الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخنا بين الفساد والعدم !

عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)

2007 / 9 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


لن نبتعد كثيراً لنوغل في عمق التاريخ، فالمشاهد المعاصرة تكفي لإثبات أن القائد العربي الملهم، لا يعرف شيئاً عما حوله، وهو يتخذ قراره بالحرب دونما تقدير لنتائجها الكارثية، والأرجح أن لأستاذ ( التاريخ ) دوراً مهماً في المأساة، فهو يعلم التلاميذ فروسية عنترة وعبقرية خالد وصلابة الخنساء ونخوة المعتصم، دون النظر إلى التطور الهائل الذي حدث في الكوكب من حولنا، حيث لم تعد الخيل ولا السيف أدوات للحرب والنزال، ولم تعد الخيل والحمير والبغال وسائل للنقل والمواصلات، وإلا، كيف رفض الفلسطينيون قرارات الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية ؟ وكيف قام الزعيم ناصر بإغلاق ممرات ملاحة دولية ؟ ولماذا قام صدام باحتلال ومحو دولة عن الخريطة ؟ ما يجمع هذه الحوادث جميعاً هو مجرد الاعتزاز بذات الأمة التي كانت خير أمة أخرجت للناس، فالواجب الوطني والشرعي يقتضي الدفاع عن فلسطين فلا تقام فيها دولة لليهود، والواجب الوطني والشرعي يقتضي بأن نحاصر إسرائيل فنغلق عليها طرق الملاحة، والواجب الوطني والشرعي للأمة العظيمة يقتضي تحدي تقسيم سايكس بيكو، فلا ينتزع جزء من أرض العراق لتقام عليه دولة الكويت، هكذا ودون مقومات وبلا حساب للنتائج، نخوض الحروب، ونضع أنفسنا في دوائر الاستهداف لمجرد أننا يجب أن نخوض المعركة !

إن الحقيقة الغائبة التي لم يدركها أستاذ التاريخ العربي الإسلامي بعد، هي أن الدنيا لم تعد تلك نفسها التي باغتنا فيها الأمم الأخرى بالخيل والسيف، وأن الآخر قد اخترع الطائرات والغواصات والمدمرات والحواسيب والأقمار الصناعية والصواريخ الموجهة، كلا، إن تلك التغيرات الفظيعة لم تكن بحساب العرب عندما رفضوا تقسيم فلسطين وتسببوا بالكارثة والفجيعة للشعب الفلسطيني بأسره، والمؤكد أن تلك التطورات قد غابت عن بال الزعيم ناصر عندما قرر إغلاق الممرات المائية في شرم الشيخ، ومن الطبيعي أن يعتقد صدام بأنه إنما يحل إشكالاً داخلياً مع الكويت، غير مدرك لطبيعة القوى الإمبريالية وهيمتنها الوحشية على مصادر الطاقة، والعرب حتى اللحظة، لم يدركوا بأنهم لم يعودوا تلك الأمة التي تفتح أمامها خزائن الشرق والغرب، ولم يعودوا تلك الأمة التي قام علماؤها في حقبة ما بتطوير الرياضيات والفيزياء.

يكفي أن تكون مسافراً فتنتقل عبر الحدود العربية إلى المجال الإسرائيلي لتشاهد بأم عينك مقدار التخلف والفوضى ومأساة الازدحام في الجانب العربي، في مقابل التطور والجنان الخضراء والمقاعد المريحة للمسافرين، حيث تنتهي قصة استخدام الرشاوى ليحل محلها النظام، ينتهي الوقوف في الشمس الحارقة ليحل محله الجلوس في مقاعد الظل والجو المقبول، ينتهي العطش وأمنياتك بشربة ماء، فتفاجأ بالثلاجات التي خصصت للمسافرين. في الجانب العربي يدوس المسافرون بعضهم من كبار السن والأطفال تحت الزحام بينما في الجانب الإسرائيلي يحل النظام والترتيب. لا يمكن مقارنة المعبر العربي بالمعبر الإسرائيلي بأي حال، لأنها المقارنة بين حضارتين، واحدة تحتقر الإنسان والأخرى تعلي من شأنه وتسهر لأجل راحته.

ماذا عساها أن تكون نتيجة الصدام بين الحضارتين ؟ إن النتيجة الحتمية والطبيعية لأي صدام أو حرب هي فوز الحضارة الأحدث والأقوى، وهذا ما يفسر خسارتنا لجميع المعارك أمام إسرائيل، عندما رفضنا قيامها عام 1948 تم تهجير الشعب الفلسطيني، وعندما أغلقنا عليها طرق الملاحة، تمت خسارة سيناء وغزة والضفة والجولان في طرفة عين، وعندما هددنا شمال إسرائيل بالكاتيوشا عام 1982 اجتاحت إسرائيل بيروت وتم رحيل قوات المنظمة عن لبنان. إنه الصدام بين من يقدر الإنسان ومن يمتهن كرامته، بين الديمقراطية وتداولها السلمي وبين واغتصاب السلطة واحتكارها، بين التطور العلمي والبحثي والتنكولوجي وبين التخلف بكل أشكاله.

زرت إسرائيل لأول مرة برفقة أبي في إحدى العطل المدرسية وكنت وقتها في العاشرة من عمري، وقد راعني مشهد قيام سيارات شركة حكومية في الصباح الباكر بتوزيع ثلاثة عناصر أساسية هي الخبز والحليب وجرائد الصباح على محلات التسويق. ليس هذا فحسب، بل قام الناس بشراء حاجاتهم حتى من قبل أن تفتح المحال أبوابها، فلا أحد يسرق الخبز أو الحليب أو الجريدة. يضع الناس النقود في علبة مخصصة، فيأتي صاحب المتجر ليجد أن أكثر من نصف البضاعة قد بيعت تلقائياً وقبل وصوله. قارنت ذلك بسرقة حذائي الجديد في أحد المساجد ! من وقتها أيقنت أن الصراع حضاري بطبيعته، وأننا نحن العرب بعيدون جداً عن المستوى الذي بلغه الغرب من التقدم والازدهار. لقد بنى اليهود دولتهم بصورة منظمة، تحفظ فيها كرامة الإنسان وحقوق الطبقة العاملة، أقاموا المصانع الضخمة والمزارع الشاسعة والتعاونيات المنظمة والمستشفيات الراقية والجامعات المتقدمة، وتمكنوا من صناعة دولة عصرية بكل ما للكلمة من معنى، بينما ظل العرب على حماقتهم وحالهم من التسلط والتخلف والهمجية والتبعية والتفكك والفقر والجهل.

في إسرائيل تقوم عجوز تسعينية بقراءة الجريدة لأنها تريد معرفة ما يجري من حولها، بينما معظم الشعب العربي، وحتى الأكاديميون، لا يقرأون، ولا يعرفون كم التطور الهائل في بلاد حقوق الإنسان، فكم سنحتاج إلى أن نخرج من الحلقات المفرغة للفساد السلطوي والمجتمعي، وكم سنحتاج إلى أن نتمكن من كسر الحلقة الصلبة للعدم الناتج عن اللاعقلانية وسوء تكوين العقل والمنطق السليم وأسس البداهة الإنسانية ؟ متى سيعرف أستاذ التاريخ أن الدنيا قد تغيرت وأن المعتصم قد فارق الحياة بلا عودة ؟ كم سنحتاج للخروج من كل هذا الفساد وكل هذا العدم ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس التونسي قيس سعيد يحدد يوم 6 أكتوبر موعدا للانتخابات ا


.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويعلن تحقيق انتصارات على




.. حادث طعن في مجمع تجاري في #كرمئيل شمالي #إسرائيل حيث جرح 3 أ


.. يائير لابيد: على الجيش احترام قرار المحكمة وتنفيذ قانون التج




.. المبعوث الأميركي آموس هوكستين يعقد محادثات جديدة في باريس بش