربية الإسرائيلية على شمال سورية، في السادس من الشهر الجاري، أيلول/ سبتمبر، على الرغم من زخم ما نشر في وسائل الإعلام العالمية حول طبيعة هذه الغارة وهدفها.
إلا أن من يتابع وسائل الإعلام الإسرائيلية، وخاصة ما يكتبه المحللون الإسرائيليون البارزون في هذا الملف، يخرج بانطباع بأن إسرائيل الرسمية تركت لمحلليها، صناع الرأي، مهمة "الاعتراف الضمني"، بهذه العملية العدوانية، ليس تجاه العالم، بل بالذات تجاه الشارع الإسرائيلي.
لقد ادعى المحللون الإسرائيليون في كتاباتهم، أن الكثير من التقييدات فرضتها عليهم الرقابة العسكرية، "ولم يبق أمامهم تجاه القراء سوى تركيب جزئيات الصورة لمعرفة ما جرى"، ولكن في الحقيقة فإن جمع مقاطع من سلسلة المقالات التحليلية الإسرائيلية يتأكد لنا هذا الشكل من الاعتراف الضمني الإسرائيلي.
بعد يومين من إعلان سورية عن أن دفاعاتها الجوية تصدت لطائرات إسرائيلية، نشر المحلل السياسي البارز في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، ألوف بن، مقالا امتدح فيه الصمت الإسرائيلي ويكتب بن، "إن الصمت الرسمي الذي تتبناه القيادتين السياسية والأمنية الإسرائيلية حول ما جرى في سورية، يدل على ثقة بالنفس، فعلى الرغم من تردي وضعية رئيس الحكومة (الإسرائيلية) إيهود أولمرت في استطلاعات الرأي، وعدم اتساع شعبية وزير الدفاع إيهود باراك، إلا أنهما لا يسارعان للتحدث في هذه القضية".
وفي هذا رسالة واضحة للشارع الإسرائيلي، بأن الإثنين "يضحيان" بإمكانية كسب أوراق وزيادة شعبيتهما "من أجل مصلحة الوطن"، خاصة وانه في نفس اليوم الذي صدر فيه هذا المقال، صرح رئيس الحكومة أولمرت أمام الصحفيين لدى افتتاح جلسة حكومته الأسبوعية قائلا، "إنني أكن التقدير لعناصر الجيش الإسرائيلي وضباطه، الذين ينفذون عمليات شجاعة، وليست عادية، ودون توقف للحظة واحدة، إنها عمليات بطبيعة الحال ليس بالإمكان دائما الكشف عن أوراقها أمام الجمهور، هناك الكثير من العمليات التي تنفذها إسرائيل ضد قادة التنظيمات "الإرهابية"، وهذه العمليات ستتواصل دون تردد".
وقال المحلل السياسي، روني سوفير، في مقاله على موقع الانترنت "واينت" التابع لصحيفة "يديعوت أحرنوت"، في نفس اليوم، إن الصمت الإسرائيلي على ضوء "الحادثة" في سورية يتواصل، ولكن من الممكن أن في كلمة أولمرت أكثر من تلميح، بإرساله تحيات حارة للجيش الإسرائيلي.
ولكن "إعجاب" المحللين الإسرائيليين بالصمت الإسرائيلي لم يتوقف، حتى بعد غياب ثلاثة أيام للصحافة الإسرائيلية، بسبب عطلة رأس السنة العبرية ويوم السبت، لتصدر في مطلع الأسبوع بسلسلة من التقارير التي "تنقل" ما نشر في وسائل الإعلام العالمية، والى جانبها سلسلة مقالات تتحدث عن تصرف ساسة إسرائيل وعسكرها.
فتحت عنوان "الصمت فعال"، كتب المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، ألوف بن، "إن التقارير في وسائل الإعلام الأجنبية، التي تزايدت في الأيام الأخيرة، حول عملية سلاح الجو (الإسرائيلي) في سورية، لم تكسر الصمت الإسرائيلي الرسمي حول القضية، كما لا توجد مؤشرات بأن يزول هذا الصمت".
ويتابع بن كاتبا، "إن بإمكان إسرائيل أن تسجل لصالحها التجاهل التظاهري من قبل الحكومات الهامة في العالم للادعاءات السورية، فالأوروبيون الذين يسارعون لاستنكار كل ضربة إسرائيلية ضد الفلسطينيين، تجاهلوا الغارة الليلية لسلاح الجو (الإسرائيلي) في عمق الأراضي السورية".
وجاء في نفس المقالة: "إن الدعم الصامت الذي تلقته إسرائيل يدل على أنه من المريح للحكومات أن لا تقرأ الصحافة وتتجاهل نشرات الأخبار، وإسرائيل لم تثرثر، وبهذا أبعدت عن نفسها بيانات الاستنكار، كما جرت العادة، باعتبار أنها دولة عدائية وخارقة للقانون، وما كان لأي حملة إعلامية إسرائيلية لعرض سورية كعضو في محور الشر، أن يحقق نتائج كالنتائج الحاصلة الآن"، بفعل الصمت الإسرائيلي.
ويقدر بن وجود تنسيق وثيق جدا بين إسرائيل والإدارة الأمريكية، "فعلى أي حال ليس لدى الإدارة الأمريكية أية مشكلة إزاء الادعاءات السورية بشأن العملية السورية"، حسب الكاتب.
وفي هذا المجال فإن المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، أليكس فيمشان، كتب في مقال مطول له، "إنه ليس فقط في إسرائيل تم فرض رقابة (عسكرية) كاملة على القضية، فالإدارة الأمريكية تتخذ إجراء مماثلا، والمعلومات التي تصل إلى كبار المسؤولين في المستويات المختلفة في الإدارة الأمريكية محدودة جدا".
ويسأل فيشمان: "هل حقيقة أن الحكومتين الإسرائيلية والأمريكية تفرضان تعتيما مطبقا على نفس القضية هو من قبيل الصدفة؟ ليس واضحا".
ويؤكد المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، عاموس هارئيل، وجود تقييدات تفرضها الرقابة العسكرية الإسرائيلية على كل ما ينشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، "التي لم يعد بإمكانها سوى أن تستعرض ما جاء في وسائل الإعلام الأجنبية"، وهذا بتلميح واضح إلى أن بحوزة المحللين الإسرائيليين ما يكشفوا عنه، ولكنهم ممنوعون من هذا.
ويكتب هارئيل، "تحت هذه التقييدات القاسية، لم يعد بإمكانية وسائل الإعلام الإسرائيلية، تجاه قرائها، سوى أن تحاول تركيب جزئيات الصورة الكاملة اعتمادا على ما ينشر في الصحافة الأجنبية".
ويكرر هارئيل هنا مزاعم أن سورية تنشط بمساعدة كوريا الشمالية لإقامة مشروع نووي، ويكتب، "إن الصمت الإسرائيلي يثبت نفسه مرحليا، فالصحافة الأمريكية تقدّر بأن الصمت الإسرائيلي بعد الغارة على سورية نابع من محاولة إبعاد عن استنكار الأسرة الدولية لعمليتها".
ويشير هارئيل إنه على ضوء التهديدات السورية بأنها سترد على الغارة الإسرائيلية، فإن التوتر على الحدود مع سورية مستمر، "رغم أن سورية لم تتخذ بعد أي إجراء كرد على العملية، ولكن حقيقة انه مرّت 10 أيام على العملية لا تمنع حالة الترقب الإسرائيلية لأي رد سوري".

وسلسلة من التلميحات

وبعد يوم من هذا الكم من المقالات ينشر الكاتب شلومي برزيلي مقالا يحاول فيه الدفاع عن موقف الصحافة الإسرائيلية في تلميح واضح إلى أن تصرفها فيه نوع "من المسؤولية"، وهي رسالة أخرى تقول للشارع الإسرائيلي إن ما لديكم من معلومات صحيح، وليس بالإمكان الحديث عنها جهارة.
ويكتب برزيلي: "من السهل الادعاء بأن الصحافة الإسرائيلية خانت وظيفتها، حين لم تكافح قرار الرقابة بمنع نشر فوري وشامل عن العملية، التي نفذها الجيش في سورية حسب ما ينشر في وسائل إعلام أجنبية... ها هو فقد حدث أمر، وقد يقود إلى حرب ولكن الصحافة صامتة، وهذا الصمت يخلق حيرة ومعضلة في وسائل الإعلام الإسرائيلية".
ويضيف برزيلي، إنه على ضوء ما ينشر في وسائل الإعلام العالمية تجد الصحافة الإسرائيلية نفسها أمام ثلاث إمكانيات، "إما أنها لا تعرف ما جرى في دولتها، أو أنها تعرف ولكنها حاشا وكلا، تتعاون مع الحكومة"، ويتابع، "أما الإمكانية الثالثة فعلى ما يبدو تم نسيانها، وقد تكيل المديح لوسائل الإعلام المحلية (الإسرائيلية)، وهو أن وسائل الإعلام هذه وبكل بساطة أظهرت مسؤولية، فهي تعرف ما جرى، وتم إبلاغها بذلك، وعلى الرغم من هذا فقد اقتنعت بأن من الصحيح الآن هو ان تصمت خدمة لمصلحة إسرائيل، فلربما إنهم أخطأوا ولكن يخيل لي أن الحديث يجري عن قناعة عميقة بالقرار، أكثر من أن يكون مفروضا عليها من فوق".
وجاء في مقالة برزيلي: "ممنوع على وسائل الإعلام أن تقبل باملاءات الرقابة، وممنوع أن تقبل بكل ادعاء بأن الصمت أفضل لهم، ولكن في نفس الوقت ممنوع عليها أن تعمل بشكل أوتوماتيكي، والادعاء بأن كل شيء صالح للنشر".
ويدافع برزيلي عن انتقاد دور الصحافة الإسرائيلية في هذه القضية، وعلى ما يبدو يرد على مقالة الصحفي غدعون ليفي، التي نختتم فيها هذه المعالجة، ويكتب: "إن النشر في وسائل الإعلام لن يقود الدولة إلى حرب، كما يدعي البعض، ولكن بالإمكان أن نرد عليهم بالقول إن النشر لا يمنع وقوع حرب... 11 يوما بعد تلك العملية، يخيل أن قرار الصمت أو على الأقل السيطرة على سيل المعلومات ثبت نفسه بأنه كان صحيحا".
ويختتم برزيلي مقاله كاتبا: "ليس يجب الشكر فقط لصحيفة واشنطن بوست، بل أيضا لوسائل الإعلام المحلية التي قدمت، تمشيا مع تقييدات الرقابة، معلومات خدمت مصلحتها ومصلحة إسرائيل، وهذا لا يحدث كثيرا".
ولكن على ما يبدو هناك من قرر تقديم مؤشرات أخرى للغارة العدوانية على سورية، فيوم الأحد من هذا الأسبوع، (16 أيلول/ سبتمبر) قدم رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية اللواء عاموس يدلين تقريرا دوريا أمام اللجنة البرلمانية للشؤون الأمنية والخارجية، وتحدث فيه عن "التحديات" التي تواجهها إسرائيل في هذه المرحلة، إن كان أمام الفلسطينيين، أو على الحدود مع سورية ولبنان، أو في الملف الإيراني.
وخلال سير الاجتماع المغلق كليا، "اهتمت جهة ما" أن تبلغ المراسلين، أن يدلين أراد إبلاغ أعضاء اللجنة بالتطورات أمام سورية، إلا أن رئيس اللجنة تساحي هنغبي رفض ذلك، وطلب منه ان يقدم تقريره هذا أمام اللجنة المقلصة لشؤون الاستخبارات.
ولكن بعد الاجتماع، تم الإعلان عن أن يدلين أبلغ اللجنة بأن قوة الردع الإسرائيلية تعززت أمام سورية وإيران.
وعلى ما يبدو فإن المحلل العسكري في القناة الأولى للتلفزيون الإسرائيلي أراد تقديم إثبات آخر على الغارة الإسرائيلية، وقال "إن أولمرت لم يتخذ قرار الغارة لوحده"، مذكرا بأن اللجنة الوزارية المقلصة للبحث في الملف السوري عقدت، حتى مطلع الشهر الجاري، ستة اجتماعات خلال خمسة أسابيع، في تلميح واضح إلى ما كان يدور في هذه الاجتماعات.
ومن الملفت للنظر أن هذه الاجتماعات عقدت في فترة كثر الحديث فيها عن احتمال استئناف العملية السياسية مع سورية، والسعي إلى تخفيض حدة التوتر العسكري عند خطوط المواجهة في هضبة الجولان السورية المحتلة.

خارج السرب

وكالعادة فإن الصحفي التقدمي غدعون ليفي يبقى خارج السرب، فقد نشر مقالا في صحيفة "هآرتس"، وجه فيه انتقادا حادا لوسائل الإعلام الإسرائيلية (مقال برزيلي السابق ذكره يرد عليه).
ويكتب ليفي: "إن الدمج بين قرابة جارفة وصحافة لا تحارب على حرية المعلومة هو أمر خطر، إسرائيل قصفت أو لم تقصف، فمن يعلم، لم يبلغوا الجمهور بأي شيء، وكل شيء سري، من دون أية رقابة، لقد أمروا الجمهور بأن يصمت، وأن يدعم بشكل أعمى بحكومته وجيشه، مهما يكن، إن هذا وضعا لا يمكن تحمله بأي حال من الأحوال، ولكن على ضوء الظروف الخاصة للحادث في سورية، فإن هذا يجعل الأمر أكثر خطورة (الصمت)".
ويتابع ليفي كاتبا، "إن التفسير بأن الصمت المدوي هو لأن إسرائيل لا تريد إحراج سورية وجرها إلى حرب، هو تفسير خلافي،... فسوريا ترد أو لا ترد على إسرائيل، ليس بسبب ما ينشر وإنما بسبب العملية ذاتها، فالنشر لا يجر دولة إلى حرب".
ويختتم ليفي مقاله كاتبا، "إن الصحافة الإسرائيلية أودعت نفسها للحاجز الدخاني من دون قيد أو شرط، وليس من وظيفة الصحافة أن تأخذ بالحسبان بأن نشرها قد يقود إلى حرب، وإنما وظيفتها هو إبلاغ الجمهور، أو على الأقل ان تحارب من أجل هذا، ولهذا فإن الصحافة الإسرائيلية خانت وظيفتها..."، وهنا يجب شكر واشنطن بوسط التي قدمت لنا المعلومات.
في المجمل العام فإن الاهتمام الإسرائيلي الداخلي لم يعد ماذا كان هدف الغارة، فلربما أن هذا "تفصيل" سيأتي في حينه، وإنما شكل تصرف قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين في مهمة كهذه، وهذه قد تكون أوراقا يلوح بها أولمرت في لحظة ضيق سياسي تواجهه، مذكرا بصمته "من أجل المصلحة الوطنية".









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة