الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
سفينة جواد
حسين سليم
(Hussain Saleem)
2007 / 9 / 22
الادب والفن
استقم ! اخر ما قاله له ، حين تسربت اخبار ، من خلف الاسوار المحكمة البنيان . حدث جسيم ، لا يعرف كنهه ، لكنه لا يسر ، بل انه خطير . تضاربت اقوال الناس حوله ، وتبادلت الالسن شتى الاحتمالات ، اقواها حرب او فيضان . قال البعض : لقد مرّرنا بحروب عديدة ، ولا زلنا نتحمل اوزارها ، لكن هذه المرة ، ستكون حرب داخلية.واجاب البعض الاخر : انه طوفان اشد عما سبقه . ورجح اخرون: انه وباء ان لم يكن جفافا .وتشاور القوم حول الذهاب الى الرجل (العارف) لتبيان الامر. واتى الجواب من بعض العقلاء ، لانذهب الى العارف ، فهو قد ركب الفلك كالاخرين .
اخيرا افترقا ، كل في طريقه ، له ارادته ، وللاخر حريته. قال احدهم للاخر : اعتقني /كما تشاء /الم تتعب مني ؟/ كل يوم احلى من ليلة عرس شرقية/كان يختلفان فيما مضى من الزمان ، لكن جفوتهما لاتدم طويلا. فهو خلاف احبة كما يقال . لكنه صمم هذه المرة ، ان يتركه وبلا رجعة . اذ قال : لن اعود اليك حتى تستقم. ولايدري الاخر ما تعني الاستقامة عنده .اخيرا افترقا من تحت ( نصب الحرية) كانت دمعاته تقطر دما وهو يحدق الى لوحة جواد . تدحرج امامه وهو يردد " اين انت ياجواد لتزيل عن لوحتك الضباب " تبعه ينادي عليه ، لكنه لا يجيب . قال المارة : " سبحان الله ، في خلقه شؤون ، يمشي بلا رأس ". ضحك هو من خلف المارة ، وقال : " دبر لك رأسا " هو خلعه ، تركه ، يتهمه بالمصائب ، والاخر يتهمه بالعند . في ذات الوقت ، ظهرت اربع سفن ، رست على ضفة ( دجلة) ، واحدة بجنب الاخرى ، امام اللوحة ، وكانت هناك خامسة ، سفينة خضراء جديدة . انتشر الخبر في البلاد ، جسد الاحمر بلا راس ، وراس الاحمر بلا جسد ، في زمن كانت الرؤوس، تنزع وتلبس كالاثواب ، في زمن يباع ويشترى كل شيء. قيل ان ( الاحمر) وهذا اسمه الاخر ، ينحدر نسبه الى (زيوسدرا) السومري ، ومنهم من ارجع اصله الى ( اتراخاسيس ) البابلي او ( اوتنا بشتم) ، والبعض ارجع قرابته الى ( نوح) ، كونه ينتسب الى سلالة الرسول . وقيل انه ينتسب الى احد احفاد الازواج الناجين ، من كل المصائب التي مرت بنا ، امراض واوبئة ، جفاف ومجاعة ، حروب وفيضانات . وفي رواية اخرى ، انه عجن من طين متبقي من اخر فيضان ، مرّ على البلاد مع دم القرابين المنحورة للالهة .
مرت السنون ، رأس وجسد ، لا انفصام بينهما . كانا معا في السراء والضراء. دخلا السجن معا ، كواحد، وغابا معا كواحد . لقد غاب العارف سنوات كثيرة ، وبعد عودته ، لاحظ الناس ، انه تغير ، وصار يبرر كثيرا. كما انه راى الناس يمشون على رؤوسهم وقد انفصلت عنهم ظلالهم ، كما انفصلت ارواحهم عن اجسادهم ، الا القلة الصامته ، فتحول معهم وصار يمشي بالمقلوب ، وصار ظله في شمال البلاد، ولذا اصر الرأس على الانفصال .حينها اختلفا في رؤية الامور . كانت الالوان شاحبة كلها ، وبدا الشحوب يسري كطحالب ممتدة ، بالوان مختلفة . كل واحد في طريقه ، هكذا اذن تتوازن الامور . كان الرأس يمشي في ( باب المعظم ) مع ثلة من الرؤوس المقطوعة، سالكا شارع (الرشيد) ، وكان الجسد يمشي بمحاذاة سيره على الرصيف ، من الجانب الاخر . كان يزهو بالناس المحيطين به ، ويشير اليه ، بعينيه ، كمن يذكره بعهدهما الذي انقطع . وكان يردد مع العامة : اغثنا يارب ، الليل ليس لنا ، ولا النهار ، اغثنا . بدأت المياه بالتدفق من كل الجوانب ، وتحولت الى حمراء من دماء الاجساد المتناثرة. واستمرت العواصف والامطار ، ليس كما قيل سبعة ايام وسبع ليالي ، بل تواصلات ، وما استطاع احد تدوين مدتها لليوم . عام كل شيء ، الاشجار ، السيارات ، الناس ، وغطت المياه المباني والبيوت . تدحرج رأس العارف حتى وصل ( ساحة التحرير) ، اتخذ مكانا له في (نصب الحرية) ، وكان يتحرك خلف الكتل التي ومضت كلما اشتدت الدماء ، فيما كان الجسد يحث الخطى الى السفينة الخضراء ، واخذ معه المقربين . وقال له : اذهب انت واركب السفينة ، انج بنفسك /الا تاتي معي ، ماذا ستفعل ؟ / لا .. لن اذهب معك ، انا باق هنا / وردد مع نفسه " رد يا احمر ، دمعات على الخدين ، صارن دم احمر ، رد يمعود يا احمر" وصارت له ايد وارجل ، واخذت جموع كثيرة من الرؤوس تطفو، محاولة التشبث باي شيء ، كان قد دعاها في تطوافه في المدينة بالتوجه الى ( ساحة التحرير) ، فكانت يده تمتد لانقاذ الاخرين ، وكان يسحب الواحد ثم الاخر ، ويرميه داخل اللوحة ، فيما تناسلت الكتل في اللوحة ، عشرات المرات ، وكان الجندي مع امثاله الذي فتح القضبان ، تحرك واسرع بتوسيع الباب لدخولهم ، كما هاج الثور كما اشباهه ، مزمجرا كحارس امين ، وهمت المرأة كأخرياتها ، نحت ابنها جانبا ، لنجدة الناس الهاربين من الارض / اتذكر يوم كنا في السجن ، كم حدثتني عنها ، وكم كنت تخشى عليها من الصواريخ الساقطة في الحروب المتعددة، الفرق ياصاحبي بيننا ، انك تغيرت بعد عودتنا ، وقد جالست الغرباء ، ، اتذكر حينما كنا في السجن ، كيف قاتلت عن الا تصيبنا لوثة من غرر بهم بالتطوع للحرب ، كنت صامتا نسمعك، لم تكن غائبا ، بل حاضرا بيننا . واخر مما قال له : استقم يا هذا! مكانك ليس هذا ، كما ليس ذاك ، بل رايته ، في كل طاسة عامل بناء ، صارت دم احمر بالنهضة يا احمر!. كان ارتفاع السفن كارتفاع اللوحة ، التي شكلت بارتفاعها سفينة اخرى . هرع الناس يتزاحمون بتدفق الى لوحة جواد . غطت المياه الدموية المدينة ، واجتازت المدن الاخرى والقصبات ، الواحدة تلو الاخرى . كانت اللوحة قد تحولت الى بئر عميقة ، بابها في الوسط ، وقد ابتلعت الناس . وكان يهتف في لجة الحدث ، والعرق ينز منه ، وقد صبغت الشمس شعره بالاحمرار : خالد من توازن راسه والجسد ، فليدخل . خالد ، من لاصق ظله ، فليدخل . كانت الارواح تدخل خفافا الى لوحة جواد ، اشلاء لاجساد مختلفة الاحجام ، روؤس متنوعة ، عيون مختلفة الالوان ، ارجل ، سيقان ، همت بعض الاجزاء منها بتكوين جسد لراس العارف ، لتزيده قوة ، صارخا : امن من لازم ظله ، وسعيد من مات على ارضه ، وخالد من لازم دمه ، طاسة خبزه في ( النهضة) ، وخالد ، خالد من حمل رأسه على يده ، في اللجة . وكان جواد يمسح بمنديله ، المرطب بالدمع ، راس العارف المعرق . وبينما مخرت السفن الخمس ، وفي احداها جسد العارف ، انقشعت الغيوم عن الشمس التي بدات تسطع من جديد ، ذهبت الحمامة وعادت حزينة ، بعدها ، ذهب السنونو وعاد واجما ، ثم ذهب الغراب ولم يعد ، حينها خرج الناس تباعا ، من سفينة جواد ورؤوسهم على اجسادهم , يمشون على ارجلهم ، وقد عادت اليهم ظلالهم ، وكان رأس العارف يحوم حول اللوحة ، بينما ظل جواد يمسح الغبار المتراكم وهو يلوح لهم بمنديله.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مهرجان مراكش السينمائي الدولي يستضيف الممثل والمخرج شون بن ف
.. تزاحم شديد حول عامر خان بمهرجان البحر الأحمر ونجم بوليوود يع
.. نسخة جديدة من بطولة ون للفنون القتالية تقام بصالة لوسيل للأل
.. بيشتغل دوبلاج تركي.. أحمد أسامة فنان متعدد ??
.. ما بين الصيدلة والتمثيل.. رحلة مريم كرم صيدلانية وممثلة