الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسودة تضامن مع الشاعر المتهم سلفا

علي ديوب

2007 / 9 / 22
حقوق الانسان


ما الذي يدفع بشاعر لكتابة مسودة دفاع عن نفسه، ضد تهم جاهزة؟ و لماذا يكون متهما؟ ألأنه شاعر؟ أم لأنه مواطن غير قانع بالقضاء و القدر؟ قبل منذر مصري، الشاعر السوري الأعذب و الأخفت صوتا، وسط قعقعة السجانين، وجد محمد الماغوط نفسه متهما بالصدفة، و مطلوبا بالقوة.. لقد اختار الانتساب للحزب السوري القومي، لأن مكتب الحزب كان قريبا من بيت الماغوط، بينما مكتب حزب البعث كان بعيدا، و فوق ذلك كانت البنية الجسدية الخطيرة لرئيسه سامي الجندي، سببا لخوف الشاعر، من أن يضربه الجندي بوكسا يعيده إلى بطن أمه. و لكن الشاعر و قد نجا بنفسه من بوكس الجندي، وجد نفسه هذه طريدة أفرع أمن بكامل جبروتها. لتتابع ملحمة الخلق فصولها، بين إله التفلت و آلهة العقاب.. بين النطق و الصمت.. و يموت الشاعر، الذي أحيا بكلماته الشكوك في صدور أجيال، و يستريح أخيرا من فوبيا الارتياب الذي التصق بكيانه، و صبغ وجوده بالحذر و الانطواء، و حوله إلى سارق للوقت، قنّاص للمتعة؛ ليعيش من بعده، و إلى الأبد، مبدأ التسليم و الإذعان، محميا بقانون المراقبة و المعاقبة، و مسلّحا بحماة الديار.
الخوف حفر فيّ مثل الجرافة، جوّه، بأعماقي. بقلبي، بروحي، بعينيّ، بركبي: الخوف بالركب، و هي ترتجف. أنا ما برجف من البرد، و لا من الجوع، برجف من الخوف!
الخوف بالرّكب، عند الماغوط، هو الخشوع و التصدع. مثلما الصلاة هي ركوع على الركب. و هو شرط لازم، و إن كان غير كاف، تٌتمّمه الخشية في القلب، و الخضوع في الروح، و الانطفاء في العين: آه ما أتعسني! إلى الجحيم أيها الوطن الساكن في قلبي، منذ أجيال لم أر زهرة.
بعد أن تغذى كتاب الستينات من الهزيمة، أولموا لنا الشكوك، مائدة للعشاء الأخير. فكبّرونا قبل الأوان، و رحنا نتفقد شواربنا، و نتمرّن على النظرات العدوانية، و شتى آليات الدفاع عن الذات( أحيانا ضد الذات ذاتها)، بدلا من أن نمرح و نصدح و نلعب و نلهو. كم هي نسبة الإبداع في النتاجات السورية الشابة إلى نسبة السياسة، و مشتقات اللغات الحربجية؟
الدولة الأمنية مهمتها إفساد من لم يفسد بعد، وجعل الجميع مدانا- تحت الطلب( بحسب طيب تيزيني)، و الشاعر من هذا الجمع الجميع.. الغفير الغفور.. و هو لهذا معني بإعداد مسودات دفاع، و تجديدها باستمرار، بما يواكب حركة الحداثة الجرمية التي تمتاز و تتميز بها البلد اللي الله حاميها!
لكن عتبي عليك يا منذر أنك تستهين بنفسك إلى هذه الدرجة، تقول:" من أنا حتى أوهن نفسية أمة كأمتنا، يحميها الله ويكرمها بكل هؤلاء العظماء من ملوك وأمراء وحكام، الذين يكرسون حياتهم الطويلة وحياة أخوتهم وأبنائهم، لخدمة الأمة والارتقاء بها إلى مصاف الأمم العظيمة."؟ هل نسيت أنك مواطن قبل أن تكون شاعرا، و أن هؤلاء الفضلاء يحكمون باسمك، و بفضلك. بل و يحكّموك بنفسك، مثلما يتركون لكل فرد من أفراد الأمة أن يحكم نفسه بنفسه( على غرار أحد الفلاسفة في زمن العباسيين: أنا مشرّع ذاتي)؟ حذار أن تقترف ما يوهن من عزمها، لا، بل عليك واجب تدعيم هذا العزم بصورة منتظمة و متواصلة. و أن تقدم الدليل على ذلك، بتقارير واضحة مسجلة و محفوظة، في مجلد وطني خاص بك، يتناسب و قيمتك الوطنية الرفيعة، كأي مواطن في هذا الوطن الذي هو لك و لي: آآآه يا نيالي.
بلغت الثقة بالدولة، عند مواطن كان ينتمي للحقبة السوفييتية، و هو يفكر بالطريقة التي سيخرج بها من ورطة تبدو له عصية على الحلول: فإن هو سجل ولده أصغر من مواليده الحقيقية سيأخذونه للمدرسة، و إن هو سجله أكبر سيأخذونه للجندية.. و لما جرب أحد أصدقائه أن ينجده باقتراح تسجيل الولد بمواليده الصحيحة؛ انذهل الرجل لبساطة الحل، و كيف أنه لم يخطر له!
و لكن منذر مازال مؤمنا بأن الوطن وطنه، و أنه مستعد للدفاع عنه في حال تعرض لاعتداء.
غريزة البقاء تولد الخوف الأكبر، الخوف الأصلي، الصافي. فالوجود هو معادل للعدم. و لكن الوجود الذي لا يرعاه قانون( فما بالك إن كان منتهكا و منهوبا بالقوانين الاستثنائية العشوائية- مطلقة الصلاحية)؛ هو وجود يعيش قلق العدم يوميا، مرات و مرات. و هو لهذا أشد رعبا من العدم المجرد البسيط. و قد يكون هذا واحد من أسباب انتشار عمليات العدم البسيط في دول عجائب الكون هذه. حيث يكاد الموت أن يصبح أمنية شعبية.
لا بد أنك قرأت تصريح الدكتور عارف دليلة، بتعرّضه للامتهان و الأذى الجسدي على يد رئيس سجن عدرا، حد الإدماء؛ لإجباره على إقرار مزور.. و أنه ظل محتفظا بالدليل الجرمي( مناديل مبللة بالدماء)، ليقدمه إلى القاضي؛ و لكن هذا أجابه بما يعلمه أي مواطن سوري، كما يعلمه د. عارف مسبقا، و كتب عنه مرارا، في خصوص تصحيح سلك القضاء؛ قال له القاضي: لا أستطيع أن أفعل لك شيئا. أما طبيب السجن فكان يترقب إغماءة الدكتور عارف، الذي أصبح في حال شديدة الخطورة، يراقبه دون أية مساعدة، تحتمها مهنته الإنسانية، متسائلا إن كان هذا العقل الفاعل سيفيق من غيبوبته، أم سيرتاح و يريحه؟ فالعارف دليله( بتعبير الزميل نبيل صالح) ثقيل، كما تعلم، على الثقلاء حيا أو مغمى عليه.
و إذن، ماذا تفيدك، يا صديقي، مسودات الدفاع الجديدة، أو المجددة، أو سواها من مسودات التضامن مع مسوداتك؟؟ فحينما يحين قدرك، سيكون القضاء لك بالمرصاد، و سيريحك من قلق الهجس بالطريقة الأمثل للدفاع. و سيكون أمامك متسع للإقرار بما سيملى عليك من ذنوب لا بد أنك اقترفتها. هل تذكر تلك النادرة الشعبية عن مواطن أجبر على الإقرار بأنه هو من سرق المتور، و لما حان موعد تمثيل الجرم( السيناريو الملقن)، راح يشرح كيف تدبر أمر وصل الأشرطة، ثم ركبه و انطلق في شوارع المدينة، قبل أن يلقى عليه القبض متلبسا بالفعلة؛ فيما كان المتور المسروق- موضوع الفعلة- هو متور لضخ المياه!
لا أظن أنهم بلهاء، حتى يتركوا مسرحياتهم تتقدم على هذا النحو الفاشل؛ بل هي شدة احتقارهم للعقل و المنطق، تتركهم لا يهتمون حتى بإجادة الفبركة التي يلصقونها، كيفما تيسر. يقدمون وجبة مسمومة للضحية، و لا يهمهم إن اكتشف السم فيها؛ لأنه في النهاية سينتحر ببعض الطلقات. فهم لا يحبون المشاكل و إضاعة وقتهم و أوقات الناس سدى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسل العربية: القوات الإسرائيلية تطلق النيران على النازحين


.. نتنياهو يصف قرار اعتقاله بالفضيحة وتشريع أمريكي يهدد المحكمة




.. الأونروا تغلق مجمع مكاتبها في القدس بعد إضرام إسرائيليين الن


.. نزوح جديد في رفح وأطفال يتظاهرون للمطالبة بحقهم في التعليم




.. الأونروا تنشر فيديو لمحاولة إحراق مكاتبها بالقدس.. وتعلن إغل