الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سينما سورية جديدة (1)

بشار إبراهيم

2007 / 9 / 20
الادب والفن


الجُودان: كوراني وسعيد
من الطريف في بلد ما، أن يحمل مخرجان سينمائيان الاسم نفسه، لتنشأ ظاهرة باسمهما، حتى لو كانا يعملان دونما أيّ تعاون بينهما!.. هكذا تتدوال الأوساط السينمائية، في مصر، ظاهرة (التامرين): تامر السعيد، وتامر عزت.
في سوريا، ومنذ عامين، بدأت تنشأ ظاهرة سينمائية جديدة، يمكن تسميتها (الجُودان): جود كوراني، وجود سعيد. والطريف أنهما سينمائية وسينمائي، بالاسم نفسه. فهي؛ السينمائية: جود كوراني، خرّيجة قسم التصوير السينمائي، بمعهد فيمي للسينما، في فرنسا 2005. وشاركت مديرة تصوير عدة أفلام، بموازاة تحقيق فيلمها «قبل الإختفاء»، التسجيلي الوثائقي القصير، مشروع تخرُّجها، من إنتاج: معهد فيمي للسينما في باريس، عام 2005. وهو؛ السينمائي: جود سعيد، خرّيج قسم فنون المسرح والصورة والشاشة في جامعة ليون الثانية في فرنسا 2005، وقدَّم فيلم تخرّجه بعنوان «بضع من أيام أُخر»، عام 2004.
وما بين الجُودين: (كوراني وسعيد)، ثمَّة مشتركات، تبدأ من الاسم نفسه، ودراسة السينما في فرنسا، وأنهما ينتميان إلى جيل الشباب، ولا تنتهي عند الهموم المشتركة، في التمكُّن من تحقيق سينما سورية جديدة، شكلاً ومضموناً.
جود كوراني: «قبل الاختفاء»
جود كوراني، التي يمكن اعتبارها أول مديرة تصوير سينمائية في سوريا، إذ لم نتمكَّن حتى اللحظة، من التحقُّق من وجود مديرة تصوير سينمائية قبلها، وعلى هذا الأساس تمَّ تكريمها، بمبادرة من طرفنا، في «تظاهرة الوردة للسينما العربية المستقلة بدمشق»، عام 2006، وهي مع ذلك قدَّمت نفسها، منذ البداية، مُخرجةً لفيلمها مشروع تخرجها.
شخصياً، لا أدري فعلاً، لماذا لم تستعن مديرة التصوير جود كوراني بمخرج، وهي تحقِّق فيلم تخرُّجها، وبالتالي تحمَّلت هي بنفسها عبء تصويره وإخراجه، وربما لا جواباً مُقترح لديّ، إلا رغبتها بأن تقدِّم فيلمها، ضمن رؤاها وتصوُّرها، وكما أرادته.
يبدو فيلم «قبل اختفاء»، في قراءة أولى، على هيئة رحلة (traveling) تتابع نهر بردى من المنبع إلى المصبّ، وربما على هذا الأساس وضعت المخرجة عنوانين فرعيين، عند بداية وخاتمة فيلمها.
الرحلة التي يقطعها الفيلم، فيما بين المنبع والمصب، والتي لا تتجاوز مدة 13 دقيقة (وهذا الرقم نذير شؤم عند البعض، والفرنسيين منهم، على الأقل)، تكشف المآل المفجع الذي يمضي إليه بردى، حتى يكاد الفيلم يكون في مستوى أوَّل من قراءته، بيان نعي للنهر، ومرثية للناس الدمشقيين، الذي عاشوا على ضفتيه، بحكاياتهم، وأفراحهم، وأحزانهم، بقعداتهم الأنيسة، وسيراناتهم اللطيفة.. قبل أن يتحوَّل النهر مكان نفورهم، وتكميم أنوفهم آن يمرَّون بمحاذاته!..
وفي حين تبدو، الرحلة الأفقية، أو الجغرافية، ما بين نقطتي المنبع والمصب، منظورة ومرئية، فإن الرحلة غير المنظورة، التي تجري في التاريخ والوجدان، والتي تتوارى في الفيلم، هي تلك الرحلة التي تذهب في عمق تاريخ آلاف السنوات، منذ أن كان النهر دافقاً، صافياً، رقراقاً، فأمعن البشر به إذلالاً، حتى بات خانعاً مُعتكراً، لا يعدو أن يكون ساقية صرف صحي، تنزُّ روائحها الكريهة.
وإذ يستدعي عنوان فيلم «قبل الاختفاء» لجود كوراني، فيلماً آخر بعنوان «سجل اختفاء» للمخرج الفلسطيني إيليا سليمان، أنجزه عام 1996، وهو فيلم روائي طويل، يكشف من خلاله تخوُّفه الشديد من «اختفاء فلسطين»، فإن فيلم كوراني بدوره، وبقراءة أكثر تمعُّناً له، سنجد أنه لا يعدو أن يكون صرخة هلعة من المآل الذي ينتظر دمشق ذاتها، فيُهدِّد «روح المدينة»، على حدِّ تعبير كوراني..
