الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سينما سورية جديدة (2):

بشار إبراهيم

2007 / 9 / 22
الادب والفن


جود سعيد: «بضع من أيام أُخر»
المخرج السينمائي السوري الشاب جود سعيد، أصغر المخرجين السينمائيين السوريين سناً، فهو مولود بدمشق عام 1980، وهو خرّيج قسم فنون المسرح والصورة السينمائية والشاشة، من جامعة ليون الثانية (لويس لوميير)، في فرنسا 2005، وقدَّم فيلم تخرّجه بعنوان «بضع من أيام أُخر»، عام 2005، وهو فيلم وثائقي فصير (مدته 20 دقيقة)، وعمل بعد ذلك في فيلم «وجهك أرض قصيّة»، بإخراج مشترك مع لوران شال 2006، وهو فيلم وثائقي طويل (مدته 80 دقيقة)، ننتظر أن يصل إلى جهوزية العرض، حالما تتهيأ الظروف المناسبة.
ربما تبدو هذه المقدمة قصيرة جداً، بل ضيقة أكثر، على ما نعرف، خاصة بالنسبة لسينمائي شاب، لديه من الرؤى والطموحات الكثير، دفعته لترك دراسة الهندسة الكهربائية في جامعة دمشق، والذهاب لدراسة السينما في فرنسا، ومن ثم العودة ثانية إليها، لاستكمال دراسة عليا (ماستر كلاس)، في الإخراج السينمائي عام 2006، ويتهيأ الآن لدراسة موازية لها في مجال الدراسات السينمائية النظرية.
فيلم واحد، قد لا يكون كافياً للإطلالة على العالم السينمائي الذي يتوق جود سعيد لبنائه، ولا على الإضافة التي يتوخَّاها، أو لعله يتمنَّاها، وقد مرّت قبله على شاشة السينما السورية أجيال من المخرجين السوريين، ممن تفاوتوا في رسم بصماتهم على فضتها، حتى ذهب البعض إلى قول إن هؤلاء الأسلاف لم يتركوا لمن بعدهم، من أخلاف، حيِّزاً أو مكاناً، أو فسحة للقول، وبدت الساحة السينمائية السورية، منذ أكثر من ثلاثين عاماً، محجوزة للجيل الذي نهض أواخر الستينيات، وبحري السبعينيات، والثمانينيات، من القرن العشرين.
في المُعلن من التفاصيل، لا يتكئ المخرج السينمائي جود سعيد، إلا على شهادة أكاديمية عليا من فرنسا، وعلى فيلم تسجيلي وثائقي قصير (مدته 20 دقيقة) واحد، لا يعدو أن يكون فيلم تخرُّجه، هو الفيلم الذي صنعه لصالح معهده، وبالتعاون مع جماعة للتنقيب الأثري، ومع ذلك، فالفيلم حاضر في غالبية العروض السينمائية، الثقافية، في دمشق، منذ قرابة السنتين، كان منها «تظاهرة الوردة للسينما العربية المستقلة» عند منتصف عام 2006، و«مهرجان شبابلك الثقافي الأول» قبيل نهاية العام 2006، وتظاهرة «أسبوعا الفيلم العربي الفرنسي في دمشق» عند مطلع العام 2007. في حين أن المخرج، حاضرٌ في العديد من الندوات والجلسات، التي غالباً ما يدور الحديث فيها عن السينما السورية، سواء من ناحية سينما الشباب، واقعها وطموحها، أو المشكلات التي تواجه الإنتاج السينمائي (العام، والخاص، والمستقل) في سوريا..
ولكن فيما هو غير معلن، أو قيد الإعلان، فإن المخرج جود سعيد يتحضَّر حالياً للدخول مخرجاً لفيلمه الروائي القصير بعنوان «إليز»، لصالح المؤسسة العامة للسينما، وأيضاً بالتعاون مع مديرة التصوير جود كوراني، في تعاون فني أول بينهما، ومع مجموعة من الممثلين غير المحترفين، كخيار فني. على الرغم من التأخُّر لمدة تقارب سنة ونصف، بسبب إشكاليات تتعلُّق بمعادلة شهادتيهما العلمية، معاً وعلى السواء، هو في الإخراج وهي في التصوير.
بالعودة إلى فيلم «بضع من أيام أُخر»، يبدو واضحاً أن المخرج لم يستنفذ كل خبراته المتكوِّنة راهناً، نتيجة الدراسة الأكاديمية، ولم يوظِّفها تماماً، وإن بدا الفيلم على شيء الغنى البصري ودلالاته، وعلى قدر من الحرفية المهنية ومهاراتها، بدت أولاً: على مستوى التصوير (رغم أنه لم يستخدم أجهزة إضاءة مناسبة تماماً). وثانياً: على مستوى المونتاج. وثالثاً: على مستوى الارتقاء بموضوع الفيلم، من مجرد رصد ومتابعة مجموعة التنقيب الأثرية العاملة في المكان، أو من مجرد رصد قرية مُهدَّدة بالغمر، إلى مزاوجة فريدة بين التنقيب الأثري والمطاردة في التاريخ، من جهة أولى، والتجاهل والإهمال في الجغرافيا، بمعنى الحاضر أو الراهن، من جهة ثانية.
مرة أخرى، نجد فيلماً لسينمائي سوري شاب، ينبني على المفارقة والتناقض بين مجموعتين بشرتين، وحالتين مرصودتين، فيما بين القول والرؤية. والطريف في الأمر أن هذا التناقض لا يبدو مُفتعلاً، ولا باذخاً في مباشرته. بل إنه يتوارى خلف تلجلج الحاضر، وثقل لسانه، وارتباكاته، وقلّة حيلة بلاغته، من جهة أولى، ووراء فصاحة الماضي المتكئ على آلاف من السنوات، تعود إلى الألف التاسع قبل الميلاد، من جهة ثانية.
في قرية «تل عبر»، الواقعة على ضفاف نهر الفرات، بالقرب من سدّ تشرين، تدور كاميرا فيلم «بضع من أيام أُخر»، المُرافقة لبعثة التنقيب الأثري فيها، فتكتشف (بالصدفة ربما) أن هذه القرية التي تتكاثف الجهود لالتقاط تاريخها، والعثور على آثارها، والكشف عن إنسانها القديم، إنما هي قرية متروكة الآن للإهمال والنسيان، فلا عناية بالصحة، ولا بالتعليم، ولا بالمواصلات، ولا حتى بالإنسان.. فتحاول القرية وناسها استمداد القوة لحضورها الراهن، من تاريخها الغابر..
مزاوجة ذكية بين المستويين، وتداخل مونتاجي ماهر، وتفاصيل دقيقة ترسم الصورة، وتتركها مُعلَّقة، تُطلق سؤالها: (هنا لا مدرسة الآن، ولكن الكتابة ذاتها بدأت هنا قبل آلاف السنوات)؟.. دون أن ننسى الضحكات، التي كرَّرها المخرج، منذ بداية الفيلم، لأكثر من مرة.. وبعض النظرات، والعبارات، واللقطات، ذات الدلالة، والتي تكمن وراءها مُضمرات خطاب الفيلم، على المستوى الانتقادي، كما على الصعيد التوثيقي..
سنسجِّل للمخرج جود سعيد، أنه وعلى الرغم من تناوله موضوعاً مطروقاً، على الأقل من طرف المخرج عمر أميرلاي في «الطوفان» 2003، والمخرج محمد الرومي في «أزرق رمادي» 2005، نقصد موضوع الغمر والمغمورين، إلا أنه تمكَّن من النأي بفيلمه عمَّن سبقه، وبنى له رؤية خاصة، لا تتأثَّر بنقد أميرلاي السياسي، ولا بشاعرية الرومي الساحرة.
كما أن الفيلم بدا، في لحظات، شيئاً من رصد «وقائع يومية في حياة قرية سورية»، بما يذكِّر، ولو من بعيد، بما كان قد فعله الثلاثي (عمر أميرلاي، وسعد الله ونوس، وقيس الزبيدي)، عام 1974، ولكن هذه المرّة بالنفاذ نحو عمق التاريخ الكامن تحت التراب، والذي يرسل لنا إشارات عنه، تتفارق مع ما يدور فوق التراب من حياة وبشر..
هنا، في «بضع من أيام أخر»، ثمَّة فيلم حياتي، حيوي، نابض، غزير، غني الدلالة، مُتعدِّد الذرى، وإن شابته بعض الشوائب، التي لا تنمُّ إلا عن التهاون في التعامل مع أحد مستويات الفيلم، كأن يترك المخرج لشخصياته فرصة أن تبدو بلهاء، تُكرِّر كلامها، وتلوب بحثاً عن جديد في الكلام، فلا تجد!.. خاصة مع اعتماد المخرج على لقطات طويلة نسبياً معها.
بصراحة، لا أرى أن ما بدا في الفيلم، في هذا الجانب، عيباً في الشخصيات، بل لدى المخرج ذاته، أو عيباً في الإعداد، على الأقل، وأعتقد أن الواجب يُملي، في كل حين، أن لا نجعل من الشخصيات أضحوكة، أو مثاراًَ للتندُّر، أبداً، خاصة إذا كان الموضوع أبعد ما يكون عن ذلك. فالشخصيات، من أبناء القرية، كما ظهرت في الفيلم، إنما هي شخصيات تستحق الرثاء، والتضامن، بل والنجدة، كما تستحق الاحترام والتقدير، إن لم يكن من أجل كفاحها للبقاء والاستمرار والوجود، وإن لم يكن من أجل ما تختزنه من طموحات وأحلام، كتلك الفتاة التي تحلم بدراسة الطب، فعلى الأقل لأنها منحت الفيلم مادته الغنية، ومبرر وجوده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز


.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم




.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في


.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء




.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق