الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرنسيون والبريطانيون : عداوة في غاية اللطف...

رحيم العراقي

2007 / 9 / 20
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


روبرت تومب، انجليزي مختص بالتاريخ الفرنسي الحديث، وايزابيل تومب فرنسية مختصة بالتاريخ البريطاني الحديث، هكذا تشكل أسرتهما الصغيرة لقاء «حميما» بين بريطانيا وفرنسا. تابع روبرت تومب في جامعة كامبردج ثم التحق بجامعة السوربون في باريس
أما ايزابيل فقد بدأت دراساتها في التاريخ بجامعة السوربون ثم نالت شهادة الدكتوراه حول التاريخ البريطاني الحديث من جامعة كامبردج. وهي تقوم اليوم بتعليم اللغة الفرنسية للدبلوماسيين الانجليز في لندن. أما روبرت تومب فهو أستاذ للتاريخ في جامعة كامبردج. سبق له وقدّم العديد من الكتب والدراسات من بينها: «الحرب الفرنسية ـ البروسية» و«كومونة باريس 1871» و«تاريخ فرنسا 1814 ـ 1914»، الخ.
«العدو اللطيف» كتاب عن العلاقة الغريبة المعقّدة بين بلاد لويس الرابع عشر «الملك الشمس» وورثة التاج البريطاني. إنها علاقة متشابكة يختلط فيها «العداء الخالص» مع «الإعجاب والحب». وهكذا استحق كل منهما بنظر الآخر لقب: «العدو المحبوب».
وكان نابليون بونابرت قد اعتبر أن بحر المانش الذي يفصل بين البلدين مجرد «حفرة» طالما حاول أن يمد مملكته إلى ما وراءها. ولكن النفق الذي جرى حفره تحت بحر المانش «الحفرة» كي يصل بين بريطانيا وفرنسا خلال ساعات قليلة بواسطة القطار إنما يشكل تعبيراً عن التضامن بين الانجليز والفرنسيين وعن الرغبة في «الوصل بينهما».
يؤكد المؤلفان أن السمة الأولى التي حكمت العلاقات الفرنسية ـ الانجليزية منذ زمن لويس السادس عشر وحتى بدايات القرن التاسع عشر كانت تتمثل في سلسلة من الحروب التي لا تنقطع على خلفية أطماع كلّ من التاجين على شاطئ بحر المانش بفرض السيطرة على الطرف الآخر.
ويتم وصف القرن الثامن عشر بأنه كان قرن «السياسة الخارجية المعقّدة» بين فرنسا وبريطانيا. وكانت تلك الفترة قد عرفت الكثير من الدسائس ومحاولة كل طرف زرع «الجواسيس» لدى «الخصم»، هذا إذا لم يكن «العدو».
ويتم التعرض في هذا السياق لمعركة «واترلو» الشهيرة، والتي يرى المؤلفان أنها ترجمت بشكل جيد الذهنية التي يتسم بها كل من الشعبين الفرنسي والانجليزي. ففي الوقت الذي «اندفع فيه الفرنسيون بحماس نحو الأمام» حاول الانجليز «المقاومة بصلابة في المواقع التي يدافعون عنها».
وواترلو معركة وقعت بين الانجليز والفرنسيين في شهر يونيو من عام 1815 وشهدت هزيمة نابليون أمام الجيوش الانجليزية والبروسية. وكانت تلك الهزيمة قد أدّت إلى سقوط نابليون وتنحّيه عن العرش للمرة الثانية
وإذا كانت معركة «واترلو» قد أسقطت نابليون عن العرش فإنها قد شكّلت أيضا منعطفا كبيرا في العلاقات الانجليزية ـ الفرنسية إذ أعلنت عن «وضع حد نهائي للمجابهة المسلّحة» بين البلدين. وعززت بنفس الوقت دور بريطانيا كقوة إمبريالية رئيسية على الصعيد العالمي كله بينما اكتفى الفرنسيون بالحديث عن ثقافة «الهزيمة المجيدة».
ويشير المؤلفان أن الحروب التي عرفتها ساحات القتال بين الفرنسيين والبريطانيين قد أدّت، حتى نهاية معركة واترلو، إلى سقوط حوالي 4,1 مليون فرنسي ومئتي ألف من البريطانيين. وبالتالي كانت هذه الخسائر «كافية» من أجل تبربر بداية عهد جديد من السلام بين البلدين اعتبارا من عام 1815.
ويشرح المؤلفان على مدى صفحات عديدة من كتابهما، وبكثير من «الطرافة» أحيانا الكيفية التي حاولت فيها انكلترا وفرنسا استبدال عدائهما بنوع من «الصداقة» فيما بعد واترلو. وكان الدليل الأول والمنظور على تحسن أجواء العلاقات بين طرفي بحر المانش هو وجود أعداد كبيرة من السائحين البريطانيين الذين قصدوا المدن الفرنسية، وخاصة باريس، من أجل التعرف على معالمها.
بالمقابل حاول العديد من الفنانين والأدباء والمفكرين الفرنسيين الحصول على «منازل جديدة» لهم في بريطانيا ومن بين هؤلاء الرسام الشهير «كلود مونيه» أحد أشهر روّاد المدرسة الانطباعية» في الرسم.ويشرح المؤلفان انه بعد نهاية «الحروب النابليونية» أصبح بحر المانش «ممرا» مفضلا لدى البريطانيين والفرنسيين للطبقات الميسورة أولا ثم إلى مختلف الطبقات الاجتماعية في نهاية القرن التاسع عشر،
بل ان أعدادا كبيرة من العمال والحرفيين انتقلت بين ضفتي المانش من أجل «بيع خبرتها» في الميادين التي تتميز بها.وكانت الأرض البريطانية ملجأ أيضا لعدد من قادة فرنسا وسياسييها الذين أرغمتهم «الثورات» أو «الثورات المضادة» إلى المغادرة. هكذا أمضى نابليون الثالث ولويس فيليب وشارل العاشر الأيام الأخيرة من حياتهم فيما وراء بحر المانش.
وكان «الموديل الانجليزي» قد جذب الكثير من «المعجبين» الفرنسيين. هكذا جرت عملية تأثير ثقافي متبادل «تثاقف»؛ ولم تكن الميادين السياسية والاقتصادية بمعزل عن تلك الحركة. ذلك أن «النزعة البرلمانية الانجليزية» و«نزعة التبادل الاقتصادي الحر» و«دعوات النضال من أجل حقوق المرأة» قد «اجتازت» أيضا بحر المانش هي الأخرى.
ويخص أحد فصول هذا الكتاب العلاقات الانجليزية ـ الفرنسية في القرن العشرين. هذه المرّة أيضا دخل البلدان في حروب، وإنما بصفة «حلفاء» وليس بصفة «أعداء». ويعتبر المؤلفان أن أحد أكبر أشكال «الفشل» الذي تتحمل بريطانيا وفرنسا مسؤوليته كاملة، فإنه يتمثل في عدم قدرتهما على إحلال حالة من الاستقرار والسلام في أوروبا.
تتحمل بريطانيا وفرنسا مسؤوليته كاملة، فإنه يتمثل في عدم قدرتهما على إحلال حالة من الاستقرار والسلام في أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918 شبيهة بتلك الفترة التي أعقبت معركة واترلو عام 1815.
وبعد أن أطلق أدولف هتلر شرارة الحرب العالمية الثانية في منظور مخطط توسعي كبير، وبدا التهديد محدقا بأوروبا كلها بعد احتلال فرنسا، انضمت بريطانيا إلى معسكر الحلفاء في مناهضة المشروع النازي. لكن هذا «التحالف» من جديد لم ينفِ واقع أنه كان لبريطانيا وفرنسا فترات مختلفة لقضايا جوهرية مثل مسيرة التوحيد الأوروبي.
مع ذلك كان القرن العشرين عامة هو قرن «تفاهم ودّي» بين فرنسا وبريطانيا. هذا إلى درجة أنه جمع بينهما نوع من «الذاكرة الجماعية» المشتركة. ويتم التأكيد أن «التفاهم» كان حقيقيا وأنه تجاوز مجرد الاتفاقات الدبلوماسية. وعلى أساس تقارب ثقافي واقتصادي «جوهري» رغم الاختلاف في بعض المحطات «الطارئة» حول هذا الملف أو ذاك.
ويرى المؤلفان أن بريطانيا وفرنسا على صلة قوية، رغم التباعد الكثير في المواقف حيال الحرب الأميركية ـ البريطانية الأخيرة ضد العراق ويقولان ان لندن هي ثامن أكبر مدينة فرنسية في العالم». وبالمقابل هناك «حوالي ستمئة ألف منزل في فرنسا مملوكة من قبل انجليز».
أما مواطن الخلاف الأساسية بين البلدين فإنه يتم تحديدها على صعيد السياسة الأوروبية. ومن الملفت للانتباه أن الولايات المتحدة شبه غائبة تماما عن هذا الكتاب. وبالتالي يغيب عن التحليل عامل العلاقة الانجليزية ـ الأميركية وتأثيره على العلاقات بين ورثة «الصديقين اللدودين» ونستون تشرشل وشارل ديغول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ 7 عقود، فيتنام تدعو فرنسا للمشاركة في إحياء ذكر


.. غزيون عالقون في الضفة الغربية • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اتحاد القبائل العربية في مصر: شعاره على علم الجمهورية في ساب


.. فرنسا تستعيد أخيرا الرقم القياسي العالمي لأطول خبز باغيت




.. الساحل السوداني.. والأطماع الإيرانية | #التاسعة