«بردى هو روح دمشق».. ذاك أمر لا مراء فيه.. ويمكن القول إن «دمشق هي هبة بردى».. فماذا إذا مات، أو جفّ، أو تحوَّل إلى مجرور؟.. ذاك هو السؤال المُوجع، الذي ينساب مع آخر قطرات النهر، التي تتدحرج متهالكة، فلا تكاد تصل حافة المدينة، وتترك النهر عارياً من قميصه النديّ، يعلوه السواد، ويمزِّقه التشقُّق.. وذاك هو السؤال المُوجع، الذي يفيض من لقطات الفيلم ومشاهده..
على صعيد البنية المضمونية والفنية التي اختارتها المخرجة، يمكننا الانتباه إلى أنه، وبغضّ النظر عن مقدار التأثر أو الاستعارة مما فعله المخرج عمر أميرلاي في فيلمه «الطوفان»، خاصة لناحية الاستعانة بتلميذة مُعتمرة البيريه الطلائعية، وتهيئ الصفَّ لتلقّي الدرس، صارخة: «استاعد»، ومن ثم مُرحِّبة بالتحية العسكرية!.. فإن الفيلم يُوهم، وبافتراضٍ أوَّل، أنه يريد البناء على التناقض (paradox) فيما بين الترداد الببغائي لمنجزات التعليم التلقيني، عبر أقوال من طراز: «يعطينا الجمال»، «مياهه عذبة، صافية، صالحة للشرب»، والإدِّعاء بأن نهر بردى، يعطي المكان الذي يجري فيه «الظلّ والندى، والنغم والصدى»، من جهة أولى، وما يقدِّمه الواقع من تفاصيل مناقضة، من جهة ثانية.
ولكن المخرجة لن تعود أبداً إلى ذاك الصفِّ المدرسي، الذي انطلقت منه، وسيمضي الفيلم إلى نهايته، دون العناية بالربط فيما بين البداية والنهاية، وبالتالي دون إغلاق محكم لدائرة الحديث، أو استكمال مفردات التناقض.
قد يبدو، بافتراضٍ ثانٍ، أن الربط بين المنبع والمصب، هو الأساس في الفيلم، بحضورهما كعنوانين فرعيين، ولكن الفيلم لم يبدأ من «نبع بردى»، أو لم يتوقف عنده، ولم ينظر فيما أصاب هذا النبع من استنزاف قاتل، كان بداية المآل المأساوي للنهر.
يبقى أن فيلم «قبل الاختفاء»، هو عملياً حالة من التأمل في واقع النهر، مع قدر من التلصُّص عليه، وعلى الناس، الأمر الذي يمنح الفيلم صفة البنية المفتوحة، التي يمكن أن تضيف إليها، أو تحذف منها، دون أن يختلَّ إيقاع الفيلم، أو يشوِّش مقولته.
وفي هذا المقام يغدو من نافل القول الحديث عن لقطات زائدة، مثل لقطة تجمهر الأطفال التلاميذ أمام الكاميرا، بعد الاستهلال اللطيف، إذا كان الهدف الذهاب نحو التناقض، أو مثل لقطة الولد الذي يغنِّي غناء شعبياً «على دلعونة»، حتى لو كان المقصود من هذه اللقطة نبع بردى ذاته. فحينها، ما مبرر القفز مباشرة إلى لقطة عامة، غائمة وقاتمة، لمدينة دمشق، من فوق؟..
على صعيد الصوت، تستغني المخرجة عن التعليق تماماً، كما تستغني عن الحوارات، أو اللقاءات، أو الشهادات، كما تستغني، على صعيد الصورة، عن الاستعانة بأجهزة الإضاءة(رغم أنها مديرة تصوير وإضاءة)، أو الغرافيك، أو المخططات والرسوم، ولا تستعين أيضاً بأيِّ صور أرشيفية للنهر، ففي الوقت الذي يمكن الحديث عن رحلة النهر بين المنبع والمصب، ستبدو الرحلة الأكثر قسوة للنهر، هي رحلته ما بين الماضي والحاضر.. وهو ما كان فعله المخرج عمار البيك، من قبل، في فيلمه «نهر الذهب»، عن بردى نفسه، عام 2002.
على صعيد المؤثرات الصوتية، وبملاحظة حضور الآذان كخلفية مرتين، يعتمد الفيلم على الصوت الطبيعي، أو ما يفيض به المكان، كما في مشاهد النادي ليلي، حيث ثمة غناء فولكلوري، ليس من تراث مدينة دمشق، وأخشى أن تكون إضافة هذه المشاهد إرضاء لنزعة «إكزوتيكية»، أكثر من دلالة التعبير عن حضور غير دمشقي في دمشق، كان من نتائجه استنزاف بردى إلى درجة موت النهر، فمما لا شك فيه أن هجرة الأرياف إلى دمشق حمَّلتها أضعاف ما يمكن أن تحتمل، الأمر الذي أثقل كاهليها، وأتعب نهرها..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب