الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ووجهكِ ضاحك القسمات طلقُ 2

خالص عزمي

2007 / 9 / 20
سيرة ذاتية


عدت ادراجي الى مقهى الكمال ؛ مستعيدا ـ على كأس من الشاي المخمر ـ ذكرياتي عن بعض الشخصيات التي تعرفت عليها في هذه المقهى وما جاورها بالذات ؛ تذكرت الراحلين ؛ عبد الغني العطري ح صاحب مجلة الدنيا ؛ والدكتور عبد السلام العجيلي ؛ الاديب الشاعر المشهور ؛ وعبدالله يوركي حلاق ؛ صاحب الضاد الحلبية ؛ والدكتور صلاح الدين المنجد عضو المجمع العربي ؛ والشاعر المصور احمد الصافي النجفي ( الذي اجريت معه سلسلة من اللقاءات نشرتها في جريدة الانقاذ عام 1950) ؛ والفنان محمد عبد الكريم ( أمير البزق ) الذي كان يحدثنا مرات ومرات عن الفنانين السوريين الرواد مثل ( ابو خليل القباني ؛ وعلي الدرويش ؛ وعمر البطش وأمين الجندي الحمصي ...وغيرهم ) اما المطرب الكبير رفيق شكري الذي طالما سمعنا اغنيته البديعة( بالفلا جمال ساري ) ؛ فقد كان لاينفك عن الالتقاء بنا في ذات المقهى وبخاصة للاستماع الى حفلات ام كلثوم الشهرية . وحينما عدت الى بغداد بعدئذ اتصلت بمن اعرف من رموز الدعاية العامة والاذاعة العراقية كالاساتذة خاشع الراوي ؛ واحمد كمونة ؛ ومدحت الجادر وحافظ القباني ومحمد علي كريم ؛ لتوجيه الدعوة له وتسجيل بعض اغانيه للاذاعة ؛ وقد كان ذلك وبقي في بغداد مدة طويلة ؛ حيث تعاقد مع ملهى ليالي الصفا في الكرخ ؛ فتمتعنا نحن اصدقاؤه باصالة غنائه .

لقد توطدت علاقتي بالاستاذ عبد الغني العطري ؛ بعد ما وصلته توصية من الشاعر الرومانسي ا لمبدع عبد القادر رشيد الناصري ؛ الذي كان يرتبط بعلاقة متميزة بالدنيا الدمشقية وصاحبها ؛فراح يحيل الي بعض المقالات والقصائد المرسلة من العراق للنظر فيها والتعريف باصحابها ؛ وقد لبيت طلباته بصدر رحب مما شد من اواصرنا على نحو من المودة والتواصل . ولقد اتاحت لنا تلك الرابطة الحميمة ؛ ان نجول سوية على كثـــــــير من دور الثقافة ومنديات الادب؛ وان نستمع الى مجمـــــــوعة من مهرجانات الشعر و الندوات والمحاضرات والحوارات التي كانت دمشق تحتضنها وبخاصة ايام معرضها الدولي الذي كان يجمع ما بين الاقتصاد والثقافة والفن في اطار ثري من العطاء .

كنت انتظر اول الشهر بفارغ الصبر ؛ وكان عليّ ان اذهب الى قرب ساحة المرجة ( الميدان ) وأركب الترام من قرب فندق فكتوريا على خط يسمى ( الشيخ محي الدين ) على ما اتذكر لاتوجه الى السفارة العراقية او بيت السفير لكي اقابل الوزير المفوض الاستاذ موسى الشابندر وكان صديقا حميما لوالدي ؛ لاتسلم منه ما كان قد خصص الي الوالد من مصروف شهري .وكنت انتهزها فرصة لكي اتنقل بعد ان اتسلم ( المقسوم ) بين خطوط الترام لالقي نظرة على مواقع جميلة من حدائق ومتنزهات دمشق ؛ وكان اقرب خطوط الترام الى نفسي الخط رقم ( 6 ) الذي يأخذني الى الغوطة فاتمتع بروائح الاشجار والازهار ؛ واتلذذ بشرب المياه الرقراقة من ساقية تخترق كثيف البواسق . واتعرف على بعض الفنانين التشكيليين الذين كانوا يتخذون من اجمل الشرفات المزهرة مواقع أخاذة لاقتناص المناظر الخلابة للوحاتهم الغنية بالالوان المعبرة .

لقد كانت سن الشباب اليافع تساعد على السير لساعات ايام عطلة نهاية الاسبوع ؛ كنا مجموعة من الزملاء الذين كان يروق لهم التجوال في احياء الشام للتعرف على اهم معالمها ؛ ومن خلال منهج محدد ؛ فقد شاهدنا كثيرا مما رغبنا او ساعدتنا الظروف على مشاهدته ؛ كالجامع الاموي العريق الذي لم نمل يوما من تكرار التجول بفسيح ارجائه ؛ وسوق الحميدية وتفرعاته من الاسواق التخصصية بحسب البضائع والمعروضات مثل سوق الحريقة وسوق البزورية ؛ ثم القلعة والسور وما تبقى فيه من ابراج كان اهمها برج نور الدين ؛ فاذا ما طاب لنا الاستمرار في التجوال عرجنا على كثير من الاحياء القديمة ؛ كباب مصلى ( وفيه جامع مصلى العيدين ) ؛ وباب توما وباب كيسان ... الخ بل اننا كنا نبرمج سيرنا بحسب المزاج والطقس والفترة الزمنية المتاحة ؛ فاذا ما تجولنا في الروبة او الاشرفية ؛ او القابون في جمعة ما ؛ اتجهنا في جمعة اخرى الى الشاغور او القصاع او القيمرية او السليمانية حيث محطة الحجاز . ولم تكن تفوتنا زيارة المتاحف اوالبيوتات العريقة ( كقصر العظم ؛ او قصر كنج ؛ او قصر السعادة ) ؛ اما المكتبات فحدث عنها ولا حرج فقد كانت الشام ( ولم تزل ) تحفل بمكتبات عامة في غاية الاهمية ( كالظاهرية ) وهي من اقدم المكتبات العامة وتقع في زقاق ما بين الجامع الاموي وقلعة دمشق في دار واسعة تعود اصلا للعقيقي كما يشير الى ذلك المؤرخون ؛ ومكتبات البيوتات العريقة والمعاهد العليا اضافة الى المكتبات التي تملأ الشوارع والازقة الفرعية من بعد سوق الحميدية فجادة سعد الله الجابري حتى نهاية التقاطع المؤدي الى مقر الجامعة السورية ولعل اهمها يقع في منطقة الحلبوني . ولا تقتصرمثل هذه المكتبات على موقع محدد فقد تجدها منتشرة في اغلب احياء دمشق الواسعة . هذا عن الكتب والمكتبات يوم ذاك ... اما اذا اردنا التنزه في الضواحي فما علينا الا التوجه نحو دوما ؛ والاشرفية ؛ والمزة ؛ بل ربما أخذتنا النشوة فصعدنا الى احدى شرفات قاسيون ؛ لنتمتع بمشاهدة دمشق ؛ فنشير من هناك الى بعض معالمها البارزة ولطالما ذهبنا الى ابعد من ذلك ؛ حيث بلودان ؛ وتدمر ؛ وعين فيشة ؛ وغيرها كثير .

لقد كان اقرب المواقع الى دار سكناي يوم ذاك ؛ هو كراج الترام حيث مؤسسة الكهرباء ؛ وكان يقا بله تماما مطعم يسمى ( القطة السوداء ) ؛ كان صاحبه في غاية اللطف والرعاية بالغرباء من الطلبة ؛ فقد كان يهديهم دفاتر تحتوي على بطاقات صغيرة تحمل اسعارا مخفظة يستطيع حاملها ان يتناول طعامه المفضل ثم دفع مبالغها شهريا او عند الميسرة . وكان اغلب الطلبة الغرباء يشاركون في هذا المطعم المميز الكريم . الى جانبه كان هناك ملهى كبير بطابقين تصدح فيه الاصوات العذبة لاشهر المطربين والمطربات ؛ وقد دخلناه مرة على استحياء فجلسنا بصالته العلوية بعيدا عن الاضواء ؛ اذ كان دخول مثل هذا الملهى لطلاب جامعيين ـ في تلك الاوقات ـ امرا غير لائق اجتماعيا ؛ ومع ذلك فقد كانت تجربة لم نكررها في حينه .

اما نزهتنا الليلية ايام الخميس فقد كانت في الشارع الرئيس المجاور لمنطقة سكنانا ؛ حيث المطاعم ودور السينما لنتجه بعد ذلك يسارا نحو الصالحية ( التي انشئت على عهد نور الدين الزنكي ) والمليئة بالمحلات التجارية والمطاعم الصغيرة والمقاهي والحدائق والمتنزهات التي يطل عليها جبل قاسيون (يبلغ ارتفاعه 1153مترا ) . فاذا ما طاب لنا ان نسير في منحى آخر ؛ فما كان علينا الا ان نتجه نحو شارع بغداد الغني بمطاعمه ومقاهيه وحدائقه المتوزعة على الجانبين . وكنا نفضل دائما شراء طعامنا الذي كان يقتصر على ( الشاورمة ) في اغلب الاحيان ؛ ثم نتخذ لنا مكانا من ذلك الشارع الواسع لنتناول أكلتنا المفضلة ونحن نلقي نظرة حيية على اسراب الحسنوات وهن يذرعن تلك الجادة الانيقة ذهابا وايابا بزهو واحتشام . فاذا ما فرغنا من ذلك كان لابد لنا من ان نقصد أحد محلات الحلويات الدمشقية الشهيرة لنتناول شيئا من ( البقلاوة ؛ و القطايف والمبرومة وكل واشكر ... الخ .

قبل منتصف العام جاءتني وبعض زملائي العراقيين موافقة الجهات الرسمية المختصة في بغداد على قبولنا في كلية حقوق بغداد وذلك بفضل استاذنا العميد منيرالقاضي ؛ فما كان منا الا ان ودعنا اساتذتنا الذين كرمونا بعنايتهم ورعايتهم ؛ وباقي الزملاء السوريين الافاضل ؛ ولم يفتنا توديع كل شبر من الحي الذي عشنا بين جوانحه بمحبة والفة وكرم .

واليوم .... فقد اتاحت لي هذه الفرصة القصيرة من زيارتي للشام ؛ ان اجول بين تلك المعالم القديمة التي أتيت على ذكرها آنفا ؛ وعلى مواقع جديدة امتدت طولا وعرضا وغطتها دور العبادة والمعاهد ومنتديات الثقافة والفنون و الحدائق الغناء والفنادق الفخمة والملاعب الرياضية والمقاهي والمطاعم الانيقة وامام هذا التوسع الشامل أضحت تلك المدينة العريقة التي عرفتها ؛ رقعة صغيرة في بحرممتد الارجاء من عوالم العمران ... الخ ولعل هذا التوسع المذهل الذي شاهدته على عجل ؛ هو الذي جعلني اقنع بالجلوس( قبل المغادرة ) في بعض المقاهي القديمة كالكمال ؛ والروضة ؛ وحجاز ؛ ...الخ وأقرأ ما يتاح لي من صحف ومجلات ومطويات تمنحني معلومات اضافية عما يدور من نشاط ثقافي واجتماعي وسياحي في المدينة التي كانت ولم تزل من اقدم االمدن مهابة وازدهارا عبر تأريخ الحضارات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجورجيون يتحدون موسكو.. مظاهرات حاشدة في تبليسي ضد -القانون


.. مسيرة في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية تطالب بوقف الحرب على غز




.. مضايقات من إسرائيليين لمتضامنين مع غزة بجامعة جنيف السويسرية


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. ديوكوفيتش يتعرض لضربة بقارورة مياه على الرأس