الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سينما سورية جديدة (3)

بشار إبراهيم

2007 / 9 / 23
الادب والفن


عبير إسبر:
غواية الأدب والسينما
في المسافة ما بين الأدب والسينما، ربما تتلخَّص رحلة الروائية والسينمائية السورية الشابة عبير إسبر، ولكن من المؤكَّد أنها قد أُصيبتْ بلوثتي الأدب والفن، إصابةً غير طارئة، ولا عابرة، فهي وعلى الرغم من تجربتها القصيرة، باعتبارها روائية شابة، من جهة أولى، وسينمائية شابة، من جهة ثانية، استطاعت أن تحظى بلفتة إعجاب، على الأقل لاجتهادها، وإصرارها، ودأبها.
عبير إسبر، الروائية الشابة التي نالت روايتها «لولو»، جائزة حنا مينه الأولى للرواية في سوريا، عام 2003، لم يبدُ أن الكلمة المكتوبة كانت كافية لديها للتعبير عمَّا تريد، فسرعان ما تحوَّلت إلى الصورة، وانشغلت بتكوين ذاتها على هذا الصعيد، من التصوير والمونتاج إلى الإخراج، وهذا ما بذلت في سياقه سنوات عدّة، وجهوداً، وأموالاً، لعلها تصل إلى الدرجة التي تراها لائقة بها، أو مؤسِّسة لما تطمح إليه..
هذه الروائية الواعدة، كما تُوحي لنا الجائزة الأولى التي نالتها، عملت جهدها للتحوِّل إلى سينمائية، بدءاً من الانخراط في ورشة «دورة الإعداد السينمائي» عام 2000، التي أشرف عليها د. محمد قارصلي، بالتعاون مع «الدائرة الإسبانية للتعاون مع الدول العربية»، ومن ثم الذهاب للدراسة في فرنسا، حيث انتسبت في العام 2001، لمعهد إيزرا (المدرسة العليا للفنون السمعية البصرية)، من أجل دراسة الإخراج السينمائي، دون أن تستكمل تلك الدراسة لأسباب عملية!..
عبير إسبر اكتشفت حينها أنها ليست إلا أمام مهمة هدر سنوات فائضة، في سبيل ما خبرته في الواقع العملي، حيث أنها عملت مخرجة مساعدة، ومخرجة منفذة، وعاملة سكريبت، في عدد من الأفلام السينمائية، والأعمال التلفزيونية، كالعمل مع هيثم حقي في مسلسله «ردم الأساطير» 2002، ومع يسري نصر الله في فيلمه «باب الشمس» 2002 ـ 2003، ومع سمير ذكرى في فيلمه «علاقات عامة» 2005، ومع ريمون بطرس في فيلمه «حسيبة» 2006، ذاك مما يكسبها خبرة عملية، على طريق بلورتها كمخرجة.
ومن الطريف أن عبير إسبر، التي اعتنت بالمساهمة في كتابة القصة، وإعداد الفكرة، وكتابة السيناريو، لعدد من الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة، واهتمت بالتمكُّن من التصوير والمونتاج والإنتاج والإخراج، انخرطت مؤخراً في ورشة سينمائية جديدة، أشرفت عليها القنصلية البريطانية، عبر المركز الثقافي البريطاني بدمشق، وأُقيمت في المعهد العالي للفنون المسرحية، وبإشراف الأستاذ كيشور فيرما، لمدة خمسة أيام، بما يدلِّل على استعدادها لالتقاط كل فرصة ممكنة لتطوير إمكانياتها، وبلورة موهبتها.
فيلم عبير إسبر الأول، والذي حمل عنوان «عبق مغادر»2001، وصل إلينا باعتباره من نتاجات ورشة «دورة الإعداد السينمائي». وهو فيلم تسجيلي وثائقي قصير (مدته 6 دقائق)، يدور في سوق البزورية الشهير بدمشق، هذا السوق التاريخي والأثير لدى السوريين والعرب والأجانب، على السواء، لخصوصيته، ورونقه، وطبيعة الحاجة إليه، ليس باعتباره (سوق العطَّارين) فقط، بل لأنه مع هذا وذاك، هو المكان المُحمَّل بعبق التاريخ العريق.
يبدأ الفيلم بمجموعة من المشاهد الليلية لأحياء دمشق، ومن ثم لتفاصيل من البضائع المأثورة عن هذا السوق، ومن ثم لوحة جدارية صغيرة، تُعرِّف بالسوق عبر جمل محدودة ومقتضبة، قبل أن ننتقل إلى حديث شاب يعمل في أحد محلات السوق، سنعرف أن هذا الشاب ورث العمل عن أهله، وترك مدرسته للعمل في مهنة الآباء والأجداد، كما نتعرّف إلى رؤيته عن السوق، وأهميته التجارية، وعن عالم العطارة، ما بين العلم والسحر والخرافة..
لا تتبيَّن العلاقة واضحة بين عنوان الفيلم ومضمونه، فليس ثمة من إشارة إلى الخوف على هذا السوق من الاندثار (أو المغادرة)، بل إن حديث ضيف الفيلم الوحيد يمنح الإحساس بالثقة برسوخ مكانة هذا السوق، وتواصل العمل فيه عبر الأجيال. كما أن السوق يبدو في كثير من مشاهد الفيلم مزدحم برواده، من كبار وصغار، ورجال ونساء، غير مُهدَّد بما يُقلق.
الفيلم لا يتخلَّى عن طابعه (الريبورتاجي) العام، وإن بدا أنه ينطلق من افتراض أن المشاهدين يعرفون الكفاية عن هذا السوق، فاكتفى بمعلومات اللوحة الجدارية، التي علقتها محافظة دمشق على أحد جدران السوق. ليس ثمة من قراءة لتاريخ السوق، ولا ارتباطه بجواره، ولا حتى الاقتراب من أبرز معالمه الأثرية، والشواهد التاريخية الدالّة على عراقته.. كلُّ ما جرى أن الفيلم تحدَّث عن السوق، على لسان الضيف اليتيم فيه، فيما كانت الكاميرا تدور في المكان، دون سيناريو أو إعداد محكم.
خلال تلك الفترة ذاتها (في العام 2000)، عملت عبير إسبر مخرجة منفِّذة، ومصوِّرة، لفيلم عنوانه «خصب»، عن فكرة لها، وهو فيلم تسجيلي متوسط (مدته 40 دقيقة)، مُنتج لصالح التلفزيوني البريطاني. لم نتمكَّن من رؤيته، لعدم توفِّر نسخ منه.
بعد ذلك، وفي العام 2002، عملت عبير إسبر، كاتبة للقصة، ومساهمة بالإنتاج، ومساعدة للمخرج، في فيلم «نور» من إخراج سامر برقاوي، وهو فيلم روائي قصير (مدته 7 دقائق)، عن حبيبين يحاولان سرقة لحظة فرح، فتُسرق منهما!.. وسنتوقف أمام هذا الفيلم بالتفصيل، عندما نتحدث عن المخرج سامر برقاوي، في حلقة قادمة.
فيلم «تك.. تك»، الذي تولّت عبير إسبر كتابة السيناريو، والإنتاج، والإخراج، عام 2002، هو فيلم روائي قصير (مدته 12 دقيقة)، وهو يبدو منذ الوهلة الأولى حالة النضج الأعلى، التي حقَّقتها المخرجة، حتى الآن، إذ يبدو أنه الفيلم الأكثر تماسكاً، على الرغم من الهنات التي لم يتخلَّ الفيلم عنها تماماً.
في فيلم «تك.. تك»، ثمة شاب يتهيأ للقاء موعود مع حبيبته، ولكنه سوف يتعرض لغزو العديد من المزعجين، بدءاً من جارته المغوية، وشقيقه العابث، وجاره الفضولي، وصولاً إلى أولاد الحارة، ممن يلعبون الكرة، ويكسرون زجاج نافذته.. ولكن لحظة الانكسار الحقيقية التي يقع فيها الشاب (المُنتظر)، تحصل دون وضوح أو إقناع تامين، لدى مشاهدته حبيبته من النافذة!.. فينكفئ الشاب، وحيداً في غرفته، في عزلة اختارها بكل الكآبة، ويترك حبيبته تكرر طرقاتها على الباب.. ربما حتى اليوم..
فضلاً عن أسلوبها في تلافي استخدام أسماء للشخصيات، ومنحها صفات مُحدَّدة، تنمِّطها في بُعد واحد: (الشاب، الفتاة، المُنتظر، الجارة، الجار..)، وتجرِّدها من أبعادها وخلفياتها النفسية والاجتماعية. وفضلاً عن أسلوبها في التخفُّف ما أمكن من الحوار، تعتمد المخرجة في هذا الفيلم على اللقطات الطويلة، المتنقِّلة داخل الشقة (باستخدام تقنية ستيدي كام) بمبرر أحياناً، ودون مبرر أحياناً أخرى، مع ملاحظة هفوات مونتاجية، وأخطاء على صعيد الراكورات والإكسسوارات، وافتقار الفيلم لما ينبغي أن يكون محذوفاً في رؤية الفيلم، على مستوى المشاهدة، مفهوماً في تلقيه واستقباله، واستكمال المعلومة وتفاصيل الحكاية، على مستوى الإدراك.. هذا الأمر الذي نراه شرطاً أساسياً في الفيلم القصير.
المشكل الأساس، عند عبير إسبر، كما يبدو لنا، هو مفهومها للفيلم القصير، سواء أكان تسجيلياً وثائقياً، أم روائياً قصيراً، خاصة مع تكرُّر هذه الملاحظة فيما شاهدناه من أفلام أخرجتها، أو كتبت القصة لها. وربما يمكن إعادة ذلك إلى مفهوم القصة القصيرة لديها، (مع ملاحظة أنها روائية، أصلاً)!.. وما نعنيه بالضبط هنا، هو موضوع البنية المكثفة، التي ينبغي أن تتوفَّر للفيلم أو القصة القصيرة، بحيث لا تقبل زيادة، ولا تحتمل نقصاناً. وهذا المقياس لا ينطبق على الأفلام التي اشتغلت بها، أو عليها، حتى يمكن القول إن فيلم «تك.. تك»، مثلاً، يمكن أن يكون فيلماً روائياً طويلاً مضغوطاً في اثنتي عشر دقيقة، إذا تذكّرنا «كومبارس» نبيل المالح!..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب