الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات والأمية بالمغرب: -إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب-()(1)

عبد الإله بوحمالة

2007 / 9 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


أحيانا يغيب جزء كبير من الحقيقة المطلوبة وراء رقم صغير لا نعرفه أو نعرفه ونتجاهله إلى معطيات أخرى ثم يكون هذا الرقم بالذات هو المفتاح الأساسي الذي يقود إلى فهم وتفسير كثير من الغوامض والظواهر المحيرة التي تصادفنا في سياق الاستقراء والتحليل.
هذه الملاحظة تنطبق تماما على رقم إحصائي يرغمنا الكبرياء والخجل عادة على التستر عليه ودسه تحت طرف السجاد كما يقال، إنه الرقم المتعلق بنسبة الأمية في المغرب. فقد كان من الممكن جدا ـ في اعتقادي ـ تلافي جزء من النتائج المحرجة التي أفرزها الاقتراع الأخير لو تم الالتفات إليه كمعطى مؤثر، ولو تم الصدور عنه بدءا في مراحل الإعداد الأولي للعملية الانتخابية، بل وفي عموم اللحظة السياسية التي تسبقها وتساوقها، وربما كان أفاد في الإجابة على سؤال ما الذي يتعين فعله قبل أن يحصل ما حصل يوم 7 شتنبر.
ما يؤكد هذا القول أن كثيرا من الخيوط، التي أنتجت النسبة الهزيلة للمشاركة (بصرف النظر عن العزوف المتموقف)، إذا تتبعناها إلى الآخر سنجدها تنتهي عند إشكالية الأمية المتفشية في المغرب، كما تنتهي من جانب آخر عند عدم إعطاء الأطراف المقررة والفاعلة في المجال السياسي هذا المؤشر الدال ما يستحقه من اعتبار واهتمام. ويمكن أن نستدل، في هذا الصدد، بأمثلة توضح علاقة الأمية بتدني نسبة المشاركة وارتفاع نسبة البطائق الملغاة في العملية الانتخابية بالمغرب من خلال العوامل التالية:

أولا: عامل استعمال البطاقة الفريدة.

عانى كثير من الناخبين، الذين يعيشون حالة أمية هجائية، من صعوبة التمييز بين الرموز التي يتعين عليهم اختيارها ومن ثم التأشير عليها بعلامة، بسبب إكراه الكثرة وضيق الوقت ودهشة المعازل. فنظام البطاقة الانتخابية الفريدة يتميز بكونه لا يعتمد على الألوان ولا على الصور الفوطوغرافية للمرشحين (أي على اللغة التي يفهمها الأميون)، كما كان عليه الحال بالنسبة للاقتراع الأحادي الإسمي الذي جرى به العمل سابقا حيث كان في مستطاع الناخب الأمي إنجاز اختياره بسهولة وسرعة، الشيء الذي دفع كثير من المصوتين إلى التخلص من وطأة الحيرة والعجز بتصويت أبيض أو بتأشير غير سليم يجعل تصويتهم لاغ.

ثانيا: عامل استعمال القلم.

أكثر من الصعوبة السابقة الناجمة عن البطاقة الفريدة كانت هناك أيضا صعوبة استعمال القلم في عملية التأشير على الرمز المختار ووضع العلامة المميزة عليه، فالناخب الأمي سواء كان فلاحا أو حرفيا أو عاملا مياوما أو امرأة من ربات البيوت.. لا يمكن أن يتأقلم مع استعمال القلم دون سابق تدريب، مع العلم أن المطلوب كان هو وضع علامة واضحة داخل إطار محدد لا يجوز تجاوزه إلى غيره.

ثالثا: عامل التباس الهوية البصرية للأحزاب.

إذا استثنينا الأحزاب العريقة والأحزاب الإيديولوجية نجد أن كثيرا من الأحزاب لم تفلح في اختيار رمزها الحزبي أو الانتخابي (اللوغو)، بالشكل الذي يتآلف معه الناخب الأمي حيث يتمكن دون كبير عناء، يوم الاقتراع، من الربط بين الحزب ووكيل لائحته وشعاره على الورقة الفريدة، أو بالتحديد بين العنصرين الأخيرين، خصوصا أن الفئة المشار إليها لا تتعرض للإعلام بشكل مداوم ومتفاعل ولا تستفيد من الوصلات التوعوية في هذا الباب، وكل ما تكتسبه من معرفة حول الأحزاب والمرشحين والرموز وعملية التصويت هو حصيلة ما يمكن أن يصل إلى سمعها في خطفا في الشارع بالنسبة للمدن أو في السوق الأسبوعي بالنسبة للقرى والبوادي. بالإضافة إلى أن كل الأحزاب قصرت حتى في استغلال الحيز الزمني المخصص للحملة الانتخابية ولم تستثمره في هذا الاتجاه والقليل منها من زاد من وتيرة تحركاته التواصلية الدعائية وتفاعل مع جمهور الناخبين في اليومين الأخيرين للحملة خصوصا في معاقل الأمية المعروفة أي في الأوساط الشعبية والمناطق النائية.

رابعا: عامل تشابه الهوية الإسمية للأحزاب.

والمقصود هنا هو أسماء الأحزاب. فالناخب الأمي يستعصي عليه في ظل الكثرة الكثيرة للأحزاب، خصوصا التي ولدت مؤخرا، أن يميز بين حزب وآخر من خلال اسميهما، فمثلا هناك ستة أحزاب، تقدمت للانتخابات، يتضمن اسمها الوحدة المعجمية ( ديمقراطي/ ديمقراطية )، وهناك ستة أحزاب يتضمن اسمها وحدة ( اشتراكي/ اشتراكية )، وأربعة أحزاب ترفع شعار ( التنمية )، وأربعة أحزاب أخرى بالنسبة لوحدة ( الوطني/ المواطنة )، كما أن هناك حزبين اثنين بالنسبة لوحدة ( العدالة )، وحزبين بالنسبة ل ( الاستقلال )، ناهيك عن تعدد وحدات من قبيل الحركة والاتحاد والقوى.. الشيء الذي لا يسمح بترسيخ أسماء الأحزب في ذهن الكتلة الناخبة من فئة الأمييين ويعطي، بالتالي، انطباعا عاما بأن الكل في النهاية يساوي واحد، تعزز هذا الانطباع أشياء إضافية أخرى متعلقة بالبرامج الانتخابية والخطاب السياسي وتضاؤل كاريزما القادة والزعماء..

خامسا: عامل الخلط بسبب التزكيات والتحالفات ولائحة النساء

الناخب المغربي عموما، والأمي على وجه الخصوص، اعتاد من خلال التجارب الانتخابية السابقة أن يتعامل مع المرشح كشخص بعينه ثم كمرشح واحد لوحده، سواء استطاع أن يتعرف على الحزب الذي ينتمي إليه أم لا. وهذه العملية كانت في نظام الاقتراع السابق تسهل على الناخب مأموريته في مواجهة المعزل والصندوق.
لكن في النظام الحالي أصبح مطلوبا منه، وهو الشخص الأمي، أن يبدل مجهودا ذهنيا أكثر، إذ عليه أن يربط بين الشخص المرشح واللائحة التي ينتمي إليها والرمز الانتخابي الذي تحمله هذه اللائحة. وزاد من حالة الالتباس على الناخبين ما يقع في كل استحقاق من صراع التزكيات إذ صار مفروضا على الناخب أن يحين معلوماته في كل مرة، ولا يعتمد على خبرته من الاستحقاق السابق ولو كان قريبا في الزمن، فهناك من كانوا فرقاء متنافسين في انتخابات سابقة أصبحوا فجأة شركاء متحالفين تضمهم لائحة واحدة ويزكيهم حزب واحد، ولنا أن نتصور المتاهة التي يوضع فيها هؤلاء الناخبين بسبب تشبتهم بتأدية واجب وطني قد لا يضيرهم في شيء أن يأخذوا الأمر من آصره ويدخلوا زمرة القاعدين كما فعل معظمهم هاته السنة.

() حديث شريف
(1) ـ النسبة العامة المتداولة تراوح 50%، وتتجاوز في صفوف النساء 62%.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول إسرائيلي: حماس -تعرقل- التوصل لاتفاق تهدئة في غزة


.. كيف يمكن تفسير إمكانية تخلي الدوحة عن قيادات حركة حماس في ال




.. حماس: الاحتلال يعرقل التوصل إلى اتفاق بإصراره على استمرار ال


.. النيجر تقترب عسكريا من روسيا وتطلب من القوات الأمريكية مغادر




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال لمسجد نوح في