الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كرة القدم السياسية

بشير عاني

2007 / 9 / 22
عالم الرياضة


لم يجرؤ السيد بوش على الخروج إلى العالم هذه المرة للتباهي بالنتائج الطيبة للمنتخب العراقي في كاس آسيا كما فعل عام 2004 في دورة أثينا عندما خرج إلى العالم ليعلن بوقاحة إن النتائج الطيبة التي تحققت في هذه البطولة ليست سوى ثمرة من ثمار الحرية التي بدأ العراقيون يتذوقون طعمها مع دخول الأمريكيين بلادهم وتخليصهم من الطاغية ونظامه المستبد .
لا يحتاج الأمر كثيرا لنفهم إن السيد بوش كان وقتها ، وفي سعيه المحموم للتعلق بأي انتصار، بعد اللطمات القاسية التي بدأت تكيلها المقاومة لجيشه الغازي ، وبعد هزائمه المتلاحقة على الأرض ، وبعد انكشاف أكاذيب أسلحة الدمار الشامل ، وبعد انكشافه السياسي داخل المجتمع الأمريكي ، وبعد.. وبعد ، كان أحمقاً وهو يتكئ على كرة القدم بالذات باحثا عن رائحة انتصار غير مدرك بأن هذه اللعبة تحديدا كانت إحدى أهم أشكال التفوق العراقي في عهد النظام السابق وقد وصلت في ذلك الحين إلى مستوى رفيع أوصلها إلى نهائيات كأس العالم عام 1986 .
في الحقيقية إن هذه التصريحات أو الاستثمارات السياسية الوقحة من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة ليست مفاجئة حتى وللبسطاء من شعوب الأرض قاطبة، فالانتقائية والتلفيقية وقلب الحقائق والقيم والمعايير أصبحت ، ومنذ نصف قرن تقريبا ، تخصصا أمريكيا بامتياز، فدفاع اللبنانيين والفلسطينيين ، مثلا،عن ترابهم ووجودهم هو إرهاب موصوف بنظرهم (لأن الأمر متعلق بالربيبة إسرائيل )، فيما يصبح ذبح المسلمين في كوسوفو جريمة إنسانية توقظ الضمير الأمريكي وتستدعي التدخل لإنقاذهم (لأن الأمر متعلق بمخططات تقسيم يوغوسلافيا الذي سيؤدي إلى إضعاف روسيا ) ، كذلك فإن حماس وباقي فصائل المقاومة في فلسطين ، إضافة إلى المقاومة اللبنانية هي جميعا أشكالا من المؤامرة يغذيها الإرهاب فيما هي في مناطق أخرى كالسودان حق مشروع ، ومثل هذه الأمثلة كثيرة.
ذات يوم كتب الطيب تيزيني مقالة بعنوان ( سحبوا السياسة وكرسوا كرة القدم )، وفيها يتهم الكاتب النظام العربي الرسمي بإفراغ السياسة من المجتمع تمكينا لضبطه وإخضاعه مع توجه خبيث لملئ الفراغ الناجم بأشكال من الأنشطة الجماهيرية غير المهددة لوجود هذه الأنظمة ككرة القدم مثلا .
في الحقيقية، ورغم أهمية مقالة الطيب تيزيني وواقعية منطقها وأفكارها ، إلا أن الحياة قد علمتنا إن حسابات الحقل قد لا تنطبق دائما على حسابات البيدر، وإن الأرقام المهملة أو ما يسمى رياضيا بالارتياب قد تكون أحيانا أحدى المكونات الأساسية للناتج النهائي في السياسة وغيرها ، وربما صاحبة القول الفصل في الكثير من القضايا حتى الخطيرة منها مدحرجة بحضورها وفعلها يقينية الكثيرين بما في ذلك مخططاتهم المدروسة والمشغولة بإحكام ، وإلا كيف يمكن لقطعة مطاط مكورة ومنفوخة أن تجمّع حولها ما فرقته سنوات من الاحتراب الطائفي والمذهبي بين العراقيين وما عجز عن فعله عتاولة السياسة وجنرالات الحرب بأطيافهم المختلفة .
منذ بداية البطولة كان اللاعبون ن العراقيون يوجهون الرسائل بلغات ومضامين مختلفة ، فإلى شعبهم كانوا يكتبون على العشب : انظروا إلينا كم نحن متآلفون ومتحابون ومتحدون ، وإن تاريخنا المشترك الضارب عميقا في الزمن لم يكتب بالطباشير ولن تمحوه الرياح المعادية مهما كانت عاتية .
أما رسائلهم إلى الأمريكيين فواضحة وصارمة وقد نطق بها أحد اللاعبين وهو يرفع الكأس باكيا : لايعتقدن أحد إنهم قد دمروا العراق وشعبه ، نحن مثل طائر الفينيق نخرج من الحرائق والرماد إلى الحياة من جديد .
وتبقى الرسائل الأهم تلك التي وُجهت إلى ملوك الطوائف ، هؤلاء الذين قادوا الأمريكيين إلى بلادهم ليساعدوهم في تأسيس جمهوريات القتل والضغينة متناسين حكمة جدهم الأكبر الذي خرج خائفا من الموت ، باحثا عن عشية الخلود ، وبعد تطواف طويل عاد إلى مملكته ظافرا باليقين العظيم : إن الخلود موجود فقط في محبة الشعب واحترام إرادته و إسعاده، لأن الشعب عندها سيبادله المحبة ولن ينساه عبر العصور .
من هم إذاَ الأحفاد الحقيقيون لـ جلجاميش ..؟
هل هم الذين دخلوا مع الدبابات الأمريكية ، ومازالوا منذ أربع سنوات ، يختبئون خلفها غير قادرين على مغادرة المنطقة الخضراء ، أم أولئك ( الأسود ) الذين زأروا أمام العالم شاهرين جرحهم التاريخي العميق النازف ، ملوحين به كعار جديد يلتصق بجبين العالم المتحضر، صارخين بدموعهم التي فاضت على شاشات التلفزة :
لماذا دماؤنا رخيصة هكذا ؟
تعالي أيتها الشعوب المتحضرة لتنظري بأم عينك بأي أسلحة تقتلوننا اليوم على أرضنا ؟ .
هذا ماقاله ( أسود الرافدين ) في جاكرتا وهو ما يقوله التاريخ أيضا ، والتاريخ لا يكذب ، فحين عجز المحتل عن كسر إرادة هذا الشعب الجبار فكر بذلك السلاح الفتاك ، ذلك السلاح الذي كان الأوربيون يتحاربون فيه منذ مئات السنين ، وهل تنسى الحروب الدينية الطويلة بين الانكليز والفرنسيين أو حروب الكاثوليك والبروتستانت ، وهل تنسى محاكم التفتيش ؟
يا للعار.. !
أوَ لم يعلموا بأن هذه الفسيفساء الدينية والقومية ليست سوى النكهة العراقية التي ميزت العراق عبر تاريخه الطويل
اسألوا التاريخ أيها المتحضرون ،انه لن يكذب ، لأنه ليس ميليشيات طائفية تعدونها وتجهزونها لكتابة سفر الم والضغينة ، هو الذي سيخبركم بأنكم في الوقت الذي كنتم تعيشون فيه في المغاور والكهوف كانت مدن العراق وباقي بلاد الشام تصدر للآخرين الطرائق المثلى للتعايش العرقي والتسامح الديني وهو الأمر الذي استمر ، وسيستمر رغم الدأب الأمريكي وصبيانهم على إفراغ العراق من هذا البعد الحضاري الذي عبر عن نفسه بجلاء وعفوية صدمت الأعداء خصوصا وهم يشاهدون العراقيين ، وبعد مئات الآلاف من ضحايا المؤامرة المذهبية والطائفية ، يطوفون المدن والشوارع يدا بيد ، يتعانقون ويترامون بالأحضان ، سنة وشيعة ، عربا وآشوريين وأكراد .
وعليه ، قد يكون صحيحا إن الرياضة عموما ، وكرة القدم بشكل خاص لجماهيريتها الكبيرة ، أصبحت مرتعا لأيادي السياسيين والرساميل والمافيات وإنها قد تطلق حالات غرائزية فظيعة كالشغب الدامي الذي يستفحل اليوم في جميع ملاعب العالم ، وقد تقود إلى ماهو أكثر من ذلك كالحرب التي دارت بين البيرو والسلفادور إثر إحدى المباريات ، رغم هذا فقد كان لكرة القدم منذ أيام شأن آخر مع العراقيين عندما أحرزوا الهدف الأغلى في المرمى الأمريكي في زمن قاتل وبأسلوب غير متوقع خربط لهم خططهم وسنوات من الأعداد والطبخ السري لتمزيق وحدة هذا الشعب وإقصائه من ملعب التاريخ .
كرة القدم ..!
إنها الرقم المهمل الذي لم يحسبه الأمريكيون ، وعلى غير عادتهم ، بشكل دقيق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خسائر مالية كبيرة يتكبدها نادي مانشستر يونايتد بسبب إقالة ال


.. تأجيل مواجهة فالنسيا وضيفه ريال مدريد بسبب الفيضانات




.. التونسي وليد بوضيفة البطل العالمي الوحيد في رياضة الغطس بالع


.. وزير الرياضة لليوم السابع: شكرا الإمارات والدولة المصرية على




.. ترامب يعزز حضوره في ويسكونسن بدعم أسطورة كرة القدم الأمريكية